"لا سلام في الأفق"... لماذا تتعمّق الحرب في السودان؟
١٣ يوليو ٢٠٢٣تصاعد العنف في السودان يؤدي إلى تفاقم محنة الناس هناك ووصول الأزمة الإنسانية إلى مستويات كارثية.
فبعد ثلاثة أشهر من القتال العنيف المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أصبحت الحرب في السودان أكثر حدة، كما يخلص إليه المحلل السياسي، أحمد سليمان، في مقابلة له مع DW.
وأضاف الخبير الباحث في شؤون القرن الأفريقي من مركز أبحاث "تشاتام هاوس" بلندن أن "أسوأ المعارك تدور في الخرطوم، ولكن في دارفور أيضاً، التي ترتكب فيها أعمال عنف وتخريب للمباني السكنية والبنية التحتية وحملات تهجير جماعي وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
من جهتها حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن السودان على وشك الانزلاق إلى"حرب أهلية شاملة" قد تزعزع المنطقة بأسرها.
وقال سليمان لـ DW إن هناك "قرابة مليوني نازح بينهم أكثر من مليون طفل. ونتيجة للعنف الدائر في دافور وحدها نزح 180 ألف شخص عبر حدود غرب دارفور إلى تشاد". وبحسب المحلل السياسي، يتخذ العنف في دافور طابعاً عرقياً عانى منه الناس في دافور على مدار العشرين عاماً الماضية: "لا يوجد حل سريع لهذا الصراع الدموي".
"السلام ليس أولوية الطرفين"
خرق اتفاقات وقف إطلاق النار بين الفصيلين المتحاربين والقتال العنيف بين الخصمين لم يترك أي مجال لصمود أي من الاتفاقات الموقعة لوقف إطلاق النار. وانتقد أحمد سليمان محاولات الوساطة التي لم تحقق سوى القليل. وقد دعت هيئة التنمية لدول شرق إفريقيا (إيغاد)، مؤخراً إلى محادثات سلام في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إلا أن الحكومة السودانية رفضت المشاركة. وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان إن ممثليها لن يكونوا مستعدين لمحادثات السلام إلا عندما تتخلى كينيا عن رئاسة دول الوساطة الإقليمية، متهمة كينيا بالانحياز لقوات الدعم السريع.
ولم تسفر المحادثات السابقة في مدينة جدة برعاية أمريكية وسعودية إلى تحقيق تقدم يذكر. ويرى أحمد سليمان أن الفشل يعود بالأساس إلى أن كلا الطرفين المتحاربين يركزان على تحقيق مكاسب عسكرية استراتيجية على حساب الآخر. ويخلص المحلل السياسي إلى أن "هذا هو هدفهم الأساسي". ويضيف: "الطرفان ليسا مستعدين في هذه المرحلة لانهاء الحرب وإعطاء الأولوية للسلام".
لكن يبدو أن يوسف عزت، مستشار قائد قوات "الدعم السريع" في السودان محمد حمدان دقلو "حميدتي"، يرى الأمور بشكل مختلف تماماً. في مقابلة له مع DW، اتهم يوسف عزت الطرف الآخر بعدم الرغبة في الرد على عروض السلام: "خلال المحادثات في المملكة العربية السعودية كان هناك اتفاق على وقف إطلاق النار بين وفدي الجانبين، لكن الجيش لم يلتزم بذلك. سلاح الجو يقصف كل مكان ويهاجم رغم توقيعنا هدنة".
الطرفان يدعيان دعم الديمقراطية
وأكد مستشار قائد قوات الدعم السريع في المقابلة مع DW أن الأمر لا يتعلق بمسألة شخصية بين جنرالين عسكريين، بل بإعادة تشكيل جيش للسودان.
بعد استيلاء الجيش بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان على السلطة في السودان قبل عام ونصف، عين البرهان نفسه رئيساً لمجلس انتقالي وعين "حميدتي" نائباً له، ووعد بإعادة السلطة إلى حكومة منتخبة ديموقراطياً. لكن اتفاق الانتقال لم ينفذ بعد.
وبحسب يوسف عزت، يدور الصراع بين من يريدون دعم العملية السياسية والتحول الديمقراطي ومن يريدون إعادة النظام القديم، بما فيه الإسلاميين والمتطرفين. ويوضح: "حان الوقت كي يصبح السودان مستقلاً فعلياً. البلد بحاجة إلى اتخاذ مسار جديد. لا نريد عودة الإرهاب وداعش". ويشدد على ضرورة مناقشة أسباب الحرب في السودان: "يجب أن نتفق على السياسات الجديدة، وإصلاح جميع المؤسسات، وإنشاء نظام ديمقراطي للبلاد. هذا هو هدفنا".
ويضيف يوسف عزت أن ما تريده قوات الدعم السريع هو بدء المفاوضات السياسية بين جميع السودانيين على الفور: "نعتقد أن السبيل الوحيد لحل المشكلة ليس تكوين حكومة دكتاتورية أو جعل البلاد في قبضة شخص واحد. قوات الدعم السريع تريد تشكيل نظام ديمقراطي يتقبل الجميع ويعترف بالتنوع وبهويات جميع السودانيين".
المصلحة فوق كل شيء
يصور كل طرف في الصراع نفسه على أنه حامي القيم الديمقراطية. أما بالنسبة للمحلل السياسي، أحمد سليمان، فإنه يعتقد أن العامل الحاسم في هذا الصراع الوحشي على السلطة هو المصلحة والرغبة في إخضاع الطرف الآخر. ويردف أن المصالح الاقتصادية تلعب دوراً أيضاً في الصراع؛ إذ تعد القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من أكبر أرباب العمل في السودان. ويضيف: "كانت هناك فرص كافية للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، لكن لم يقدم أي طرف على إنشاء ممر إنساني، وهو ما يعد ضرورياً لوقف دائم لإطلاق النار".
"تتمتع القوات المسلحة السودانية بميزة كونها الجيش الوطني، وبهذا تحصل على الدعم من دول في المنطقة، بما فيه الدعم اللوجستي، ما يمكنها من شن غارات على المدنيين. هناك مؤشرات واضحة على أن الإسلامويين وفلول النظام السابق يدعمون انتصار القوات المسلحة السودانية"، يضيف أحمد سليمان.
"من جانبها تسعى قوات الدعم السريع إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية والأمنية. ويريد حميدتي الترشح لأي انتخابات قادمة، بيد أن قوات الدعم السريع تتحمل جزءاً من المسؤولية عن هذه الحرب الدموية، وارتكبت انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان. وتتلقى تلك القوات الدعم من مجموعة فاغنر الروسية على المستوى اللوجيستي. لكن بعد تراجع نفوذ قائدهم، يفغيني بريغوجين، نتيجة تمرده على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فمن غير الواضح ما إذا كان سيتم تسليم تلك القوات المزيد من الأسلحة"، يخلص الخبير الباحث في شؤون القرن الأفريقي من مركز أبحاث "تشاتام هاوس" بلندن، أحمد سليمان.
وقد تقدمت DW بعدة طلبات لإجراء مقابلة مع ممثلين عن الحكومة العسكرية السودانية، لكن لم تتلق أي رد حتى ساعة نشر هذا التقرير.
مارتينا شويكوفسكي بالتعاون مع فيندي باشي / إ.م