لماذا أبرمت الهند اتفاق تشابهار مع إيران رغم تحذير أمريكا؟
١٨ مايو ٢٠٢٤وقعت الهند الإثنين (13 مايو / آيار) اتفاقا مدته 10 سنوات لتمديد أعمال تطوير وتشغيل ميناء تشابهار الإيراني على خليج عمان ليحل محل الاتفاقية الأولى التي أبرمت عام 2016 وكان يتم تجديدها سنويا. ويأتي الاتفاق بين سلطات موانئ البلدين في إطار مساعي الهند الطموحة وطويلة الأمد لتأمين طريق لعبور السلع الهندية إلى الأسواق في إيران وأفغانستان وبلدان آسيا الوسطى ودول أخرى. وحسب الاتفاق المبرم بين شركة الموانئ الهندية العالمية المحدودة ومنظمة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية، ستضخ الهند 370 مليون دولار لإنجاز مهام تطوير الميناء وتشغيله.
تحذير أمريكي
في أول رد فعل أمريكي على الاتفاق، قال نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، في مؤتمر صحافي إن "أيّ كيان أو أي شخص معني بالصفقات التجارية مع إيران، عليه أن يكون على دراية بالمخاطر المحتملة التي يعرّض نفسه لها". وشدد على أن "العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران مازالت سارية وسوف نواصل تطبيقها".
في المقابل، قال وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار إن واشنطن كانت "تقدر" في الماضي "الأهمية الكبيرة " للميناء، مؤكدا أن بلاده ستعمل على توضيح فوائد الاتفاق على تطوير ميناء تشابهار الإيراني. وكانت الولايات المتحدة قد استثنت عمليات البناء والتطوير في الميناء من منظومة العقوبات عام 2018 بهدف السماح بتدفق البضائع والوقود إلى أفغانستان، فيما بلغت سعة الميناء أكثر من 2.5 مليون طن من القمح وغيرها من المساعدات إلى هذا البلد الفقير الذي مزقته الحروب والصراعات.
وفي هذا السياق، قال جايشانكار إنه يعتقد أن "الأمر يتعلق بالتواصل والإقناع وتوعية الناس بأن (تطوير الميناء) يصب في صالح الجميع. ولا أعتقد أنه يجب إلقاء نظرة ضيقة على الأمر".
اتساع الفجوة بين الهند والولايات المتحدة
من جانبها، ترى شانتي مارييت ديسوزا، الرئيسة الزائرة لبرنامج فولبرايت- نهرو بكلية السياسات العامّة في جامعة ماساتشوستس-أمهيرست، إن تداعيات أي عقوبات محتملة على الميناء مازال يكتنفها الغموض، قائلة: "العقوبات الأمريكية يمكن أن تحد من الإمكانات الكاملة لميناء تشابهار باعتباره مركزا تجاريا هاما".
وفي مقابلة مع DW، اشارت إلى أنه رغم ذلك، فإن "نهج السياسة الخارجية الهندية بداية مع الموقف تجاه الحرب في أوكرانيا وواردات النفط والأسلحة من روسيا ودعم جيش ميانمار وأخيرا التعاون التجاري مع إيران.. كل هذه الأمور تتعارض مع السياسات الأمريكية ما قد يدفع إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن على تبني سياسة مختلفة تجاه نيودلهي".
ليس وليد اللحظة
يشار إلى أنه جرى بناء ميناء تشابهار أول مرة عام 1983 إبان الحرب العراقية- الإيرانية فيما يقول مراقبون إن اهتمام الهند بتطوير ميناء تشابهار يعود إلى عام 2003 حيث جرى توقيع "خارطة طريق استراتيجية" مع إيران، لكن 2016 كان العام الفارق إذ شهد شروع نيودلهي في تجديد رصيف ومحطة حاويات الشحن لتتولى بعد ذلك بعامين مهمة إدارة العمليات في الميناء.
وفي مقابلة مع DW، قال أفتاب كمال باشا، الرئيس السابق لقسم الدراسات الخليجية في جامعة جواهر لال نهرو، إن حركة تطوير الميناء تسير بشكل متقطع منذ أكثر من عقدين خاصة عقب الضغوط الأمريكية عندما فرضت إدارة دونالد ترامب عقوبات عام 2018، لكن الهند تمكنت من إعفاء الأمر من العقوبات حيث استشهدت نيودلهي بالوضع الإنساني في أفغانستان. وأضاف "سنحتاج إلى التأكيد على استقلالنا الاستراتيجي والاعتقاد بأن الهند سوف تمثل أهمية حيوية لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة خاصة في مواجهة الصين".
كبح العلاقات الصينية- الباكستانية
بيد أن مراقبين يرون بأن تطوير ميناء تشابهار يتجاوز البعد التجاري إذ يحمل في طياته أهدافا جيوسياسية بالنظر إلى أن الميناء يقع على بعد حوالى مئة كيلومتر غرب حدود باكستان التي تقوم أيضا بتطوير ميناء غوادار بدعم من الصين. وعن طريق بوابة ميناء تشابهار، ترغب الهند في مواجهة الشراكة الآخذة في التنامي بين الصين وباكستان فضلا عن مناوئة نفوذ بكين المتزايد في منطقة خليج عمان، إذ تقول نيودلهي إن مكانتها كقوة إقليمية تواجه تحديا مصدره ميناء غوادار وأيضا التعاون الوثيق بين بكين واسلام اباد.
يُشار إلى أن الصين قد ضخت مليارات الدولارات في مشاريع تطوير البنية التحتية في إطار تدشين الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني كنموذج لمشروعات مبادرة الحزام والطريق حيث ترى بكين أن ميناء غوادار سيكون بمثابة بوابتها إلى الأسواق العالمية عبر المحيط الهندي.
وفي سياق متصل، أدى الصراع بين الهند وباكستان إلى جعل إمكانية إنشاء طريق عبور آمن من الهند إلى الأسواق في إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى ومنطقة الخليج، أمرا بالغ الصعوبة. يشار إلى أن باكستان تمنع عبور البضائع الهندية عبر أراضيها ما يعني أن ميناء تشابهار - في حال إتمام أعمال التطوير - سيمثل بداية الطريق البري الآمن للهند صوب بلدان آسيا الوسطى. وقال فؤاد إزادي، الأستاذ البارز في هيئة التدريس في قسم العلاقات الدولية بجامعة طهران، إن "النهج الهندي الاستباقي بشأن ميناء تشابهار يعكس خطوة محسوبة للتأكيد على مكانة نيودلهي الإقليمية وأيضا قدرتها على مواجهة النفوذ الصيني بشكل استراتيجي".
وفي حديث إلى DW، أضاف إزادي أن الاقتصاد الهندي المتنامي يقدم الكثير لدول المنطقة خاصة مع استعداد إيران لتحقيق منافع في حالة تحولها إلى نقطة عبور محورية نحو آسيا الوسطى وروسيا".
إلى روسيا عبر إيران؟
ويقول خبراء إنه في حالة اكتمال أعمال تطوير وتوسيع ميناء تشابهار، فقد يتم إلحاقه بمشروع إنشاء الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب (INSTC) الذي تم الاتفاق على تشييده بين الهند وإيران وروسيا عام 2022.
وبحسب الخطط، فإن الممر يُـتوقع أن يربط المحيط الهندي والخليج العربي ببحر قزوين بداية من عبور إيران ثم روسيا فيما يتألف الممر من شبكة متعددة الطرق تبلغ 7200 كيلومتر. وقال شانتي مارييت ديسوزا إن "التكامل المستقبلي بين تشابهار وممر الشمال- الجنوب يمثل أهمية كبيرة للهند خاصة مع عدم وضوح الرؤية بشأن الممر الاقتصادي بين آسيا والهند وأوروبا مرورا بالخليج".
بدوره، قال جولشان ساشديفا، الأستاذ في كلية الشؤون الدولية بجامعة جواهر لال نهرو، إن "ضم الميناء إلى مشروع ممر الشمال- الجنوب سيكون عنصرا حاسما" في استراتيجية الهند طويلة المدى لتعزيز وصولها إلى الأسواق العالمية. وفي مقابلة مع DW، أضاف أن "مشروع ممر الشمال-الجنوب سيكون مجديا تجاريا وقابلا للاستمرار في ضوء تنامي التجارة في مجال الطاقة بين الهند وروسيا والانخراط الهندي المتنامي في جنوب القوقاز خاصة على صعيد صادرات الأسلحة إلى أرمينيا".
واستبعد الخبير ربط الدول الأوروبية بممر الشمال- الجنوب عبر الأراضي الروسية بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، لكنه قال إن خيار الربط يمكن أن يتم عبر إيران وأرمينيا وجورجيا والبحر الأسود". وأضاف ساشديفا أن "العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا وإيران عرقلت عمل الشركات الخاصة التي تنشط في الغرب. ومع ذلك، فإن صناع السياسة في الهند مصممون على إيجاد طرق للتعامل مع المستجدات الأمريكية".
أعده للعربية: محمد فرحان