فرنسا: ماكرون خيار الناخبين العرب الأول.. ولوبان؟
٥ مايو ٢٠١٧الموعد هو يوم الأحد (السابع من أيار/مايو ) عندما يتوجه قرابة 47 مليون فرنسي إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم المقبل بين الوسطي إيمانويل ماكرون واليمينية المتطرفة مارين لوبان، ومن بينهم ما يقدر بمليونين عدد الناخبين الفرنسيين ذوي الأصول العربية، وهو ما يمنح أهمية لأصوات هؤلاء وضرورة كسبهم للتفوق على المرشح الخصم.
وإذا كانت الحملة الانتخابية وحدها قد أدت إلى انقسام واستقطاب شديد داخل المجتمع الفرنسي، وانعكس ذلك في أوساط المهاجرين عموما، وخصوصا بين الناخبين من أصول عربية، الذين تتوزع مشاربهم ما بين محافظين تقليديين ومحافظين جدد وأنصار اليمين المتطرف إلى جانب مؤيدي المعسكر اليساري الاشتراكي بكل مشاربه.
في السابق كان الناخبون العرب أقل إهتماما بالحياة السياسية والعمل السياسي ويقفون ضمن فئة الناخبين الممتنعين أو المقاطعين للانتخابات، لكن مع تبلور المواقف والاستقطاب في فرنسا غيروا مواقفهم و"الآن هناك استنفار بين هذه الجالية العربية للمشاركة في الانتخابات والتصويت لصالح من يمنع وصول لوبان إلى الرئاسة"، حسب رأي المحلل السياسي والإعلامي مصطفى طوسة من باريس.
ويضيف طوسة لـ DW عربية أن دافع الناخبين من أصول عربية أو من يعرفون بشباب الضواحي لصالح ماكرون، "ليس برنامجه السياسي" وإنما تصريحات لوبان المناهضة للهجرة والمهاجرين وتوجيه الانتقادات لهم و"محاولة تحميلهم أسباب كل الأزمات التي تعاني منها فرنسا. ومن هنا وجد الناخبون من أصول عربية أنفسهم وقودا لنيران لوبان كي توسع دائرة نفوذها وتحصل على المزيد من الأصوات، وهو ما نجحت فيه إلى حد ما"، حسب تعبيره.
تنافس حاد على أصوات الناخبين العرب
لكن ذلك لا يعني أن كل الناخبين ذوي الأصول العربية سيصوتون لصالح ماكرون ضد لوبان، التي هناك أيضا من يدعمها ويصوت لها وخاصة بين الجيل الثاني من المهاجرين الذي يعتبرون أنفسهم فرنسييين ولا تعنيهم قضايا الهجرة والاندماج. لكن طوسة يقلل من أهمية وتأثير هؤلاء ويرى أن نسبتهم بسيطة وهي "ظاهرة محدودة وأقلية بسيطة يتم تضخيمها وتأثيرها إعلاميا".
بيد أن مستشار مؤسس الجبهة الوطنية إيلي حاتم نفى أنّ لوبان تعادي العرب معتبرا "هذه أكاذيب تقوم بها وسائل الإعلام التي يسيطر عليها المستثمرون المساندون للسيد ماكرون، والسيدة لوبان هي الوحيدة بين السياسيين الفرنسيين التي تدافع عن القضايا العربية".
ويبدو من عموم المشهد، أنّ اصطفاف الفرنسيين من أصول عربية خلف ماكرون هو الأكثر ترجيحا واحتمالاً، ليس لأنه بالضرورة خير من يدافع عن مصالحهم، ولكن إضعافا لجبهة لوبان وتأسيسا على ذلك أجاب يونس بلفلاح أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في باريس، عن سؤال DW عربية حول احتمالات تصويت الناخب الفرنسي من أصل عربي لماكرون بالقول "الناخب العربي يرى ماكرون أقل خطراً وأقل ضرراً من لوبان، لذلك يصوّت لأي مرشح، سواء كان ماكرون أم غيره في محاولة لتجنب اليمين المتطرف لما يقدمه من إقصاء وتهديد للنخبة العربية والطبقة المسلمة في فرنسا(...) التصويت سيأتي إلى جانب ماكرون بغض النظر عن برنامجه الانتخابي".
مهاجرون عرب يدعمون لوبان!
لكن الإعلامي مصطفى طوسة يؤكد أن هناك ناخبين ذوو أصول عربية يدعمون لوبان وينشطون في حملتها أيضا، ويقسمهم إلى ثلاث مجموعات، وهم من ينتمون إلى ما يسمى "بالحركيين الجزائريين الذين كانوا يريدون أن تبقى الجزائر فرنسية وناضلوا من أجل أن تبقى فرنسا في الجزائر وهاجروا عام 1962 إلى فرنسا، ويرون الآن أن لوبان هي التي تدافع عن قضاياهم وتتفهم مصيرهم التاريخي والمحن التي مروا بها".
وبالإضافة إلى هؤلاء هناك فرنسيون ذوو أصول لبنانية "يعتقدون أن لوبان والجبهة الوطنية وقفت في الحرب الأهلية اللبنانية إلى جانبهم وأنها هي التي تجسد مبدأ الدفاع عن الأقليات المسيحية في الشرق".
وفي نفس السياق يقترب من هؤلاء موقف ناخبين ذوي أصول مصرية من الأقباط الذين "يرون بأنهم بعد المحن التي تعرضوا لها واستهدافهم من قبل الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، أن لوبان التي ترفع راية الدفاع عن المسيحيين في الشرق هي القادرة على ضمان الإجراءات والحلول لمحاربة الإرهاب"، كما يقول مصطفى طوسة في حواره مع DW عربية.
لكن إيلي حاتم مستشار مؤسس الجبهة الوطنية يوضح في حوار مع DW عربية "يجب على الناخب العربي أن يصوّت لمارين لوبان لأنّها تدافع عن السيادة في فرنسا، ونحن نعلم أن المواطن الفرنسي من أصل عربي يجب أن يصوت كفرنسي وليس كعربي، فإذا أراد أن ينتمي إلى فرنسا فعليه أن ينتمي ويدافع عن الدولة التي هو موجود فيها".
ولدى سؤاله عن حجم التصويت الفرنسي العربي المؤيد للوبان، قال حاتم "من الصعب إقامة دراسة حول الفرنسيين من أصول عربية المصوتين للوبان، ومن الصعب التفريق بن فرنسي من أصل عربي وآخر من أصل انكليزي وثالث من أصل ألماني، كلنا ننتمي لفرنسا"، حسب تعبيره.
الناخبون "العرب"دون هوية سياسية موحدة
وعما إذا كانت الكتلة العربية متجانسة ومنظمة وموقفها موحد، يجيب الإعلامي مصطفى طوسة بالنفي؛ "حيث أنهم "منتشرون على كافة الخريطة السياسية والحزبية الفرنسية، وكل واحد يصوت حسب توجهاته السياسية، ولا يلعب الانتماء الديني أو الإثني أو العروبة أي دور في الخيار السياسي والتصويت لصالح حزب معين".
ومن هنا يرى أن أهمية صوت الناخب الفرنسي ذو الأصول العربية والصراع على كسبه ستكون في الانتخابات التشريعية، حيث سيبحث الرئيس الجديد المنتخب عن "أغلبية برلمانية ليحكم فرنسا، فهناك سيظهر على المستوى المحلي وفي المناطق دور هذه الجالية. وإذا كان يريد أن يستقطبها يجب أن يخاطبها باللغة التي تعجبها وتتناغم مع مصالحها، وهنا يمكن أن يكون للجالية العربية دورا وازنا في المعادلة الانتخابية".
ويبدو أنّ المرشح الأوفر حظا ماكرون لعب ورقة المهاجرين واللاجئين بشكل ذكي، وحسب رأي يونس بلفلاح" فقد أكّد على أنّ الهجرة كانت سببا في إغناء مجموعة من الدول"، لكنه يرى ضرورة العمل على ملف الهجرة من خلال "سياسة واضحة بشأن التوزيع العددي للاجئين"، مركزاً على مسألة الاندماج، معتبرا أن "المشكلة الكبيرة التي تواجهها فرنسا ليست في الهجرة، بل في الاندماج".
ح.ع.ح/م.م/ع.ج