"لم أكن أتوقع سعادة الناس بسقوط الجدار كما شاهدتهم"
٥ نوفمبر ٢٠٠٩بعد حصوله على الثانوية العامة بتفوق حصل اليمني صلاح الدميني من حكومة بلاده، اليمن الشمالية آنذاك، على منحة لدراسة الطب في الخارج. ونظرا لعدم توفر الفرصة آنذاك للدراسة في الولايات المتحدة أو في بريطانيا اختار صلاح عندما كان في الثامنة عشرة من العمر التوجه إلى ألمانيا الشرقية. وعبر فرانكفورت، وأمستردام وصل إلى مطار شونيفيلد في برلين الشرقية آنذاك.
واقع الاشتراكية في ألمانيا الشرقية سابقا كان مخيبا للآمال
ولا يزال الدميني يتذكر تماما لحظة قدومه إلى أوروبا الغريبة في أول سفر له إلى خارج بلاده، ويقول بأنه لدى وصوله إلى مطار شونيفيلد في برلين الشرقية سابقا عام 1986 انتابه انطباع مخيب للآمال عن رتابة وقتامة واقع الاشتراكية هناك، وفي هذا السياق يقول: "في مرآب السيارات لم تكن تقف سوى سيارات من نفس الطراز واللون، كانت تلك سيارات ترابانت التي يطلق عليها ترابي"، وأضاف صلاح بأنه صُدم لما رآه على أرض الواقع: "من الطائرة كنت أرى الخضرة الجميلة منتشرة في كل مكان، ولكن عندما نزلت منها ورأيت كل شيء على حقيقته لم أعد أرى الضياء والألوان التي رأيتها في أمستردام، مع أنني أدركت الفرق بين برلين الغربية وبرلين الشرقية لاحقا".
وأضاف الدميني أنه في السنوات الثلاث الأخيرة من عمر ألمانيا الشرقية السابقة كان اللون الرمادي هو الغالب على برلين الشرقية وأيضا على لايبزغ ويينا، حيث كان بدأ في دراسة الطب، ومع ذلك أعجبته الدراسة هناك، فإضافة إلى الأربعين دولارا التي كانت حكومة اليمن الشمالية آنذاك تمنحه إياها كل شهر، كان يحصل من مؤسسة كارل ماركس للمنح الدراسية في ألمانيا الشرقية السابقة على ثلاثمائة مارك شرقي شهريا. وكان ذلك كله كافيا لأن يعيش عيشة رغيدة. وكأجنبي من دولة كانت لا تعد من الدول الاشتراكية أعفي صلاح الدميني من دراسة الماركسية اللينينية. وفي هذا الشأن يقول: "كان يتوجب على كل طالب جامعي في ألمانيا الشرقية أن يدرس الماركسية اللينينية. وبما أني كنت أنتمي إلى اليمن الشمالية، لم تكن دراسة هذه الأيديولوجية إلزامية بالنسبة لي، ولكن ذلك كان إلزاميا لمن أتوا من دول اشتراكية، مثلهم في ذلك مثل طلبة ألمانيا الشرقية".
سقوط جدار برلين حقق الآمال
يتذكر صلاح الدميني التحولات التي حدثت في ألمانيا الشرقية السابقة أثناء دراسته فيها. ويقول بأنه سافر مساء الحادي والثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول عام 1989 أي ليلة رأس السنة الميلادية مع زملاء له إلى برلين لمشاهدة الألمان من شرق وغرب ألمانيا يرقصون فرحا على أنقاض سور برلين الذي سقط في التاسع من نوفمبر عام 1989، ويعتبر أن ذلك كان صدمة ثقافية لا تزال تبهره إلى اليوم. ويضيف: "عايشت احتفال الألمان بسقوط السور. وقد هالني أن أراهم وقد تدفقت فيهم القوة يتسلقون أنقاضه. كنت أتوقع أنهم سيسعدون بذلك، ولكني لم أكن أتوقع أن يعبروا عن سعادتهم بالشكل الذي شاهدته". ويصف صلاح هؤلاء الناس بأنهم "عادة كانوا هادئين وصامتين، وفجأة أصبحت لديهم القوة على فعل كل شئ. وأعتقد أن هدوءهم وصمتهم كانا بمثابة قنبلة تنتظر الانفجار".
حاليا يعمل صلاح الدميني، البالغ من العمر حاليا اثنين وأربعين عاما، طبيبا أول، ومتخصصا في أمراض الجهاز البولي والتناسلي في مستشفى هافيلاند - كلينيك بحي ناوين في مدينة براندينبورغ. ويقول عن حياته هناك: "من حيث العمل أشعر بأني ألماني، وكذلك من حيث النظام في الحياة. بالطبع أمارس مهنة رائعة، ولكن المرء لا يحيا ليعمل فقط". ومن هنا فهو يفتقد بعض الجوانب، على سبيل المثال أن يكون الناس مستعدين للمساعدة، وللوقوف إلى جانب بعضهم البعض كما يقول.
ولهذا وكما يقول الدميني، يقضي فترة الصيف كل عام هو وزوجته اليمنية الأصل أيضا وأولاده الثلاثة في اليمن، فهناك لا تزال تعيش والدته ومعظم إخوته في مدينة تعز، ثاني أكبر المدن اليمنية والكائنة في منطقة جبلية خضراء. وعن خلفيات هذه الخطوة يقول الدميني بأنه لا يقوم بذلك لمجرد القرب من بعائلته، وإنما لرؤية وطنه الأصلي أيضا، حيث يجد هناك ما يفتقده في وطنه الجديد.، وأيضا للاطلاع على مدى التطور هناك.
ويضيف صلاح بأن السفر إلى بلده الأم ليس رحلة إجازة كونه لا يتمكن من الاستجمام هناك، فهو يقوم دون مقابل بمعالجة المرضى الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف العالية للعلاج في المستشفيات الخاصة، ولكنه يستمتع بذلك إذ ان قضاء فترة الصيف في اليمن يعد بمثابة تناول جرعة من القوة يعود بها لممارسة عمله كما يقول. وهكذا فإن صلاح الدميني اليمني الأصل لا يعتزم مبدئيا العودة إلى اليمن بشكل نهائي، ولكنه سيزور اليمن في الصيف القادم، ويقول: "أنا سعيد جدا بعملي ، ولهذا قررت أن أبقى هنا في براندينبورغ مع زوجتي وأولادي".
الكاتب: كلاوس هايماخ / محمد الحشاش
مراجعة: ابراهيم محمد