1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كتّاب المعارضة وكتّاب الحكومة

١٥ أبريل ٢٠١١
https://p.dw.com/p/RIDf
الصحافة والزعاماتصورة من: AP

كتّاب المعارضة وكتّاب الحكومة

من يكتب لصالح من؟ سؤال قديم يناقش ولاء الكتاب ومدى ارتباطه بوعيهم وإخلاصهم السياسي. الكاتب عبد الخالق حسين يرد على بعض من يتهمونه بأنه من كتاب السلطة.

توارث الخلف عن السلف العداء للحكومة حتى ترسخ في العقل الباطن، وصار جزءً من مورثنا الاجتماعي. والذي ساعد على ترسيخ هذا العداء للسلطة واستمراريته، هو استمرار ظلم الحكومات للشعب حتى في عهود الحكومات الأهلية أو الوطنية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وسجَّل هذا الظلم صعوداً حاداً في عهد حكم التيار القومي- البعثي (1963-2003). لذلك صارت المعارضة، وأية معارضة، هي عمل وطني، حتى ولو كانت هذه المعارضة إرهابية تستخدم السلاح ضد الشعب، فعندئذٍ لا غرابة أن يسمى الإرهاب في العراق بـ"المقاومة الوطنية الشريفة"، له كتابه، ويتلقى الدعم من الإعلام العربي والعالمي وحتى من دول الجوار وغيرها.

والحقيقة إن المعارضة ضرورية في جميع العهود حتى في عهد الحكومات الديمقراطية الناضجة في الدول الديمقراطية العريقة، لأن الذين يديرون الحكومة هم بشر، يصيبون ويخطئون، وحتى يفسدون.

ولكن مشكلتنا اليوم، في العراق وهو يمر بمرحلة التحولات العاصفة وأوضاع أمنية هشة وحكومة شراكة وطنية غير متجانسة بعد إسقاط حكم البعث المستبد الجائر، أن هناك خلطا في الأوراق وتشويش في الأذهان، وبلبلة فكرية، حيث اختلط الحابل بالنابل كما يقولون، بحيث طرح البعثيون الإرهابيون أنفسهم كمعارضة أيضاً، ومع الأسف الشديد عمل البعض في المعارضة الوطنية وفق مبدأ (عدو عدوي صديقي) فراح يروِّج ما يصنعه البعثيون ذوو الخبرة الطويلة في صناعة الأكاذيب والإشاعات الباطلة ضد خصومهم السياسيين.

نحن مع من؟

لقد اجتاحت البلاد العربية في الأشهر الأخيرة تظاهرات وانتفاضات شعبية عارمة تطالب بتغيير حكوماتها وأنظمتها المتحجرة، فوصلت عدواها إلى العراق، رغم أن هذا التغيير قد حصل في العراق منذ ثماني سنوات، ولكن هناك مشاكل ما بعد التغيير مثل الفساد والبطالة ونقص الخدمات وغيرها ، فانطلقت تظاهرات جماهيرية تبنت مطالب شعبية مشروعة لحل تلك المشاكل، إلا إن قوى الإرهاب استغلت موجة التظاهرات هذه، فهي الأخرى راحت تتظاهر مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين "الأبرياء" ومعظمهم من الذين القي القبض عليهم وهم متلبسون بجرائم إرهابية.

وقد اختلفنا مع بعض الكتاب الذين تعاملوا مع الوضع العراقي بطريقة فجة، فيها الكثير من كيل الاتهامات الباطلة والإشاعات، الغرض منها تشويه السمعة وتصفية حسابات، ومعظمها صناعة بعثية بامتياز. تركزت هذه الحملة على شخصنة مشاكل العراق المتراكمة عبر قرون، ووضعها على كاهل شخص واحد وهو السيد نوري المالكي، لا لشيء إلا لأنه رئيس للوزراء والقائد العام للقوات

والمشكلة أن "كتاب المعارضة" يفرضون على الحكومة مطالب أقل ما يقال عنها أنها تعجيزية، هدفهم إرباك الوضع. فهم يريدون مواصلة التظاهرات الاحتجاجية، ويطالبون الحكومة بحمايتها من الإرهابيين والفوضويين، وهذا حق مشروع، ولكن في نفس الوقت يتهجمون على الحكومة وأجهزتها الأمنية ويكيلون لها الاتهامات إذا ما قامت الأجهزة الأمنية باعتقال المخربين الذين يعتدون على الناس، ويضرمون النيران في ممتلكات الدولة، وفي هذه الحالة يلقون اللوم على الحكومة، وذكرنا أمثلة كثيرة على تلك الأعمال التخريبية في مقالات سابقة. وفي كل الأحوال يضعون اللوم على الحكومة، وفي هذه الحالة يطالبون الحكومة بالمهمة المستحيلة .

هناك خطر يهدد الوضع العراقي وهو عدم الفصل بين المعارضة والإرهاب. فهناك البعض من كتاب الإرهاب يحاولون بشتى الوسائل تقديم أنفسهم على أنهم علمانيون وليبراليون، فيحاولون استدراج كتاب المعارضة إلى مواقعهم وتبني مطالبهم، ودعم وترويج إشاعاتهم واتهاماتهم للحكومة وللمالكي بالذات. فهدف هؤلاء من حملتهم الإعلامية إفشال العملية السياسية لا إصلاحها، وإعادة الحكم إلى البعث وإن بأسماء مختلفة. وتمهيداً لتحقيق أغراضهم الشريرة هذه، يعملون على أبلسة أو شيطنة الحكومة والأجهزة الأمنية، وتضخيم السلبيات، واختلاق المزيد منها، وإنكار الإيجابيات، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين الذين معظمهم ألقي القبض عليهم وهم متلبسون بالجرم المشهود. فأي عراق يريد هؤلاء؟ نعم، هناك كتاب يحاولون الدفاع عن الإرهاب وحتى تبريره، وإلقائه على الحكومة وأجهزتها الأمنية.

أين المشكلة؟

المشكلة هي أنهم يحاولون إضفاء صفة الإرهاب على الحكومة "الطائفية" وأجهزتها الأمنية، فيضيف قائلاً: "لابد من الإشارة هنا الى أن أفعال عديدة منصوص عليها في هذا القانون، يرتكبها رموز النظام الحالي وأجهزته القمعية الطائفية وأدناه بعضها على سبيل المثال وليس الحصر.." ويطرح الكاتب قائمة من هذه الأفعال، وهي لا بد منها من أجل حماية المجتمع من المجرمين. وبيت القصيد هو اعتبار رجال الأمن هم إرهابيين، أما الإرهابيون الذين يبيدون العراقيين فهم ضحايا "إرهاب الحكومة"، ولذلك يجب أن يقاضوا الحكومة العراقية!!! يعني كما يقول المثل المصري: "رماني وبكى، سبقني واشتكى". يا ترى هل هؤلاء هم كتاب المعارضة الديمقراطية أم كتاب الإرهاب ومحامو الشيطان؟

عود على بدء: أود أن أؤكد للذين ينعتوننا بأننا من كتاب الحكومة أو كتاب المالكي، أو كتاب الاحتلال، أو أية جهة أخرى، نحن أناس أحرار، نكتب ما تمليه علينا ضمائرنا ووعينا، وفق فهمنا للأزمة العراقية، وكيفية التعامل معها في الظروف العاصفة الراهنة، نحن نختلف عنكم كوننا لا نفكر من داخل الصندوق الأيديولوجي، وإننا لا نقل حرصاً على مصلحة الشعب العراقي عن أي عراقي مخلص آخر يعمل حقاً لمصلحة الشعب وبدوافع وطنية وليس بدوافع أيديولوجية أكل الدهر عليها وشرب، ونرفض المزايدات على وطنيتنا. ولكننا وكما أكدنا عشرات المرات، نعتقد أن الوضع العراقي هش حيث تكالب عليه الأعداء من كل حدب وصوب، والمشاكل المتراكمة عبر قرون لا يمكن إلقاءها على كاهل شخص واحد لا لشيء إلا لأنه في موقع المسؤولية، إذ لا يمكن لهذا الشخص أن يكون ذا قدرات سحرية جبارة خاصة وأن معظم وزرائه مفروضون عليه فرضاً من قبل القوى المشاركة في الحكومة وفق مبدأ المشاركة الوطنية، وعدم إقصاء ممثلي أية مكونة من مكونات شعبنا. لذلك نرى أن المشاكل التي يواجهها الشعب العراقي ومن في الحكومة، هي ليست سياسية فحسب، بل واجتماعية واقتصادية وثقافية معقدة، تحتاج إلى تشخيصها ومعالجتها حسب ظروفها الراهنة، فالأمور مقرونة بأوقاتها.

"البعث ليس جثة هامدة"

كذلك نريد التوكيد هنا أن البعث ليس جثة هامدة كما يحلو للبعض أن يردد بلا انقطاع، ويطالبوننا بعدم منح البعثيين شرفاً لا يستحقونه إذا ما حذرنا شعبنا من مخاطرهم وألاعيبهم. فالبعث أيها السادة مازال يعمل بكل نشاط، بل وله وجود ملحوظ في أعلى مراتب الدولة. لذلك نعمل وفق المثل الشعبي العراقي: "تحزَّم للواوي بحزام السبع!!" كي لا تتكرر مأساة 8 شباط 1963 مرة أخرى.

خلاصة القول، إن ما يحتاج إله العراق هو الأمن والاستقرار وتضافر جهود أبنائه المخلصين لكي يتمكن المسؤولون من الإعمار وإعادة بنائه، إذ لا يمكن بناء دولة ديمقراطية مستقرة مزدهرة عن طريق الكذب والافتراء والتلفيق وصناعة الإشاعات الكاذبة وترويجها. إن أساليب البعثيين لا بد أن تنكشف يوماً وهي مكشوفة من الآن لدى ذوي البصر والبصيرة، وسيندم عليها من صدقها من الناس البسطاء، وسينقلبون على من كذب عليهم وخدعهم. الناس بحاجة إلى الصراحة والإرشاد والتنوير والتوجيه الصحيح، لا استغفالهم والمتاجرة بمعاناتهم من أجل تحقيق مكاسب سياسية فئوية وشخصية، فحبل الكذب قصير، إذ كما قيل: "يمكنك أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، ولكن لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت".

عبد الخالق حسين

مراجعة: ملهم الملائكة