قمة بغداد: لقاء تعارف غابت عنه الشعوب
٣٠ مارس ٢٠١٢دعا القادة العرب في ختام القمة التي استضافتها بغداد الخميس للمرة الاولى منذ 22 عاما، الى حوار بين السلطات السورية والمعارضة، مسلّمين بتدويل الازمة ومطالبين دمشق بالتطبيق الفوري لخطة كوفي انان.
القمة العربية الثالثة والعشرين دامت 12 ساعة في بغداد حيث رفض القادة والزعماء وممثلو الدول المبيت في العاصمة العراقية التي استضافتهم على وقع أصوات التفجيرات. النظم السياسية العربية عادت إلى بغداد بعد نحو ربع قرن سقط خلاله صدام حسين، والقذافي ومبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح، وتبدلت صورة المشهد العربي بشكل كبير. أما العراق فتغير نسيجه الاجتماعي وهيكله السياسي بشكل جذري.
التمثيل العربي في القمة جاء متواضعا، السعودية سفير، البحرين وزير، الإمارات وزير، قطر وزير، فيما شارك تسعة زعماء عرب فقط، ابرزهم امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح الذي مثل حضوره زيارة تاريخية هي الاولى من نوعها منذ اجتياح صدام حسين للكويت عام 1990.
يؤشر تدني مستوى المشاركة أمورا كثيرة في سياسة العرب تجاه العراق، ويشرح مواقف كثير من الدول التي ما تزال ترى العراق خارجا عن الاجتماع العربي. فيما أكد هاجس الأمن تفجير وقع في الصالحية قرب السفارة الإيرانية أثناء شروع الرئيس الليبي المؤقت بإلقاء كلمته.
العراق انفق نصف مليار دولار لتهيئة أماكن الوفود ونصف مليار آخر من خلال تعطيل أعمال الناس لمدة أسبوع.
هل تكون القمة بوابة العراق على محيطه العربي؟
العراق يريد أن يعود لمحيطه العربي من بوابة هذه القمة، ولا يبدو هذا المحيط متحمسا للعودة، لماذا؟ وما هو رأي الناس في القمة؟ وهل تعيد لهم القمة الكهرباء الغائبة منذ 9 أعوام؟ هل تعيد لهم الأمن؟
الكاتب والإعلامي كريم بدر في حديث إلى مايكروفون مجلة العراق اليوم من DW عربية أشار إلى أن اغلب العراقيين غير راضين عن القمة ، بل ويشعرون أنها في غير وقتها، لاسيما وأنها قد جاءت متأخرة كثيرا عن دعم العراق " والذي حصل خلال المرحلة السابقة، أن الفضائيات العربية قادت حربا إعلامية وتحريضية كبيرة ضد التجربة العراقية دفع الناس لها ثمنا أرواح ألوف الأبرياء وأموالا طائلة، والقمة لم تقل شيئا بشأن كل ذلك".
ويؤكد الخبراء أن القمة ستعيد العراق إلى محيطه العربي وهو ما يعتبره كثيرون منجزا يوازي في أهميته كل ما بذله العراق لعقد هذه القمة. الصحفي كريم بدر عاد ليؤكد ان هناك دولا عربية كثيرة تسعى لدفع العراق خارج محيطه العربي " فمستوى التمثيل المنخفض خيب آمال العراقيين، لكن زيارة أمير الكويت للعراق ممثلا عن بلاده في القمة، هي في تقديري منجز يختصر كل القمة".
"قمة في عين العاصفة"
أغلب زوار فيس بوك علقوا على سؤال البرنامج حول تدني مستوى التمثيل في القمة وعزوا ذلك إلى تدني مستوى الأمن في العراق الأمر الذي يخيف كثير من الضيوف، وهو ما أيده الإعلامي والكاتب د. رياض الأمير مدير ورئيس تحرير صحيفة وفضائية الجديدة الذي شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DW عربية مضيفا بالقول" العلاقات الشخصية بين القادة تلعب دورا أساسيا، ونحن نعرف أن مستوى اللعب السياسي في العراق بين النخبة مازال بعيدا جدا عن مستوى كفاءة بعض الساسة العرب الذين تمرسوا خلال سنوات طويلة من السلطة، وهذا العنصر أثر في تقديري على مستوى التمثيل".
قمة بغداد تأتي في عين العاصفة، فالمنطقة ما زالت تغلي، لكن المواضيع المطروحة على جدول الأعمال قالت شيئا عن سوريا ولم تقل أشياء عن البحرين واليمن وليبيا ومصر وتونس والأردن وعمان وغيرها، كما أن القمة بدت قلقة إلى حد كبير وهي تجمع حكومات قديمة تداولت السلطة وراثيا خلال عقود من الزمن، إلى حكومات منتخبة يقف العراق ولبنان في طليعتها، مع حكومات انتقالية لم تتحدد هويتها بعد ولم تكتسب شرعية سلطة القرار النهائي بعد . الصحفي كريم بدر وصف هذا التجمع بأنه " فنطازي ، حيث بعض القيادات مثل ليبيا وتونس ومصر واليمن أنجزت عملا ضخما بإطاحتها بأنظمة دكتاتورية عاتية من خلال تظاهرات الشارع، فيما القيادات الأخرى ما زالت من بقايا الديكتاتورية، فكيف ستخرج هذه التوليفة بقرارات؟" .
"مؤتمر القمة العربي لمواجهة النفوذ الإيراني: عنوان طائفي"
علاقة العراق بإيران و الوجود الأمريكي العسكري والسياسي السابق على أراضيه، كانتا ذريعتين اعتمدتها النظم العربية للجفاء والابتعاد عن العراق، ويرى كثيرون أن حضور العرب إلى العراق بهذا الشكل هو محاولة لدفع العراق بعيدا عن بساط النفوذ الإيراني الذي يقف عليه منذ سقوط نظام صدام عام 2003 ووصول الأغلبية الشيعية في هذا البلد إلى السلطة. والى هذا الرأي ذهب د. رياض الأمير مشيرا إلى ما قاله رئيس الحكومة المالكي اليوم بشأن علاقة العراق بإيران ومبينا " أنه إشارة إلى الزعماء العرب بأن إيران موجودة والعراق يتعامل معها، وهي خطوة أخرى يقصد منها إفشال مؤتمر القمة " ومضى د الأمير إلى القول" إيران تريد أن تجهض القمة وتمنع العراق من العودة إلى محيطه العربي وتمنعه من تولي دوره المؤثر في قيادة العالم العربي، وإيران تخاف من الديمقراطية في العراق التي تمثل تحديا لسياستها القمعية الاقصائية مع الشعب الإيراني ".
كريم بدر رد على طروحات د. الأمير بالقول" إن الراية التي تقف تحتها الدول العربية للتعبئة ضد إيران ، هي محاولة لاستدراج العراق إلى محور كلفه كثيرا من الدم والنزف والأموال، فهم يريدون أن يعود العراق البوابة الشرقية للعالم العربي، والعراق ليس بوابة لأحد، الموضوع المطروح اليوم هو، مؤتمر القمة العربي لمواجهة النفوذ الإيراني ، وواقع الحال ليس كذلك، فهذه راية طائفية تحاول سحب المنطقة الى دمار شامل".
"عدم ثقة العرب بالحكومة العراقية الموالية بالكامل لإيران"
صديق البرنامج الصحفي خليل خباز في اتصال من الموصل أشار إلى "أن ابتعاد القادة العرب عن العراق وعدم حضورهم بمستويات قيادية متقدمة إلى بغداد نابع من خوفهم من عودة العراق إلى موقعه الريادي في العالم العربي، فقد غاب القذافي ومبارك والقيادة السورية عن القمة ، والعراق بديمقراطيته الفتية ودولته الجديدة وقدراته المالية يمكن أن يكون بديلا".
محمد علي في اتصال من الموصل أشار أن " القمة العربية لن تنتج شيئا كما أن سابقاتها لم تنتج شيئا، وان العراق اليوم بلد مدمر تجتاحه التفجيرات، وهو يفتقر إلى الكهرباء والمياه الصالحة للشرب ، الحكومة أنفقت مليار دولار على هذه القمة ونصف الشعب العراقي فقير لا يمتلك سقفا ينام تحته".
أبو محمد العزاوي من الموصل أشار إلى أن مستوى مشاركة العرب المتدني في القمة يعود "لعدم ثقة العرب بالحكومة العراقية الموالية بالكامل لإيران، وسبق للحكومات العربية ان عرضت على حكومة العراق الابتعاد عن إيران مبدية استعدادها لأن تكون حاضنة للعراق، لكن حكومة العراق رفضت ذلك للأسف" .
سلام من الناصرية ذهب إلى أن " مستوى التمثيل مقبول نظرا لوضع العراق الحالي ، وهو في تعبيره تمثيل جيد جدا بالنظر لظروف العراق، والحكومات التي مثلت بمستوى متدن هي حكومات ملكية ولا ترغب أن تطلع شعوبها على ديمقراطية العراق الفتية".
ملهم الملائكة
مراجعة: هبة الله إسماعيل