فوضى الفتاوى وتحديات العولمة
١٥ مايو ٢٠١١أشاد الشيخ كيجاور عبد الرحمن، إمام وخطيب مسجد حي الجبل في العاصمة الجزائرية، في تصريح خاص للدويتشه فيله، بعقد المؤتمر الذي دعت إليه وزارة الشؤون الدينية، ورأى أن الفتوى من صميم الثقافة الإسلامية: " لم تحسن وزارة الشؤون الدينية في تنظيم هذا اللقاء الدولي فحسب، بل كان من الضروري أن يقام وعلى أرض الجزائر بالذات". والسبب حسب الشيخ كيجاور هو فوضى الفتاوى التي عرفتها الجزائر والبلاد الإسلامية في السنوات العشرين الأخيرة، وهي وضعية يعلق عليها الدكتور يوسف بلمهدي قائلا: " لقد اختلطت مفاهيم الفتوى بين المسلمين، فصار هناك مفتون في بعض البلاد الإسلامية يُفتون إلى مسلمين في بلاد أخرى غير بلادهم، دون معرفة خصوصيات كل بلد وعاداته وتقاليده".
ويشير الدكتور بلمهدي هنا، إلى الفتاوى التي انتشرت في الكثير من البلاد الإسلامية والقادمة بالدرجة الأولى من بلدين اثنين: أحدهما سني هو المملكة العربية السعودية، والثاني شيعي هو إيران. وقد اشتكى أئمة وعلماء كثيرون في الجزائر من هذا الاستقطاب الذي أضر بخصوصيات البلد الدينية والثقافية.
و يعلق الشيخ كيجاور عبد الرحمن على هذا الوضع قائلا: "لا نفهم سبب ميل بعض السلفيين إلى الفتاوى القادمة من السعودية تحديدا، لأنها لا تتلاءم مع الواقع الجزائري، كما أنها لا تلتزم بالقواعد الشرعية الملزمة باحترام تقاليد البلد وأعرافه قبل إصدار أي فتوى".
و في نفس السياق، ولكن من ناحية إعلامية واجتماعية، يرى الإعلامي غمراسة عبد الحميد، أن القوة الإعلامية التي كانت لدى مصر في الخمسينات انتقلت إلى السعودية منذ عشرين عاما، و يضيف في تصريح خاص للدويتشه فيلله: "موقع السعودية في العالم الإسلامي بوجود مكة المكرمة فيها وغنى البلاد بأموال النفط، وفر لها وسائط إعلامية ومالية مكنتها من نشر فكر سلفي لا يتناسب حتى مع بعض السلفيات المحلية في بلاد المغرب وغيرها. ومكّن هذا التفوق المادي والإعلامي السعوديين من تحجيم علماء محليين كثيرين في العالم الإسلامي".
غياب المرجعية يؤدي إلى العنف
وبسبب تحديات الإعلام ووسائطه، أراد منظمو لقاء الجزائر تسمية الأمر ب: "تحديات العولمة". فالدكتور إسماعيل كاظم لواص من الإمارات العربية المتحدة، يرى في تصريح خاص للدويتشه فيله، أن التحدي على الفتوى يتعدى موضوع الإفتاء داخل المجتمعات الإسلامية، بل ويصل الأمر إلى كيفية التعامل مع غير المسلمين، ويضيف الدكتور لواص: "الإسلام لا يمنعنا من الإحسان إلى من لم يصل إلينا بضرر، بل أمرنا أن نقسط إليهم، والفتاوى التي تعلن الحرب على الجميع خارجة عن السياق الإسلامي بكل معنى الكلمة، ويسرني إعلامكم أن هذا الأمر أقضّ مضاجع علماء المسلمين في الفترة الأخيرة، وقد اجتمعنا بسببه في ماليزيا والإمارات العربية المتحدة، وها نحن نجتمع الآن للمرة الثالثة في الجزائر".
ولاحظ كثيرون خلال المؤتمر، الذي دام ثلاثة أيام، أن طريقة تناول المشاركين للفتوى زمن العولمة وانتشار وسائل الإعلام والإنترنت، لم ترْقَ إلى المستوى المطلوب بسبب طغيان الأسلوب الأكاديمي الجاف، وثقل تناول موضوع تحديات وسائل الإعلام وسرعة انتقال المعلومة. ويعلق الكاتب محمد بغداد على هذا الوضع بالقول: " لقد تعرضت منظومة الفتوى لتحديات كثيرة في السنوات الأخيرة، لكنها لم تغير من أسلوب تعاملها مع هذا الوضع الجديد، لابد أن تتغير وأن تجدد أسلوب تعاملها مع العالم الخارجي. الحداثة أمر ضروري لا مفر منه".
إلا أن الدكتور يوسف بلمهدي يرفض هذا التحليل ويرى: "الواقع يشهد أن هناك علماء ومفتين على اتصال دائم بالناس عبر الوسائط الاجتماعية كالفيس بوك والتويتر ويعرفون كيفية التواصل مع الجيل الجديد، والحديث عن تحديث منظومة الفتوى وتجديدها ما هو إلا حديث صالونات أدبية، لأن المفتي له علاقة مباشرة بالناس. ومشكلتنا اليوم هي في الإفتاء الفوضوي العابر للحدود وفي كيفية التعامل مع غير المسلمين".
دور السياسة في نشر الفتاوى
ويضيف الدكتور لواص من الإمارات العربية المتحدة: "لا بد أن تصل كلمتنا إلى الجميع، فنحن نرفض الفوضى الحالية، بل ونريد أن تكون علاقتنا مع غير المسلمين واضحة جدا، وللحكومات دور كبير في هذا الشأن".
و يرى الشيخ محمد الضيفلي، وهو إمام خطيب في مدينة البليدة، أن الوضع أضحى لا يطاق، ويضيف في تصريح خاص للدويتشه فيلله: "تصور أن لباس بعض المتدينين قد تغير ونسوا لباس البلاد الأصلي، والأخطر هو التعاملات الأسرية حيث يربّى الأولاد على أسلوب غريب لا يعترف بتقاليد البلد، ولست أدري كيف لمؤتمر كهذا أن يغير من هذا الوضع سريعا، فبسبب فتاوى بعض الفضائيات لم يعد الكثير من المصلين يعترف بنا وبفتاوانا".
انتهى مؤتمر الفتوى وتحديات العولمة بتوصيات إلى الجهات الرسمية تذكّر بأهمية احترام الجهات المُصْدرة للفتاوى لبعضها البعض. ويرى الإعلامي غمراسة عبد الحميد أن الأمر أكبر من هذا المؤتمر، و يضيف: " لابد من قرارات سياسية تصدر من الدول الأقوى إعلاميا تلزم الهيئات الدينية بأخذ ظروف الآخرين من المسلمين و غيرهم بعين الاعتبار". أما الدكتور يوسف بلمهدي فيقول: "نحن أيضا نفتي في الفضائيات وفتاوانا تصل إليهم كما تصل فتاواهم إلينا، ولا يسلم من ذلك تابع مجمع أو حوزة، ما نطلبه هو الاحترام والالتزام بالقواعد الشرعية في الفتوى".
هيثم رباني - الجزائر
مراجعة: عبد الرحمن عثمان