كيف تريد ألمانيا دعم التحول الديمقراطي في سوريا؟
١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ألمانيا تريد بعد سقوط الرئيس بشار الأسد دعم سوريا، ولكن فقط بشرط إشراك جميع مجموعات وفئات الشعب السوري. وفي هذا الصدد تحدثت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عن "لحظة أمل" في سوريا، ولكنها أعربت أيضًا عن "قلقها من أن يكون الأمل خادعًا".
وأضافت: يجب علينا الآن أن نبذل كل ما في وسعنا لضمان "أن تجد سوريا طريقها إلى مستقبل سلمي ومستقر للجميع".
وهذا يشمل أيضًا على المدى البعيد بالنسبة للوزيرة بيربوك معالجة قانونية سورية داخلية لحكم الأسد. "من دون العدالة لا يمكن وجود مصالحة دائمة وبالتالي لا يمكن وجود تعايش سلمي".
وفي سياق متصل حذرت حذرت وزيرة الخارجية الألمانية وزميلتها وزيرة الداخلية نانسي فيزر جميع مؤيدي عائلة الأسد التي كانت تحكم سوريا من محاولة الاختباء في ألمانيا.
وقالت بيربوك، السياسية من حزب الخضر، في تصريح لصحيفة "بيلد أم زونتاغ" اليوم الأحد (15 ديسمبر كانون أول 2024) "أي شخص من جلادي الأسد يفكر في الفرار إلى ألمانيا، أقول له بوضوح: سنحاسب جميع أعوان النظام بأقصى قوة للقانون على جرائمهم الفظيعة".
وأكدت أنه يجب على الوكالات الأمنية والاستخباراتية الدولية أن تتعاون بشكل وثيق في هذا الصدد.
من جانبها، أشارت فيزر إلى أن هناك فحوصات أمنية على جميع الحدود. وقالت: "نحن في غاية اليقظة. إذا حاول أعوان نظام الأسد الإرهابي الفرار إلى ألمانيا، يجب أن يعرفوا أنه ليس هناك دولة تطارد جرائمهم بقسوة مثلما تفعل ألمانيا. هذا يجب أن يردعهم عن محاولة القيام بذلك".
وفي نظرتها لمستقبل الوضع بسورياوضعت وزارة الخارجية الألمانية خطةتتكون من ثماني نقاط بهدف "انتقال السلطة السلمي" في سوريا. وبحسب وزيرة الخارجية الألمانية فإنَّ الحكومة المدنية الشرعية لن تنجح ولن تقبلها جميع الأطراف إلا "إذا جلس ممثلو الأقليات العرقية والدينية على الطاولة".
كما طالبت بيربوك بحماية حقوق المرأة. وقالت إنَّ الطريق سيكون وعرًا ونأمل أن ينتهي يومًا ما بانتخابات حرة.
الجولاني يحاول تبييض سيرته؟
ولكن هذا لم يبدو مطمئنًا كثيرًا، على الرغم من الخطاب المعتدل الصادر عن دمشق. فقد تعهدت الحكومة الانتقالية بقيادة ميليشيا هيئة تحرير الشام الإسلامية وبرئاسة محمد البشير بضمان حقوق جميع المجموعات الدينية. وهذا يشمل العديد من الأقليات العرقية والدينية، مثل الأكراد والعلويين والدروز والمسيحيين. وأضافت أنالينا بيربوك أنَّنا "سنحكم على هيئة تحرير الشام بناءًا على أفعالها".
وتعود شكوكها إلى حقيقة أنَّ هيئة تحرير الشام قد انبثقت عن جبهة النصرة، الفرع السوري لشبكة القاعدة الإرهابية. ولكن هيئة تحرير الشام لم تعد لديها بحسب ادعائها أية ارتباطات بتنظيم القاعدة منذ عام 2016. وزعيمهما أبو محمد الجولاني يقدم نفسه على أنَّه معتدل. ومع ذلك فإنَّ هذه الميلشيا مصنَّفة لدى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا كتنظيم إرهابي.
فكيف يجب تقييم هيئة تحرير الشام؟. الخبير في شؤون الشرق الأوسط ومدير المنظمة الدولية "مشروع مكافحة التطرف"، هانز ياكوب شندلر يصف تصريحات الجولاني الأولى بأنَّها إيجابية جدًا، ولكنه يشير لـDW إلى أنَّ هيئة تحرير الشام "لم تقاتل وتنزف وحدها (ضد الأسد)"، بل شاركت معها أيضًا فصائل وجماعات إسلامية متشددة. ويقول إنَّ هذه الجماعات "لديها فكرة مختلفة عن الشكل الذي يجب أن يبدو عليه النظام السياسي في سوريا. وهذه الجماعات يجب منحها الفرصة أولا بالسلطة والنفوذ وحتى ربما لأفكارها الإيديولوجية، كمكافأة على مشاركتها واستماتتها في القتال (ضد نظام الأسد)".
والجولانيبالذات سعى لتبييض سيرته بما يشبه "تجربة التحول الدمشقي" (الإنجيلية) على غرار تجربة تحول شاول إلى بولس، كما يقول شندلر، ويضيف: "يمكننا تصديق ذلك، ولكننا غير مجبرين عليه".
وعلى أية حال تحوله المزعوم هذا ذكي من الناحية السياسية، كما يقول شندلر: "إذا تمكَّن الآن السيد الجولاني أو رئيس وزرائه من ترسيخ وجوده بصفته 'وسيطًا‘ مع الغرب وعمليًا بصفته محورًا لكل أموال المساعدات والاتصالات السياسية الممكنة، التي يمكن أن تقدمها أوروبا وأمريكا وبقية دول العالم - فسيكون بطبيعة الحال قد ضمن على المدى الطويل موقعه المركزي في نظام السلطة المكون من مجموعات مختلفة". ويمكنه بالتالي السيطرة على الأموال.
إسرائيل تخلق أمرًا واقعًا
أعلنت ألمانيا عن نيتها دعم التحول الإيجابي في سوريا دعمًا دبلوماسيًا أيضًا. وهذا يشمل دعوتها إسرائيل وتركيا إلى احترام وحدة الأراضي السورية. كما طالبت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك بأنَّ عملية الحوار السوري الداخلي لا يجوز "نسفها من الخارج". وأكدت على أنَّ "الدول المجاورة - مثل الحكومتين التركية والإسرائيلية، المتمسكتين بمصالحهما الأمنية - يجب ألا تعرض العملية للخطر بإجراءاتها".
إذ إنَّ إسرائيل لم تكتفِ خلال الأيام الأخيرة بمهاجمة أهداف عسكرية في سوريا وبتدمير معدات عسكرية، بل قامت أيضًا بنشر قواتها في المنطقة العازلة مع سوريا المقامة منذ عام 1974 فوق مرتفعات الجولان. وبحسب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإنَّ هذا الإجراء مؤقت ويهدف إلى منع "الجماعات الجهادية من ملء الفراغ" الناجم عن نهاية حكم الأسد. ومرتفعات الجولان جزء من سوريا بحسب القانون الدولي. لقد احتلت إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967 أجزاءً واسعة من هضبة الجولان وضمتها في عام 1981.
ويشرح هانز ياكوب شندلر هذا الإجراء الإسرائيلي بقوله إنَّ إسرائيل لا تزال غير واثقة بالوضع الجديد: "فالحقيقة المحزنة هي أنَّ التعاون مع نظام الأسد لم يكن سيئًا من وجهة النظر الإسرائيلية". ومنذ السبعينيات، ضمن الأب حافظ الأسد وابنه بشار الهدوء في هضبة الجولان وكانا أيضًا متسامحين مع الهجمات الإسرائيلية على أهداف لحزب الله في سوريا.
دور رئيسي لتركيا
وفي المقابل تتمتع تركيا بنفوذ كبير جدًا في سوريا. وتدعم منذ سنين معارضي الأسد، وخاصة الميليشيات الإسلامية، وتقوم بعمليات ضد الوحدات الكردية في شمال سوريا لمنع زيادة قوة الأكراد. وتركيا نفسها توجد لديها أقلية كردية قوية. وبعد سقوط الأسد، عادت أنقرة إلى تكثيف هجماتها على المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا.
وتلعب تركيا دورًا رئيسيًا في التأثير الغربي المحتمل على مسار سوريا المستقبلي، كما يقول خبير الشرق الأوسط هانز ياكوب شندلر. ومع أنَّه يقيِّم خطة الحكومة الألمانية المكونة من ثماني نقاط تقييمًا إيجابيًا، لكنه يقول: "للأسف، لا يوجد لدينا أي تأثير على أية مجموعات في سوريا. لقد ابتعدنا تمامًا، والأميركيون ابتعدوا إلى حد كبير أيضًا". ويضيف أنَّ أي تأثير لن ينجح إلَّا عبر تركيا، ولهذا السبب أيضًا جاءت زيارتا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى أنقرة.
وبالنسبة للحكومة الألمانية لا يمكن ولا يجب الانتظار في إرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا. فقد تعهدت ألمانيا بتقديم مساعدات عاجلة بقيمة ثمانية ملايين يورو. وبصرف النظر عن تغيير السلطة فإنَّ ألمانيا تستثمر أيضًا هذا العام نحو 125 مليون يورو في مشاريع التنمية، بحسب وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه. وتشمل هذه المشاريع إمدادات المياه في حلب وتشغيل مستشفيات في إدلب شمال غرب سوريا.
أعده للعربية: رائد الباش