فرنسا والمغرب ـ مرحلة جديدة من العلاقات على أرضية المصالح
٢٧ أكتوبر ٢٠٢٤لم يزر المملكة منذ حوالي ست سنوات. والآن يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب مرة أخرى، تلبية لدعوة من الملك محمد السادس. وهذه الزيارة "تعكس عمق العلاقات الثنائية، القائمة على شراكة راسخة وقوية، بفضل الإرادة المشتركة لقائدي البلدين لتوطيد الروابط المتعددة الأبعاد التي تجمع البلدين"، كما جاء في بيان ودي صادر عن وزارة القصور الملكية.
في الواقع ، يحافظ البلدان بشكل عام على علاقات جيدة مع بعضهما البعض. وعلى الرغم من أن المغرب كان جزءا من الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية لما يقرب من نصف قرن، من عام 1912 إلى عام 1956، إلا أن الحكم الأجنبي لم يكن عنيفا على عكس ما كان الحال في الجزائر المجاورة. وبناء على ذلك، فإن العلاقة الحالية هي، من حيث المبدأ، أقل تعارضا، كما يقول إدريس اليزمي، الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب. "لا تزال الفرنكوفونية جزءا من تاريخنا. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد ذكريات متضادة بين فرنسا والمغرب، والتي لا تزال تتسم بها العلاقة اليوم بين القوى الاستعمارية السابقة ومستعمراتها السابقة".
سنوات من عدم الارتياح
ومع ذلك، كان هناك مؤخرا استياء واضح بين فرنسا والمغرب. وقد أثار ذلك، على سبيل المثال، حقيقة أن فرنسا خفضت بشكل حاد عدد التأشيرات الصادرة للمواطنين المغاربة في عام 2021. ولم تزد باريس العدد مرة أخرى إلا بحلول ديسمبر/ كانون الأول من العام التالي.
لكن أهم ما كان يغضب المغرب هو أن فرنسا ترددت لفترة طويلة في الاعتراف بسيادة المملكة على الصحراء الغربية، التي تسيطر على أجزاء واسعة منها. فمنذ انسحاب إسبانيا في عام 1975، طالبت إحدى الحركات السياسية باستقلال المنطقة. وفي المقابل يطالب المغرب بأحقيته فيها ويريد منذ عام 2007 منحها وضع الحكم الذاتي فقط.
وبداية من الصيف فقط، تبنى ماكرون موقف المغرب أيضا، مثلما فعلت الولايات المتحدة سابقا خلال ولاية دونالد ترامب، لكنه بذلك انحرف عن الموقف الرسمي للأمم المتحدة، الذي لا يزال يدعو إلى إجراء استفتاء، وإجراء حوار بين أطراف النزاع من أجل التوصل إلى حل سياسي توفقي، ولا يعترف بمطالبة المغرب من جانب واحد بسلطته على المنطقة. ومؤخرا طرح المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة للصحراء الغربية ستافان دي ميستورا فكرة تقسيم الإقليم.
بموافقة فرنسا على خطة المغرب بشأن الصحراء الغربية، فإن جزءا كبيرا من الخلافات بين الدولتين يُعتبَر تم حله. ومع ذلك، من خلال الاعتراف بالموقف المغربي، تعرّض فرنسا علاقتها مع الجزائر للخطر، علما بأن تلك العلاقة ظلت دائما صعبة. الجزائر - مثل بعض الدول الأفريقية - تتحدث لصالح استقلال الصحراء الغربية وتدعم حركة الاستقلال الصحراوية: "جبهة البوليساريو". ومنذ الهجوم الروسي على أوكرانيا خصوصا، أضحت الجزائر الغنية بالمواد الخام شريكا مهما للاتحاد الأوروبي في إمدادات الطاقة.
المصالح الاقتصادية والأمن في منطقة الساحل
بالنسبة للمغرب، عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن "السؤال الحاسم دائمًا هو كيف تقف الدول الأخرى بشأن قضية الصحراء الغربية"، بحسب ما يوضح شتفن هوفنر مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في الرباط. .
وفي هذا الصدد، قررت فرنسا لصالح المغرب -وضد موقف الجزائر- بشأن قضية الصحراء الغربية. ومن خلال تحول موقفها بشأن هذه القضية، أصبحت فرنسا الآن شريكًا يحظى باحترام كبير في المغرب. وقال هوفنر: "هذا مهم على الأقل بالنسبة لاقتصادها".
ويضيف سيكون للشركات الفرنسية اهتمام كبير بالاستثمار في المغرب والصحراء الغربية - على سبيل المثال في قطاع الطاقة أو تقنيات تحلية المياه أو مشاريع البنية التحتية الكبيرة مثل توسيع الموانئ والمطارات. على سبيل المثال، تم الإعلان مؤخرا عن أن شركة "الستوم" (Alstom) الفرنسية، التي تنشط في بناء قطارات وخطوط السكك الحديدية، لديها فرصة جيدة للفوز بعقد توريد قطارات جديدة للخط فائق السرعة الجديد المخطط له بين مراكش والقنيطرة.
الشراكة مهمة أيضا لفرنسا لأنه بسبب انسحابها من منطقة الساحل الأفريقي أصابها ضعف سياسيا واقتصاديا، حسب الخبير الألماني، الذي يضيف: "والآن يثبت المغرب أيضا أنه شريك موثوق به للاقتصاد الفرنسي".
التصدي للهجرة
لكن هناك موضوع آخر يوجد في بؤرة الاهتمام، ففرنسا - مثل معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - لديها مصلحة في الحد من الهجرة غير النظامية. وفي هذا الصدد يعتبر المغرب أيضا شريكا مهما. فالمغرب، وفقا لبياناته الخاصة، أوقف حوالي 87 ألف مهاجر في عام 2023 - وهي زيادة حادة مقارنة بحوالي 56 ألف مهاجر تم إيقافهم بين يناير/ كانون الثاني وأغسطس/ آب 2022. ويبدو من الواضح أن تحول فرنسا إلى مسار الرباط بشأن الصحراء الغربية من المرجح أن يزيد من استعداد المغرب للتعاون في قضايا الهجرة غير النظامية.
أما الخبير المغربي إدريس اليزمي فيعتبر سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي متناقضة، فالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل قوي على العمالة وتقوم بالدعاية في الجنوب العالمي بشكل مستهدف للحصول على تلك القوى العاملة، ولكن في الوقت نفسه، ومازال الكلام لإدريس اليزمي، "هناك نقاش شعبوي حول المهاجرين في دول الاتحاد الأوروبي". وكحل وسط محتمل، يشير اليزمي إلى مؤتمر الأمم المتحدة الدولي لعام 2018 حول الهجرة في مراكش و"الاتفاق العالمي للهجرة" المعتمد هناك. وهذا ينص على توسيع نطاق الهجرة النظامية، ولكن في الوقت نفسه مكافحة عصابات التهريب والاتجار بالبشر عبر الحدود. وأضاف "المحادثات المقبلة يجب أن تجري أيضا على هذا الأساس. الأمر يتعلق بالتنسيق مع بعضنا البعض - وليس حول شيء يفرض على دولة من الخارج"، يشرح اليزمي من منظور مغربي.
لكن في الوقت الحاضر، تبدو الرباط عازمة على لَجْم الهجرة غير النظامية، كما يقول الخبير هوفنر. "يؤكد المغرب نفسه إلى أنه منع عشرات الآلاف من محاولات عبور الحدود هذا العام أيضا. من الواضح أن البلاد تعتمد على التعاون مع الاتحاد الأوروبي في هذه القضية".
ومع ذلك، يولي المغرب أيضا أهمية لتلقي الدعم في قضية الصحراء الغربية مقابل هذا التعاون، حسب هوفنر. ويدرك المراقبون السياسيون إمكانية ممارسة الضغوط: يمكن للمغرب أن يحد عن وعي من الهجرة غير النظامية - ولكن أيضا يمكنه أن يسمح بها عمدا.
أعده للعربية: صلاح شرارة