"لست ضيفا على أحد"ـ كتاب عربي عن برلين
٦ مارس ٢٠٠٨يعمل برنامج الديوان الشرقي الغربي المدعوم من قبل معهد غوته على ترتيب زيارات مشتركة بين كتاب من الشرق (عرب، إيرانيون، أتراك) وكتاب ألمان بإقامة عدد من الفعاليات المشتركة في بلدي الكاتبين. وكان الكاتب إليا ترويانوف صاحب "جامع العوالم" رفيق قاسم في هذه التجربة الأدبية والحياتية الفريدة، إذ قضى هو الآخر وقتا من الزمن في البحرين. إنها مبادرة انطلقت فعالياتها بعد صدمة الحادي عشر من سبتمبر، وتأتي لرأب الصدع القائم بين العالمين الغربي والإسلامي، ولو على المستوى الثقافي.
إيليا ترويانوف ـ المثقف الكوني
يستشهد قاسم حداد في نهاية أحد فصول كتابه:"لست ضيفا على أحد" بمقولة للشاعر الألماني ريلكه:"إنني أحمل قطعة من الأبدية في صدري". لكن كتاب قاسم حداد يقول شيئا آخر غير الأبدية، وكأني اسمعه يقول: "كل منا يحمل قطعة من الآخر في صدره". إن الآخر يسكننا، وكان البسطامي على حق وهو يقول: "رب قريب منا بعيد عنا، ورب بعيد عنا قريب منا". فقاسم حداد الذي لا يحب السفر، والذي ظل يؤجل مشروع رحلته إلى برلين، يكتشف لحظة لقاءه بالآخر، المدينة، برلين، إيليا ترويانوف، الرسام مروان الذي يعيش منذ خمسين عاما في برلين، توماس هارتمان المسؤول عن البرنامج، الموسيقي المولع بالنغمات الشرقية بيتر بانكه، وآخرون.. أن الآخر مرآة للأنا، وأن الأنا هبة الآخرين. فهو يتعرف مثلا من خلال تجربة إيليا ترويانوف على تجربة المثقف الكوني العابر للحدود والأمصار والثقافات:
"في كتاباته يهتم باكتشاف ودراسة وكشف آفاق المجتمع الإنساني في جوانبه المتأزمة، اجتماعيا واقتصاديا وحضاريا، منتجا نصوصا باهرة (عن أفريقيا وآسيا) مصقولة ببصيرة المثقف المبدع وبحثه الجاد والطموح. إنه يقدم تجربة مشحونة بالدلالات، فيما ينهمك في تلك القضايا بحرية ومن غير عقد تقليدية غالبا ما يتعثر بها مثقفون كثر مثقلون بإرث تاريخي أو رازحون تحت وطأة أيديولوجيا جاهزة. إنه يذهب إلى كل تلك المناطق الفقيرة والمتخلفة، بشغف الباحث، وليس فضول المتفرج".
برلين بتواريخها وأشباحها
كما يقف حداد مندهشا أمام معرفة الموسيقي بيتر بانكه بالموسيقى الشرقية وانكبابه منذ عقود على دراسة ألحانها وتلويناتها وأصولها سواء الهندية منها أم الصينية أم العربية: "ما أدهشني في اهتمامه العميق بالتراث الشعبي للموسيقى العربية، سؤاله المذهل عن تلك الأسطورة التي تقول بأن فن غناء (الفجري)، الشهير في البحرين والخليج، قد أخذه المغني الأول القديم من (الجن) في فجر يوم قديم. تلك الحكاية الشعبية التي تناقلها التاريخ الشعبي عن الشخص الذي كان عائدا إلى بيته، بعد أداءه صلاة الفجر، فسمع ذلك الغناء الفاتن يصدر من أحد البيوت المهجورة في ظاهر المدينة، دخل المكان ليستمع، وبعد أن انتهى المغنون واكتشفوا وجوده، طلب منهم أن يعلموه سر هذا الغناء، وافقوا على ذلك، بعد أن أخذوا منه عهدا على أن لا يفشي هذا السر. وكانوا من الجن، حسب تلك الحكاية".
وينقسم كتاب قاسم حداد إلى قسم نثري يحمل عنوان: "برلين، كنت في وردة الرماد" وقسم شعري يحمل عنوانا مثيرا "لست ضيفا على أحد"، وفي القسمين معا تحضر برلين وشخصياتها وشوارعها وتهاويلها وتواريخها والسور الذي قسم بطنها شطرين أو عالمين:
"برلين ليست على رسلها
بيتها غابة،
برلين محروسة بالكلوروفيل
بالأخضر الفائض المستهام
بالبحيرات والانسجام
برلين تسهو قليلا
فيستيقظ تاريخها في التفاصيل،
في دفتر الحرب
منسابة في ما تبقى من الحجر القرمزي"