لماذا يتردد سوريون في العودة من مخيم الزعتري إلى وطنهم؟
٢٣ يناير ٢٠٢٥شارع "الشانزليزيه" في مخيم الزعتري، الواقع على بعد حوالي 70 كيلومترا شمال-شرق عمان، الذي سمي تيمنا بالجادة الباريسية الشهيرة لما يشهد من حركة تجارية ومطاعم ومحال مختلفة، يبدو أقل ازدحاما مما كان عليه في سنوات سابقة.
يقول يوسف الحريري (60 عاما)، صاحب محل مواد بناء في الشارع لوكالة فرانس برس: "لا يمكنني العودة. العودة تعني الخسارة من كل الجوانب وبيع المحل صعب". ويضيف "الوضع الداخلي غير مناسب في سوريا حاليا، فهناك غلاء فاحش وعناصر مسلحة متمردة. بيوتنا هناك مدمرة". ويؤكد أن "الرؤية لما يجري في سوريا غير واضحة حتى الآن، والأفضل أن أبقى هنا أنا وعائلتي بأمان".
سقط حكم الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر بعدما دخلت فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام إلى دمشق إثر هجوم خاطف. وبعدما اندلع النزاع في سوريا العام 2011 الذي خلف ملايين اللاجئين، افتتح مخيم الزعتري في 2012 في محافظة المفرق وأصبح سريعا أكبر مخيم للاجئين السوريين في العالم. وكان المخيم حينها مجرد خيام نصبت على عجل في أرض خالية، قبل إيصال الخدمات إليه واستبدال الخيام ببيوت مسبقة الصنع ليتحول إلى ما يشبه مدينة.
وبعدما وصل عدد قاطنيه إلى 140 ألفا في بعض السنوات، بات الآن يؤوي 75 ألفا وفقا للناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في الأردن رولان شونبور. ومعظم قاطني المخيم فروا سيرا على الأقدام، قادمين من درعا في جنوب سوريا الحدودية مع الأردن، "مهد الثورة" من حيث انطلقت شرارة الثورة السورية.
ويسأل خالد الزعبي (72 عاما) صاحب متجر في المخيم الذي يقيم فيه منذ 13 عاما "إلى أين نعود؟ 90 بالمئة من الدور مهدمة والجو بارد جدا والحالة المادية لمعظمنا لا تسمح بالعودة فلا أحد يعرف كيف سيكون الوضع هناك".
ويضيف الزعبي متكئا على عكاز خشبي "هربنا من الظلم والاستبداد في سوريا في عهد عصابات الأسد حيث لا قيمة للإنسان، هنا في الأردن شعرت أني إنسان وأفضل البقاء الآن".
ويقول الرجل الذي كان يعمل "مخللاتي" في درعا إن عائلته كانت مؤلفة من ستة أفراد عندما وصل وباتت الآن تضم 18 فردا ما يصعب العودة إلى "وضع مجهول (..) خصوصا أن المفوضية (الامم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين) لا تقدم أي مساعدة للعودة".
وتتوافر خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والصحة والتعليم بالمجان في الزعتري، ويتلقى كل سوري مساعدات نقدية للغذاء مع إمكانية المغادرة للعمل خارجه والعودة، ما يجعل قاطنيه مترددين تجاه العودة. ويقول رضوان الحريري (54 عاما)، وهو أب لثلاثة أبناء وجد ل12 حفيدا ولدوا جميعا في الأردن، إن عائلته تحصل شهريا على مساعدة مادية من المفوضية. ويضيف الرجل الذي كان عامل بناء في درعا وهو اليوم إمام مسجد في المخيم، أن في سوريا "لا أحد يساعدك ولا يوجد عمل، وكل من نتصل به هناك ينصحنا بعدم العودة الآن".
ويؤكد "منذ جئنا إلى المخيم تعودنا على الحياة هنا، من الصعب أن نتركه". وتقول عمان إن عدد السوريين الذين غادروا الأردن عبر معبر جابر الحدودي مع سوريا تجاوز 52 الفا منذ سقوط الأسد.
وقدّرت الأمم المتحدة الشهر الماضي أن مليون لاجئ سوري قد يعودون إلى بلدهم من دول اللجوء خلال النصف الأول من عام 2025. إلا أنها ترى أن الظروف قد تكون غير ملائمة لعودتهم الى بلدهم.
ويقول رولان شونبور "انعدام الأمن لا زال مقلقا، وهناك الكثير من عدم الاستقرار واشتباكات مسلحة في بعض المناطق، وعدد متزايد من الضحايا المدنيين بسبب مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة". لكنه يؤكد أن "لكل لاجئ الحق في العودة إلى وطنه والمفوضية تقدم المشورة والمعلومات له، لكن تحديد الوقت المناسب للعودة الطوعية يبقى قرارهم".
وتفيد لأمم المتحدة أن الأردن استضاف منذ بدء النزاع السوري نحو 680 ألف سوري مسجلين كلاجئين لديها، بينما تركد المملكة أنها استقبلت 1,3 مليون سوري. يشوب الحزن صوت مريم مسالمة البالغة 63 عاما عندما تتحدث عن المخيم الذي لجأت اليه قبل 12 عاما بينما تحزم امتعتها استعدادا لمغادرة، "حنينا للوطن".
وتقول مسالمة التي ارتدت ثوبا أسود مطرزا بالورود "أنا حزينة على فراق الزعتري، فقد أصبح وطني". وتؤكد بينما تتفقد حديقة زرعتها بجانب منزلها بشجيرات ورد وتفاح وفاكهة إن ابناءها عادوا الى سوريا بعد سقوط الأسد لذا قررت العودة مع زوجها.
ويتحرق آخرون للعودة إلى سوريا على غرار محمد عتمة (50 عاما) الذي يستعد للمغادرة الى سوريا مع أفراد أسرته الثمانية. ويقول "حان الوقت للعودة، لم أر أمي وإخوتي منذ 13 عاما". ويضيف "عوملنا هنا بكل لطف واحترام وكرامتنا كانت محفوظة (..) لكن مصير الإنسان العودة إلى بلده".
ف.ي/أ.ح (ا.ف.ب)