في مواجهة التفجيرات: جهاز وهمي وفساد متفاقم
٢٣ أغسطس ٢٠١٢ما زالت الهجمات بالقنابل والمتفجرات والهجمات المسلحة حدثا يوميا في العراق، وقد قتل 325 شخصا خلال تموز/يوليو الماضي، الذي اعتبر الأكثر دموية منذ عامين. كما قتل 409 أشخاص على الأقل خلال رمضان الذي بدأ في تموز/يوليو الماضي، وانتهى مطلع الأسبوع الحالي.
الفضائح تلاحق جهاز الكشف عن المتفجرات والأسلحة، وتلاحق وزارة الداخلية العراقية التي تعاقدت على شرائه والشركة البريطانية التي أنتجته، لكن قوات الأمن ما زالت تستخدم "جهاز الكشف ايه دي اي 651" ذاته لتحديد السيارات التي يجب فحصها بشكل دقيق عند نقاط التفتيش.
قدرات وهمية
"جهاز الكشف ايه دي اي 651" يستخدم في العراق وأفغانستان وهو مصنوع في بريطانيا من قبل شركة للمعدات الأمنية والاتصالات المحدودة، وعندما عرضت هذه الشركة جهازها ، أعلنت أنه وفقا لمواصفات عالية الدقة بينها قدرته على الكشف للمتفجرات على بعد يصل إلى ألف متر وعلى ارتفاع ثلاثة كيلومترات من خلال استخدام بطاقات الكترونية حساسة. لكن الواقع اثبت خلاف ذلك الى حد ما، ما أدى إلى اعتقال مدير الشركة مطلع 2010، في بريطانيا لتصدير شركته جهاز الكشف "ايه دي اي 651" إلى العراق وأفغانستان.
وأوضحت الشرطة البريطانية آنذاك، أنها أوقفت جيم ماكورنيك (53 عاما) مدير شركة "إيه تي أس سي" البريطانية بشبهة الاحتيال خصوصا، قبل أن تطلق سراحه بكفالة بانتظار اكتمال التحقيقات.
من جانبها، أعلنت وزارة العمل البريطانية في العام ذاته، ان "الاختبارات كشفت بان التكنولوجيا المستخدمة في الجهاز +اي دي اي 651+ والأجهزة المماثلة غير مناسبة للكشف عن القنابل".
رد الفعل العراقي
في أعقاب الإجراء البريطاني ، أمر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتشكيل لجنة للتحقيق في هذا الأمر.
بعد شهر من ذلك ،قال المتحدث باسم الحكومة العراقية ، لوكالة فرانس برس إن بغداد ستطلب بتعويضات مادية من الشركة البريطانية مقابل الأجهزة التي استخدمتها قوات الأمن في معظم الحواجز الأمنية في البلاد لكشف المتفجرات، وأضاف أن التحقيق كشف أن "أكثر من خمسين % من تلك الأجهزة أصلية وصالحة للاستعمال وفاعلة وما تبقى منها مقلد وغير فاعل وغير صالح للاستخدام".
في مجال إجراءات الحكومة، مضى المصدر الى القول "لذلك تم سحب الأجهزة المقلدة وغير الصالحة واستبدالها بأجهزة فاعلة وأصلية" لمواصلة استخدامها. لكن وقائع التفجيرات التي جرت بعد هذا التاريخ أثبتت عدم جديته بل وأثبتت خطأه، فبعد أيام من هذا الإعلان، وجهت النيابة العامة البريطانية تهما إلى ماكونيك وخمسة أشخاص آخرين بالتورط في أجهزة كشف مغشوشة.
الداخلية تقول إن الجهاز سفك الدم العراقي
المفتش العام لوزارة الداخلية عقيل الطريحي خلال لقاء قبل أيام مع وكالة فرانس برس قال "اعتقد أن هذا الجهاز ساهم في هدر وسفك دم عراقي لأنه لم يكن فعالا بالدرجة المطلوبة كما هي المواصفات المطلوبة لهذه الأجهزة"، مضيف أن "تقريرا صدر عن قيادة عمليات بغداد أشار إلى انه في منطقة واحدة استخدم فيها جهاز الكشف +ايه دي اي 651+ إضافة إلى وسائل أخرى، تم كشف 19 % فقط من الهجمات بالقنابل".
المصدر نفسه أشار إلى أن وزارة الداخلية أنفقت أكثر من 5،143 مليار دينار عراقي (نحو 5،119 مليون دولار) لشراء أجهزة الكشف من هذا النوع في عام 2007، عندما "كانت البلاد في شبه حرب أهلية والإرهابيون يمارسون التفجيرات على نطاق واسع وكانت هناك محاولة للحصول على أجهزة تمنع هذه التفجيرات وكان هذا الجهاز معروضا".
لكنه أشار إلى أن "القوات الأميركية قدمت تقارير تشير إلى أن هذا الجهاز غير فعال". وتابع أن "وزارة النفط والعلوم والتكنولوجيا أيضا أشارت إلى أن جهاز الكشف ذاته غير صالح للكشف".
وتحدث الطريحي عن قيام مكتب المفتش العام لوزارة الداخلية بإجراء تحقيق طويل بسبب العقبات التي اعترضنه، بدون ذكر تفاصيل. وتابع أن العراق دفع مبالغ كبيرة تتراوح بين 45 و65 مليون دينار عراقي (حوالي 5،37 الى 100،54 الف دولار) لكل جهاز من هذا النوع "فيما كان يباع في مناطق أخرى من العالم بثلاثة آلاف دولار" مشيرا بذلك الى فساد إداري ضخم.
وزارة الداخلية تعلن وجود فساد فيها
المصدر نفسه، أكد أن "المبالغة في الأسعار والإجراءات التي تم بموجبها العقد تشير الى وجود فساد كبير والتحقيقات التي أجريناها أثبتت بعض هذا الفساد فيما يتعلق بوزارة الداخلية". وأضاف ان "بعض من كان وراء هذه الصفقة أحيلوا إلى المحاكم وتم محاسبتهم، لكن في تصوري الموضوع لم يحسم حتى الآن".
وأشار إلى "اتفاق مع الجانب البريطاني بالقيام بتحقيق مشترك".
المهم هنا هو أن هذه الأجهزة ما زالت تستخدم رغم كل الاعتراضات والفضائح، وقد
أثبتت الأعوام الماضية التي شهدت أعمال عنف بينها انفجار سيارات مفخخة وعبوات ناسفة، فشل جهاز الكشف الذي يسبب غالبا زحاما شديدا دون أن يكشف عن وجود متفجرات أو أسلحة بقدر ما يزرع نقمة شديدة واستياء بالغا نتيجة التأخير.