كيف غيرت الثورة صورة مصر في عيون الغرب؟
١٦ يناير ٢٠١٢بدا الاهتمام العالمي بمصر أثناء قيام الثورة وفي الأسابيع القليلة التي تلتها كبيراً جداً، واحتلت الأخبار المصرية الصفحات الرئيسية في معظم الصحف العالمية على مدى أسابيع، بل وتزايدت المظاهرات المؤيدة للثورات العربية في الخارج، هذه المظاهرات التي شارك فيها حتى أوروبيين وأمريكيين إلى جانب أفراد الجاليات العربية المقيمة في الغرب. ويرى الشباب الألماني الذين استطلع برنامج "شباب توك" رأيهم أن الثورة لفتت نظرهم إلى المنطقة العربية فيقول أحدهم إنه لم يكن يطلع على أخبار المنطقة العربية، لكنه اهتم بها بعد الثورة المصرية، بينما يبدي آخر "حماسه الشديد لما حققه الشباب المصري" ويشيد بشجاعتهم ومخاطرتهم بحياتهم.
فيكتوريا كليبر، الصحفية الألمانية المختصة بشؤون الشرق الأوسط، ترى أن أهم رسالة وصلت من خلال الثورة هي أنها أثبتت أن "المصريين والعرب ليسوا مختلفين كثيراً عن الأوروبيين وأن لديهم نفس المطالب مثل تحقيق الحرية والعدالة". الصحفية الألمانية الشابة انتقلت منذ مايو/آيار الماضي للعيش في القاهرة، لأنها أرادت أن "تتابع فترة التحول التاريخية التي تشهدها مصر". وتقول ضيفة برنامج شباب توك: "كان مدهشاً أن أرى كيف أن الناس هناك لديهم هذه الطاقة العظيمة ويعيشون هذه الأجواء المميزة، وقررت العيش هناك لأشهد هذا الوضع السياسي. بالإضافة إلى أن القاهرة مدينة رائعة، لا تنام".
"الثورة أعادت لنا روحنا وقدرتنا على الحلم"
الصحفي والمدون المصري محمد عبد الفتاح، يرى أن الثورة المصرية ألهمت شباب العالم للاحتجاج مثلما حدث في حركة Occupy Wall Street، وهو يعتقد أن تغيير صورة "الشعب المصري الخانع" لدى العالم تعد إنجازا ًهاماً. ولم تتغير فقط صورة الشباب المصري لدى الغرب، لكن صورته عن نفسه أيضا ًتغيرت كما يؤكد عبد الفتاح قائلاً: "أهم ما تغير هو الأمل الذي ولد مجدداً لدينا. فعلى مدى ثلاثين سنة من حكم حسني مبارك، سرق منا الحلم والثقة في أنفسنا وفي قدرتنا على تحقيق أي شيء، وبعد قيام الثورة، استعدنا روحنا وكينونتنا ولم نعد نخشى السلطة أو الحكومة أو أي رئيس سيأتي. فنحن قادرون على تحقيق مطالبنا بالنزول إلى الشارع".
وتتفق هبة أحمد، العضو في منظمة حقوق الإنسان في الدول العربية، مع هذا الرأي قائلة إن الشباب المصري أصبح أكثر إيمانا بنفسه ويدرك أهمية دوره في التغيير في مصر. كما ترى هبة كذلك أن نظرة الغرب للشباب المصري اتسمت في بداية الأمر بالاحترام والانبهار، وقد لمست هي نفسها هذا الأمر، حيث أنها مقيمة حالياً في برلين، وقد شعرت بالاهتمام الكبير بمصر أثناء الثورة، حيث أصبح كثيرون يسألونها في الشارع عما يحدث في مصر، كما أنها لمست تغير الصورة النمطية السلبية عن الشباب العربي التي كانت منتشرة في برلين على حد قولها.
"الصورة في الغرب الآن غير واضحة"
لكنها تعتقد أن هناك الآن حذر وتخوف يشوب نظرة الغرب للأحداث في العالم العربي. فالكثيرون يتساءلون كيف سيبدو مستقبل مصر والمنطقة العربية، وهل سيفوز الإسلاميون بالحكم وماذا سيحدث في هذه الحالة؟ وترى الشابة المصرية المقيمة في ألمانيا أن الاهتمام بمصر تراجع وأن المساندة للثورة المصرية قلت "بسبب عدم قدرة الغرب على تقييم الأحداث التي تحدث هناك وعدم وضوح الصورة، وعدم اهتمام الإعلام الألماني بتوضيح هذه الصورة".
أما المدون المصري محمد عبد الفتاح فيرى أن تراجع اهتمام الرأي العام الدولي بما يحدث في مصر يرجع إلى حد كبير إلى كون ما حدث في مصر في يناير/كانون الثاني 2011 كان "قصة درامية جميلة"، حيث "ثار الشعب 18 يوما واستطاع الإطاحة بديكتاتور كبير"، لكنه يضيف في هذا السياق: "الواقع أننا أطحنا بحسني لنضع مكانه حسين، أي أنه لم يحدث تغيير يذكر، ولم يتغير شيء سوى ذهاب شخص ومجيء غيره". ويتمنى الصحفي المصري أن يهتم الرأي العام الدولي مجددا بالأحداث في مصر وأن تتضح الصورة لديه ولذلك فهو يعمل من خلال مدونته على نقل هذه الصورة التي تظهر الآن فقط "الفوضى والضرب" ولا توضح خلفيات ما يحدث.
من جانبها ترى الصحفية الألمانية فيكتوريا كليبر أن المجال بات محدوداً للأخبار المصرية في الصحف الغربية عامة والألمانية خاصة، لأن هناك بلدان أخرى "انضمت للقافلة ويسقط بها الكثير من القتلى" مثل سوريا. وترى كليبر أن اهتمام الصحافة يكون أكبر مع ازدياد عدد القتلى، وإن كانت تتفق مع عبد الفتاح فيما يتعلق بعدم وضوح الرؤية الآن في أوروبا وتقول في هذا السياق: "أظن أن اهتمام الشباب الألماني كان أكبر في بداية الأمر. فالشباب الألمان احترموا الشباب في البلدان العربية وفي مصر وكيف أنهم أسقطوا أنظمة ديكتاتورية. أما الآن فقد تلاشى الاهتمام وهم لا يعرفون ما يحدث في مصر، كما أنهم كانوا يعتقدون أن تحقيق الديمقراطية سهلاً لكنهم لا يعرفون أن الأوضاع الآن في مصر باتت أسوأ من ذي قبل".
هل تكفي الجوائز الدولية لتكريم شباب الثورة؟
وفي الوقت الذي قل فيه الاهتمام الإعلامي بالأوضاع في العالم العربي، مازال بعض شباب الثورة يكرمون بجوائز عالمية مخلتفة، فقد نالت أسماء محفوظ مثلاً جائزة سخاروف، كما نالت سارة عبد الرحمن جائزة إيدبرغ في السويد وحصل مطرب الثورة رامي عصام على جائزة حرية الموسيقى في السويد. أما محمد عبد الفتاح فقد نال أيضاً جائزة اتحاد الصحفيين الكنديين لحرية التعبير لعام 2011، وهو يعتبر مثل هذه الجائزة تكريم لجيله بأكمله لأنهم جيل تعلم أن "الصحافة مهنة تتحدى السلطة" وخاطروا لتغطية قضايا لا يغطيها الإعلام التقليدي".
وترى هبة أحمد أن منح مثل هذه الجوائز يعد اعترافاً بالعمل الذي قام به الشباب، لكنه ليس كافياً، وهي ترى أنه يجب أن تكون هناك متابعة أكثر للأحداث، حتى يصبح هناك ضغطاً دولياً على الحكومات لتحقيق ما تصبوا اليه تلك الثورات. أما فيكتوريا كليبر وإن كانت ترى أن الشباب المصري يجب أن يقوم بنفسه بالتغيير، إلا أنها تجد تقديم الدعم من الخارج ضروري، وتأكد أن تنفيذ المشاريع المختلفة سيساعد على إحداث التغيير.
سمر كرم
مراجعة: يوسف بوفيجلين