في العيد أين يجد العراقيون طبيبهم؟
٢٦ أكتوبر ٢٠١٢في الأعياد والمآتم، يصبح العثور على طبيب صعبا جدا، فالكل مشغولون بالعيد، والكل بعيدون عن مركز عملهم، وهذا لا يقتصر على العراق، لكنه في نفس الوقت يثير سؤالا مفاده: ألا يمكن أن يستريح الطبيب؟ وثمة من يسأل أيضا: ماذا يفعل المرضى في الليل؟ وأين نجد الطبيب الخافر (طبيب المداومة)، وماذا يمكن أن يفعل في مدينة بغداد وتعداد سكانها 7 مليون نسمة؟ من يُعالج ومن يُترك؟
في إجابة هذا الأسئلة يقول ضيف برنامج العراق اليوم من DWعربية د. ميثم حسين جبر أخصائي الأشعة من كوبنهاغن إن الطبيب الخافر يقوم بهذه الوظيفة، وهو في العادة يتقاضى أجرا مضاعفا عن قيامه بالواجب خلال أيام العيد والعطل الرسمية.
"وزارة الصحة هي الأسوأ في العراق"
في اتصال من بغداد قال د. حيدر أنه يوجد في كل مستشفى أطباء خفراء (أطباء المداومة) هم المقيم الأقدم، والطبيب المقيم الدوري وهم مقيمون في المستشفى ولا يرون حتى بيوتهم وأسرهم في كل الأيام وضمنها أيام العيد وهم معرضون للسؤال والمحاسبة في حال تغيبهم عن العمل. وأشار د .حيدر إلى وجود صيدلية المستشفى التي تزود المريض بالدواء المطلوب وهي مفتوحة بشكل دائم.
ومضى د.حيدر إلى القول" على الناس أن يقدروا وضع الطبيب وساعات عمله ووضع وزارة الصحة و هي الأسوأ في العراق ". د. وسيم مقدم برنامج العيادة في راديو دجلة أشار إلى أن العلاقة بين الطبيب والمريض يرسي قواعدها الطبيب نفسه وليس المريض، والطبيب يعرف من ساعة دخوله كلية الطب أن مهنته المقبلة تتطلب التضحية، "ولكن للأسف يربي المجتمع الطلبة على مفهوم أن الطبيب يربح كثيرا من الأموال وعلى الطالب الناجح أن يتوجه لهذه المهنة، فتزرع في نفوس البعض روح الجشع متناسين مهنتهم الإنسانية". وكشف د. وسيم أن الطبيب يتلقى أجرا إضافيا عن قيامه بواجبات الخفارة (المداومة) والعمل في خارج ساعات الدوام الرسمي الاعتيادية ، مشيرا إلى أن معدل دخل الطبيب الشهري العراقي يصلا إلى $2000 شهريا بالنسبة للطبيب المقيم حديث التخرج.
وأطلقت وزارة الصحة في العراق ووزارة صحة إقليم كردستان في منتصف شهر مارس/ آذار من العام الجاري 2012 مشروع طبيب العائلة ليشمل مدن السليمانية وكركوك وميسان وحي العدل ببغداد وبهدف تنظيم عمل الأطباء وتنسيق علاقة الناس بهم. نقص الكادر الطبي حول المشروع إلى إجراء روتيني، حيث عين في كل مركز صحي طبيب صار يدعى طبيب العائلة، وبهذا فقدت المبادرة معناها وروحها.
علاقة مرتبكة بين الطبيب والناس
سنوات الحصار الاقتصادي وما تبعها من سنوات التغيير أساءت إلى حد كبير إلى شكل العلاقة بين الطبيب والناس، فالمرضى وذويهم ينتظرون أن يقف الطبيب معهم ملازما سرير مريضهم وكأنه أمه، وهذا يتنافى مع أصول العمل المهنية، كما أن الناس عموما بعيدون عن حقيقة مشكلة التوزيع الديموغرافي للأطباء الذي يخصص لكل طبيب أكثر من 20 ألف مريض، وهذا يعني أنه لن يتمكن من العناية بالمرضى كما ينبغي لأن وقته لن يسمح بالمزيد.
د. آسيا الشمري تحدثت من عيادتها في مسقط عاصمة عمان إلى مايكروفون برنامج العراق اليوم من DWعربية مشيرة إلى أن الطبيب تهمه في النهاية سلامة مريضه، وإذا توفرت للطبيب شروط عمل مريحة فهو لن يتوانى في مد يد المساعدة لمريضه لاسيما وأنه قد أقسم على هذا حين تخرجه من الجامعة" المهم عند الطبيب هو الإنسان". إلا أن أبي آرا في اتصال من السليمانية أشار إلى أن أطباء العراق يقفون خارج سقف المحاسبة والمساءلة " ولم نسمع مثلا أن نقابة الأطباء قررت إيقاف طبيب عن ممارسة مهنته وسحبت أو علقت شهادته، وهذا معمول به في كل دول المنطقة، ومن جانبي لا أعذر أي طبيب إذا قصّر في العمل".
"لماذا لا تدفع وزارة الصحة تعويضات لضحايا الأخطاء الطبية؟"
ويتعرض الأطباء في العراق اليوم إلى مخاطر دفع دية المريض الذي يتوفى إلى أهله وعشيرته، وهنا يصل المبلغ إلى 30 أو 40 ألف دولار وهو أمر يعيق عمل الطبيب ويدفعه إلى النظر في خيار الهجرة. د آسيا الشمري أشارت إلى تجربة عُمان في هذا الصدد مبينة أن "وزارة الصحة تدفع من صندوق الضمان تعويضات للمتضررين من أخطاء الأطباء، وهذا يحمي الطبيب الذي قد يرتكب خطأ ما".
المستمع محمد في اتصال من الموصل أشار إلى أن الناس يعذرون الطبيب، إلا أنه لابد من السؤال لماذا صار الأطباء يطلبون من المريض أن يأتي بالدواء من الخارج. وعلينا أن نقرّ بديهية أن الطبيب هو في النهاية إنسان، ويريد أن يرتاح وأن يحتفل بالعيد مثل سائر الناس، وهو يشكو أيضا من سوء المعاملة وقلة الأجر وتعرضه للمخاطر، ويشكو من تخلف المستشفيات وشيوع الفساد في وزارة الصحة، ويشكو من فقر سوق المعدات الطبية، وفوق ذلك فإن المواطن والطبيب يشكون من قلة عدد الأطباء وسوء توزيعهم ومن وقلة الكادر الصحي الوسيط والمساعد والخدمي وتخلف مستواهم العلمي.