كرة القدم في مخيمات اللاجئين بلبنان
٢٩ نوفمبر ٢٠١٧في مساء يوم الأحد، أجواء الغروب تعم بيروت. وفي ملاعب كرة القدم على طرف متنزه المدينة الذي يفصلهاطريق سريع عن مخيم شاتيلا للاجئين تشتعل الأنوار الغامرة. وعلى هامش الملعب الكبير الوحيد ينشر رجل القميص البرتقالي لنادي الكرمل على الأرض ويسجد على ركبتيه، إنه يصلي. والقميص على العشب هو "سجادة". ثم ارتدى بعدها القميص ليصبح لاعب كرة قدم. إنه مستعد لخوض مباراة الأحد في إطار "بطولة المخيمات".
أكثر من عشرة فرق
منذ 2004 تُنظم هذه البطولة للمخيمات الفلسطينية في بيروت. وفي البداية كانت تشارك ست فرق. " الآن نحن أكثر من اثنى عشر. فرق من شاتيلا وصابرا وبرج البراجنة"، يعدد طارق المخيمات التي تأتي منها الفرق. طارق هو مدرب نادي الكرمل من شاتيلا، منذ أكثر من 20 عاما. ويقول مبتسما "رأيتهم جميعا كيف كبروا" في إشارة إلى الرجال والشباب حوله مثل معتز (18 عاما) المولود في شاتيلا والذي يعمل كسائق شاحنة، ومحمد (18 عاما) المولود أيضا في مخيم شاتيلا ويدرس حاليا في مدرسة للطبخ، وعمر الذي لا يريد الكشف عن عمره ولا عن عمله، لكن الكرة هي حياته، كما يقول، والآخرون يؤيدونه في ذلك.
حلم الإحتراف تبخر
وحتى الشاب القوي الذي يلبس قفازات حارس المرمى يوافق على ذلك الرأي، وهو غير مولود في شاتيلا. وطارق لم يشهد تقدمه في السن. "حارسنا يأتي من سوريا من الرقة"، يقول طارق، ويترجم من الإنجليزية ما يقوله الآن حارس المرمى إلى العربية. كشاب كان يحلم بشق مشوار احترافي في دوري الدرجة الأولى. لكن الحرب تفجرت، وجاء تنظيم "داعش". كرة القدم في الرقة؟ محمد يضحك في مرارة. والآن هو يسكن في شقة على هامش شاتيلا، ويعمل في البناء. والأحد يلعب كرة القدم.
فلسطينيون وسوريون يلعبون معا
بطولة المخيمات الفلسطينية تحولت في السنوات الأخيرة إلى منافسة سورية فلسطينية. خمسة سوريين يلعبون بانتظام في نادي كرمل الذي يدربه طارق. وحتى بعض الفرق الأخرى ضمت إليها سوريين. "كل شيء يمر في سلام. نحن نعيش مع بعض في المخيمات. نحن نحب كرة القدم، ونلعب معا"، يقول طارق. وحسب رأيه لا توجد فرق سورية كاملة. ولكن هذا يبقى فقط مسألة وقت.
مثل بيت النحل
ومنذ الآن يدور الجدل حول ما إذا كانت شاتيلا مخيما فلسطينيا أم سوريا. فإلى نحو 23.000 فلسطيني انضاف منذ القمع العنيف للثورة عدد كبير من الناس من البلد المجاور، ليصبح عدد سكان المخيم يُقدر ب 50.000 شخص. فالمخيم يُعتبر مدينة صغيرة تتزاحم فيها البيوت على مساحة ضيقة. والطوابق تشبه بيت النحل.
الرياضة
كرة القدم في الشوارع غير ممكنة في هذا الضيق. والمنظمة غير الحكومية الدنماركية " Game Lebanon " تنظم مرة واحدة في الأسبوع منافسة كروية في الشوارع في شاتيلا. وعلى الأقل يوجد ملعب صغير يقع خلف سياج عالٍ، والمدخل مؤمن من خلال قفل دراجة هوائية. ووضعه جيد: عشب اصطناعي جيد، والخطوط المرسومة على الأرض تتماشى مع معايير الفيفا، والمرمى يبدو مستقرا. كما توجد إنارة غامرة. ولا أحد يلعب هنا، إلا في المساء، كما يقول محمد الذي فتح لنا باب الملعب.
"هذا هو لبنان"
"يجب دفع بعض المال، 20 دولارا للساعة الواحدة. وبعدها يمكن لك اللعب هناك"، يقول مدرب نادي الكرمل طارق الذي أضاف:" الملعب الصغير في المخيم لا يمكن لنا حجزه إلا مرة واحدة في الأسبوع، ساعة لفريق الأطفال، وساعة أخرى لفريق الرجال. ثم نلعب بخمسة لاعبين وحارس مرمى ضد بعضنا البعض". ويؤكد بالقول:" إنه باهض الثمن". الملعب تديره المدينة، وهي تفرض رسوما. "هذا هو لبنان"، يقول طارق.
وهذا شيء غير معقول. المنظمات غير الحكومية تمول الأنشطة الرياضية للأطفال والشباب في المخيمات. والملعب الصغير الجميل يحيط به حاجز لدفع الرسوم. والمدرسة التابعة للمنظمة غير الحكومية السورية "بسمة وزيتونة" التي تضم 700 طفل تتم فيها الدروس في فوجين، وهي تتوفر في الطابق الأول على ساحة رياضة صغيرة، لأن الملعب الرياضي بقربهم مكلف جدا بالنسبة إليهم.
إنارة غامرة في كل الأماكن
وعلى كل حال يقدر السكان القدامى في المخيم وحتى الوافدون الجدد على التفاهم فيما بينهم. ففي كل يوم أحد يمكن لهم استخدام الحقل الكبير أمام المخيم لخوض " بطولة المخيمات". "المكان بلا رسوم. ونحن نتفاهم جيدا مع اللبنانيين"، يقول طارق. وتوجد حقول صغيرة بالقرب من الملعب الكبير. وكل الأماكن بها إنارة غامرة. فرق لبنانية ولاجئون من آسيا وإفريقيا يلعبون مع بعضهم البعض هنا. إنهم ينظمون يوميا "بطولة عالمية صغيرة": وتعج الأماكن بنسخ أو صور من ميسي ورونالد ونايمار، ويوجد أحيانا قميص لشفاينشتايغر. وفي بطولة المخيمات الفلسطينية السورية يوجد نظام لباس آخر. فكل فريق له قميصه الخاص. وهذا يخدم التكاتف والانتماء.
توم موستروف/ م.أ.م