"قلق وخوف" يعتريان الجاليات اليهودية في ألمانيا
١٥ أكتوبر ٢٠٢٣لن تنسى إيستر ك. هذه اللحظة؛ ففي صباح السبت (السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023) كتبت لها إحدى صديقاتها: "انظري إلى ما يحدث في إسرائيل". خبيرة العقارات فكرت حينها: "لقد اعتدنا جميعا على حدوث شيء ما في هذا البلد الصغير المجنون". لكنها قرأت بعد ذلك أن حماس - التي تصنفها ألمانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل ودول أخرى كمنظمة إرهابية - هاجمت إسرائيل بشكل مفاجئ بصواريخ من غزة.
وفي الوقت نفسه، يقتحم الإسلامويون المسلحون إسرائيل عن طريق البر والبحر والجو. امتلأ هاتفها بمكالمات تطلب المساعدة وبالصور من إسرائيل. "من منكم رأى والدتي؟" يقوم إرهابيو حماس بقتل الناس بالقرب من الحدود ويأخذون الرهائن.
تقول إيستر ك. إنها منذ ذلك الحين لم تشعر إلا بفراغ أسود. وتضيف: "لا يزال الجنود يدخلون هذه القرى ويعثرون على آبائهم مقتولين بالرصاص، وعلى أطفال صغار مقتولين بالرصاص بجوار أجهزة بلايستيشن مازالت مشتغلة". وكحال كثيرين آخرين، بقيت تنظر إلى هاتفها مندهشة، وفكرت: "ما هذا؟ ما هذا؟ أين الجيش؟".
أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى
تمتلك إسرائيل أحد أفضل الجيوش، وجهاز الاستخبارات (الموساد)، ونظام الدفاع الصاروخي القبة الحديدية. وحتى اليوم لا يزال ليو لاتاش، عضو مجلس الإدارة ورئيس قسم الأمن للجالية اليهودية في فرانكفورت، مندهشا من عدم اكتشاف الهجوم الإرهابي في الوقت المناسب. لم يكن يتوقع مثل هذا المستوى من الضعف.
كان الطبيب يراقب من هنا بلا حول ولا قوة، بينما يحاول زملاؤه الإسرائيليون إنقاذ الأرواح دون أي حماية عسكرية. ويقول لاتاش، بالنظر إلى التوغل البري الإسرائيلي المحتمل في قطاع غزة: "لا أعرف كيف سينتهي هذا الأمر. ولا عدد الأشخاص الذين سيموتون".
حياة اليهود خلف الأسوار
إنه من المهم جدا بالنسبة لألمانيا أن يعيش هنا مرة أخرى أكثر من مئة ألف يهودية ويهودي. الحياة اليهودية، بمهرجاناتها وعاداتها ومدارسها ونواديها الرياضية، يجب أن تكون ممكنة مرة أخرى في كل مكان في ألمانيا بعد المحرقة النازية. هكذا كان الحال، وهو اليوم كذلك. ولكن الحياة اليهودية لم تكن آمنة إلا من خلال حماية الشرطة والأسوار العالية.
يشعر المتحدث باسم الجالية اليهودية في برلين، إيلان كيسلينغ، ببعض المرارة وهو يكتب لـDW: "جرى تعزيز مستويات الأمن في منشآتنا منذ زمن طويل. وهكذا اعتاد أفراد جاليتنا على الحياة المجتمعية منذ السبعينيات، حيث شيدت أسوار للحماية وكاميرات مراقبة. لأسباب ليس أقلها الزيادة المثيرة للقلق في الهجمات على المؤسسات اليهودية وعلى الأشخاص اليهود في جميع أنحاء أوروبا، ما زلنا مجبرين على حماية أعضاء الجمعية ومؤسساتنا على مستوى عال".
منذ فترة طويلة تستخدم أجزاء كبيرة من ميزانيات الجاليات اليهودية لأغراض الحماية الأمنية. ولدى معظمهما أقسام أمنية خاصة بها وتتعاون بشكل وثيق مع الشرطة ومكاتب التحقيق الجنائي الحكومية. ولكن بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة وتجربة الشعور بالضعف، لم يعد العديد من اليهود يثقون بهذا الأمن.
خوف الأهل على أطفالهم
اتصال يرد إلى روضة أطفال يهودية في برلين. الموظفة هناك قلقة بشكل واضح. وتقول: "الأهالي خائفون، خائفون فقط". في العديد من رياض الأطفال اليهودية، حضر في مطلع الأسبوع نصف الأطفال فقط. وهذا ما لاحظه إيلان كيسلينغ أيضا في برلين: "نلاحظ هذا حاليا في رياض الأطفال والمدارس لدينا، حيث يرغب الأهالي مثلا في الحصول على معلومات مفصلة حول إجراءات الأمن".
كان ليو لاتاش مسؤولا عن أمن الجالية اليهودية في مدينة فرانكفورت لمدة 37 عاما. كما يحاول طمأنة الأهل، موضحا باستمرار أن الصراع يدور في إسرائيل وليس في فرانكفورت. يقول لاتاش: "لم نواجه مثل هذا الموقف من قبل". وكما الشرطة، يتوقع أسابيع من المظاهرات من قبل الجماعات الإسلاموية المتطرفة أمام المؤسسات اليهودية.
ودعت حركة حماس الإسلاموية إلى الحشد في العالمين العربي والإسلامي يوم الجمعة الماضي. وقالت حماس إنها "جمعة طوفان الأقصى". من يستطيع أن يلوم الوالدين في العائلات اليهودية إذا كانوا يفضلون البقاء بقرب أطفالهم يوم الجمعة؟
ترى مارينا تشيرنيفسكي من مركز OFEK الاستشاري أن اليهود في ألمانيا يواجهون حاليا عبئا مزدوجا. فمن ناحية، هناك معاداة السامية المتجذرة في ألمانيا، والتي تشكل تهديدا حقيقيا للجميع. ومن ناحية ثانية "إنهم يواجهون الآن أكبر أعمال عنف ضد السكان المدنيين في إسرائيل منذ المحرقة. وهذا يعيد إثارة صدمة عميقة الجذور. وعليهم الآن أن يتعاملوا مع هذه المشكلة"، كما تقول تشيرنيفسكي، وهي مديرة مركز مكافحة معاداة السامية.
ومن حينها بات مركز OFEK الاستشاري مشغولا للغاية. لقد زاد عدد الأشخاص الذين يتلقون المشورة عبر الخط الساخن للأزمات بشكل ملحوظ. بعض الاتصالات تتعلق بحالات محددة، ولكن هناك اتصالات كثيرة ترد من الأهل الذين يريدون معرفة كيفية التحدث مع أطفالهم عن الحرب.
بالنسبة للألمان.. هذه مجرد كارثة إضافية في عالم مشتعل
كانت إيستر ك. ناشطة جدا من أجل جمع الملابس والعثور على مساكن للاجئين الأوكرانيين. تشكلت لديها الآن مجموعة كبيرة على الواتساب. ومنذ تعليق الحركة الجوية إلى إسرائيل، تقطعت السبل بالعديد من السياح الإسرائيليين في ألمانيا، ومنهم العديد من النساء مع أطفالهن.
أرادت ايستر العثور على مكان إقامة لهم بشكل سريع، مستعينة بمجموعة الواتساب القديمة. ولكن باستثناء سيدة مسنة، لم يستجب أحد للنداء. ولم يعبر أحد حتى عن تعاطفه ببضع كلمات للمواساة. وتقول ايستر ك. بخيبة أمل: "بالنسبة للألمان، إنها مجرد كارثة أخرى في العالم". ولهذا السبب تشعر بالوحدة التامة في ألمانيا.
اتخاذ إجراءات أكثر حزما ضد معاداة السامية
يشعر ليو لاتاش بالصدمة لأن إرهابيي حماس قتلوا امرأة إسرائيلية تبلغ من العمر 90 عاما، وقاموا بتصوير الجريمة باستخدام هاتف السيدة العجوز ونشروا الفيديو على صفحتها على الفيسبوك. يقول لاتاش: "فظاعة لا مثيل لها". بالنسبة له، يجب حظر الجماعات التي تروج لمثل هذه الأعمال، وتعتبرها نضالا من أجل التحرير الفلسطيني. التردد في حظرها يعود برأيه للمواقف المعادية للسامية عند اليساريين.
كما تدعو ايستر إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الجماعات الإسلاموية المتطرفة: "لا يمكن أن تقتل الأطفال الرضع، أو أن تخطف أطفالا في الثالثة من العمر. أشياء لا حدود لقبحها"، كما تقول السيدة البرلينية.
وكانت الجالية اليهودية في برلين قد دعت إلى حظر شبكة "صامدون" المؤيدة للفلسطينيين. بعد أن قام أعضاء من الشبكة بتوزيع الحلويات في برلين احتفالا بإرهاب حماس. وعن ذلك يقول إيلان كيسلينغ: "لا نريد رؤية مثل هذه الصور في برلين بعد الآن". ولقد أعلن المستشار أولاف شولتس الآن عن حظر أنشطة حماس في ألمانيا وحظر شبكة "صامدون".
بتينا شتيهكيمبر/ ف.ي