قبائل العراق ـ دور حاسم في قيام الدولة الحديثة
٢٢ أبريل ٢٠١١من يتأمل تاريخ العشائر في العراق يجد أنها لعبت دوراً أساسياً في الحركة السياسية على مدى التاريخ السياسي الحديث. كما مارست الكثير من العشائر لعبة المناورة، فهي ناهضت الحكم العثماني، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، واختارت أن تقف مع القوى الأوروبية الوافدة إلى المنطقة، ثم حملت لواء مقاومة الاستعمار البريطاني لتعود إلى مهادنته بعد ذلك.
وكان البريطانيون في مطلع القرن العشرين، وإبان الحرب العالمية الأولى، بحاجة إلى ضمان خطوط إمداداتهم الممتدة من الهند إلى الشرق الأوسط والتي كانت عرضة لهجمات قبائل المنتفك وكعب وبني لام والظوالم جنوب العراق، ومن هنا وجدوا أن من الأنسب منح تلك القبائل بعض الامتيازات مقابل قيامها بحماية خطوط القوافل، وهو ما اعتبرته القبائل أتاوات فرضتها على البريطانيين.
وأطلقت هذه القبائل وقبائل أخرى، وبقيادة المرجعيات الشيعية في النجف، في عام 1920 تمردا صار يعرف فيما بعد بثورة العشرين. ثم اهتدى الساسة البريطانيون إلى حل يضمن لهم سلامة خطوط الإمدادات كما يضمن للحكومات العراقية، التي خُطط لها أن تحل محلهم بعد نهاية الانتداب، سلاما دائما مع القبائل. من هنا فقد قرروا إشراك شيوخ ووجهاء القبائل في السلطة.
القبائل: من حماية خطوط الإمداد إلى مجلس الأعيان
وعلاقة العشائر بالحكومة، التي تأسست عقب الانتداب البريطاني، شهدت حالات مد وجزر. فقد قامت العشائر بعدة محاولات للتمرد على سلطة الحكومة المركزية في جنوب العراق، وخصوصاً في عهد الملك غازي، مما أرغم الحكومة آنذاك على استعمال القوة المسلحة للقضاء على هذه الحركات. ثم عمد الملك، وبمشورة بريطانية، إلى استمالة شيوخ العشائر بالمال والمناصب والجاه، ليجعل عددا كبيرا منهم نوابا في مجلس الأعيان.
وكان مجلس الأعيان نسخة عراقية لمجلس اللوردات في بريطانيا. وكان القصد منه منح الإقطاعيين من شيوخ القبائل ووجهاء وشخصيات مدنية مهمة أخرى دورا في صناعة القرار. هذه الإستراتيجية نجحت تماما في إخماد حركات التمرد القبلية العربية في جنوب ووسط وغرب العراق، لكنها لم تفلح مع القبائل الكردية التي أدمنت الثورة على الحكومات المتعاقبة على مدى تاريخ العراق الحديث لأنها لم تجد لنفسها دورا في صناعة القرار في البلد ولم تشعر، إلا مؤخرا، بأنها مكون أساس ضمن النسيج الاجتماعي للبلد.
دور حاسم للعشائر بعد 2003
على مدى القرن العشرين والألفية الثالثة تذبذبت أدوار العشائر بين الولاء وبين التمرد على السلطة.وبعد أن أسقط التحالف الدولي نظام صدام حسين عام 2003 ، اعتمدت الإدارة الأمريكية التي قادت التحالف مرة أخرى على الإستراتيجية البريطانية، فعمدت إلى استمالة شيوخ القبائل لتضمن ولاءهم، وهكذا فقد انتخب غازي عجيل الياور، كبير مشايخ عشائر شمر وعنزة، كأول رئيس انتقالي لجمهورية العراق بعد 2003 .
كما وجد زعماء ووجهاء قبليون من جنوب العراق طريقهم إلى مجلس النواب وحصل بعضهم على مناصب وزارية، إلا أن تسمية هؤلاء جاءت دائما تحت عنوان الأحزاب الدينية التي احتوتهم وإن كانوا قد اعتمدوا على أصوات قبائلهم في مناطق انتشارها إلى حد كبير في الحصول على مقاعدهم النيابية.
وللتصدي لتنظيم القاعدة الإرهابي، الذي وجد في مناطق غرب العراق حاضنة له، اعتمدت القيادة الأمريكية العسكرية في العراق على مبدأ استمالة العشائر. وعمدت إلى استحداث تنظيمي "صحوة العراق" و" أبناء العراق" من خلال تسليح عشائر الدليم في الرمادي ومدها بالمال بشكل شهري منتظم. ونجح تنظيما صحوة العراق وأبناء العراق العشائريان في القضاء على تنظيم القاعدة في مناطق الرمادي، وأصبح لزاما على الحكومة العراقية أن تضم عناصر التنظيمين إلى الجيش العراقي، الأمر الذي اصطدم بعقبات عدة.
وحتى في كردستان العراق لعبت القبائل دورا محوريا. فقد تصدر زعماء القبائل الكردية حركات التمرد وساهموا في تحولها إلى ثورة وطنية تتبنى مشروع إقامة دولة كردية ضمن إقليم كردستان. واليوم يلحظ المرء دورا كبيرا للقبائل الكردية في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي واسع الصلاحيات عن الحكومة المركزية في بغداد إلا أنه يرتبط نظريا وقانونيا بها، بالرغم من ظهور حركات جديدة مناهضة كحركة "غوران" أو التغيير.
ملهم الملائكة
مراجعة: أحمد حسو