كرة القدم في دورة الألعاب العربية: بين غياب النجوم والحضور الإداري الضخم
١٦ ديسمبر ٢٠١١هل يمكن القول أن كرة القدم لا تزال تعتبر في أنظار العرب حدثاً مهماً وفعالية تستحق المتابعة خلال الدورات الرياضية العربية وخاصة في الدورة الرياضية العربية الثانية عشرة في قطر؟ إجابة السؤال قد تثير الاستغراب، فحجم المشاركة (عشر منتخبات) قليل، لم يكن من ضمنها أي منتخب عربي إفريقي. ومشاركة الأردن بالمنتخب الرديف ومنتخبات السعودية وسلطنة عمان والبحرين بالمنتخبات الاولمبية (تحت سن 23 عاماً)، في حين لم تشترك سوى ست دول بمنتخباتها الأولى، وهي قطر وليبيا والعراق والكويت وفلسطين والسودان. وحتى المنتخب العراقي ورغم مشاركته بالمنتخب الأول، إلا أنه استبعد من تشكيلته بعض اللاعبين الأساسين وذلك لإعطاء الفرصة للبدلاء لاكتساب الخبرة واكتشاف مواهبهم وقدراتهم.
أثار هذا المستوى من المشاركة تساؤلات اللجنة المنظمة التي وفرت كل المستلزمات الضرورية لإنجاح الدورة وإظهار مباريات كرة القدم بأفضل صورها أمام الحب الكروي الجارف للجمهور العربي.
مراجعة سريعة وحاسمة
المسابقة باتت بحاجة إلى قرار واضح وصريح يهدف إلى رفع سقف عدد المنتخبات المشاركة أولاً، والاتفاق على أن تكون المنتخبات المشاركة متوازنة فيما بينها من حيث مستوى المشاركة ثانياً، أي إنهاء مسالة عدم التوازن في مستوى المشاركة لكل منتخب.
تعليمات الاتحاد العربي بهذا الخصوص تبدو مرنة جداً وتفتقر إلى الضوابط أو الشروط الملزمة للمشاركة، بما يمنع أو يحول دون حصول مثل هذا التفاوت. إذ تعطي تعليمات الاتحاد العربي الحرية الكاملة للدول العربية للمشاركة بأي من منتخباتها أو لاعبيها، الأمر الذي يسبب إحراجاً للدولة المنظمة، التي تحرص على تقديم نسخة جيدة وعالية المستوى لمباريات كرة القدم، التي تُوفر لها كل وسائل النجاح. إذ أن الجماهير الكروية تتطلع إلى مشاهدة عروض كروية غاية في الإتقان والتألق قبل أن يكون هدف البعض هو إعداد هذا المنتخب أو ذاك للوصول إلى المستوى الأول. إن هذا الأمر يتطلب تدخلاً سريعاً من أجل رفع نوعية مباريات كرة القدم في الدورات العربية.
تنظيم مميز واهتمام إعلامي
الجمهور الكروي والإعلام الرياضي لا يزالان ينظران إلى المسابقة باحترام وتقدير كبيرين يوازي التنظيم الممتاز من قبل الدولة المضيفة قطر، التي وفرت كل أسباب نجاح البطولة وضمن مواصفات عالية، سواء من حيث توفير الملاعب الجيدة أو جوانب برنامج مسابقة كرة القدم. لكن الجمهور كان ينتظر ويأمل في أن تقدم مباريات كرة القدم في الدورات العربية المزيد من الإبداعات والانجازات الكروية وأن يستمتع بمشاهدة النجوم العرب الكبار الذين يعشق مشاهدتهم ومتابعة أخبارهم، أمثال الحارس العماني المبدع الحبسي والقناص المهاجم المغربي مروان شرماخ والجناح المصري المحمودي، وغيرهم ممن شقوا طريقهم إلى الاحتراف العالمي إلى جانب نظرائهم القطريين والكويتيين والعراقيين. وذلك بهدف الاحتكاك وتبادل الخبرات والاستفادة من تجاربهم للوصول إلى مستويات مماثلة.
غياب دول المغرب العربي
في ظل عدم سماح الأندية العالمية للمحترفين العرب للانضمام إلى منتخبات بلادهم خلال البطولة، من غير المستغرب عدم مشاركة دول بحجم مصر وتونس والجزائر والمغرب. ومثل هذا الغياب قد يكون مشروعاً طالما كانت المنتخبات الأولى مرتبطة بمباريات ومهمات أكبر حجماً وأكثر أهمية وفق تقديراتها وحساباتها مما يتعذر عليها المجازفة باستدعاء نجومها الكبار ممن احترفوا في الأندية العالمية.
لكن هذا لا يعني عدم التفكير جدياً في هذه المشكلة والتغلب على هذا الواقع للاستفادة من مباريات الدورة العربية لتطوير الكرة العربية. وذلك من خلال برنامج عربي مشترك واحد، تتفق فيه الأغلبية على إجراء التعديل الضروري وعدم الوقوف عند حد معين.
حلول بديلة ونماذج عالمية
ماذا عن الحالات المشابهة في أنحاء أخرى من العالم؟ كرة القدم تعد إحدى الفعاليات الأساسية في الدورة الاولمبية التي واجهت هي الأخرى مشاكل مماثلة تمثلت في غياب الدول الأوروبية الكبيرة، التي لم تعط المشاركة في هذه البطولة أي أهمية. وفي حين كانت دول المعسكر الاشتراكي السابق تولي اهتماماً أكبر للاشتراك في الدورات الاولمبية، والتي كثيراً ما تفوقت بعض دولها في الكثير من الفعاليات -ومنها طبعاً كرة القدم-، كانت دول غرب أوروبا تقابل ذلك باهتمام محدود. فقد ارتأت عدم السماح للمحترفين بالمشاركة كرة القدم الاولمبية، في تفريق واضح بين الهواية والاحتراف.
وحتى بعد التغلب على الفكرة وإدخال مفهوم الاحترافية إلى الدورات الاولمبية لم تتغير نظرة المنتخبات الأوروبية بخصوص المشاركة، لأنها غالباً ما تكون مرتبطة ببرامج أكبر من حجم هذه المسابقة. ثم حسم الأمر بأن تم الاتفاق بين اللجنة الاولمبية الدولية واتحاد كرة القدم الدولي (الفيفا) على المشاركة باللاعبين الذين لا تتجاوز أعمارهم 23 عاماً والسماح لثلاثة لاعبين فقط فوق هذا الحد العمري للمشاركة في النهائيات دون التصفيات.
ويمكن القول هنا إن هذه الفكرة مناسبة لتطبيقها في الدورات العربية المقبلة، بحيث تقتصر مشاركة المنتخبات العربية على لاعبي المنتخبات الاولمبية فقط، أسوة بالنهج المتبع في الدورات الاولمبية والذي يطبق أيضاً في دورة الألعاب الآسيوية.
كاظم العبادي- الدوحة
مراجعة: عماد غانم