لماذا ينفي البعض الهولوكوست؟
١٣ فبراير ٢٠١٤قرأت الكثير من المقالات والكتب الصادرة باللغة العربية أو المقالات المنشورة على مواقع الإنترنيت حول الهولوكوست، هذا المصطلح الذي يعني عمليات منظمة وممنهجة ومباشرة وفعلية ضد يهود ألمانيا وأوروبا في الفترة الواقعة بين 1933- 1945 استناداً إلى الفكر النازي العنصري المعادي للسامية، باعتبارها أكذوبة يهودية صهيونية عالمية وأسطورة لا يجوز الاقتناع بها. ويحاول البعض الآخر أن يؤكد كذبها من منطلق إن الاعتراف بها يفيد إسرائيل كدولة معادية للعرب والفلسطينيين. وهو منطق أفلج بطبيعة الحال فالاعتراف بالحدث شيء وسبل الاستفادة منه شيء آخر تماماً.
ومن حق إسرائيل ويهود العالم أن يستفيدوا منه ليمنعوا وقوعه ثانية في أي مكان من العالم. فلو قرأت مقال السيد إدريس الكنيوري في إسلام ويب بعنوان "أسطورة الهولوكوست، أو مقال السيد هاشم محمد والسيدة سمر الشافعي على موقع "محرس" تحت عنوان "لماذا تهول الآلة الإعلامية اليهودية من الحدث؟ .. "الهولوكوست" أسطورة إسرائيلية.. لذبح المفكرين المنكرين لها! " حيث ورد فيه " استفادت إسرائيل بشكل منقطع النظير من فكرة "المحرقة" أو "الهولوكوست " التي زعموا أن زعيم الحزب الألماني النازى هتلر أمر بها، والتي ادعوا أنه عذب اليهود خلال الحرب العالمية الثانية في محاولة منه لاجتثاث العرق اليهودي من جذوره،.." (موقع حرس في 27/1/2010)، إضافة إلى مئات المقالات التي دبجت من العرب والمسلمين في إنكار هذه المحرقة والمجزرة البشرية التي تعتبر بحق "جريمة إبادة جماعية وضد الإنسانية".
" العرب و المحرقة اليهودية .... زيارة ميدانية"
كتب الأستاذ مصطفى الرافعي مقالاً بعنوان " العرب و المحرقة اليهودية .... زيارة ميدانية"
جاء فيه بصواب ما يلي:
" و في هذا السياق لا يفوتني أن أذكر الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في العالم العربي، نظرا لاعتناقه الإسلام وإنكاره لأهوال المحرقة النازية. فهل العربُ قومٌ تحكُمُهم الأهواءُ و الانفعالات و حب الانتقام أكثر من طرح الإشكالات في سياقها التاريخي الإنساني و الموضوعي. فقد صدّق العرب و المسلمون كل ما ورد في كتابه دون تدقيق و لا تمحيص لمحتواه. و قد تمّتْ محاكمته حينها و انتهت بإدانته لإنكاره الهولوكوست في تصريحاته وكتاباته، كما شهدت تعبئة كبيرة للنازيين الجدد وأتباع نظريات المؤامرة والمشككين بالهولوكست، الذين حضروا لمؤازرته أمام محكمة باريس.
فقد شكَّكَ غارودي في هذا الكتاب بالتطهير العرقي، الذي تعرض له اليهود الأوروبيون، معتبرا أنه مجرد ادعاء من أجل تبرير سياسة إسرائيل العدوانية. وبسبب فقرات مختلفة في الكتاب تشكك بحدوث الهولوكوست حكم على غارودي سنة 1998 في الجلسة الأولى بالسجن لمدة تسعة أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة مالية بلغت 160 ألف فرنك فرنسي. مما جعل عدة دول من العالم الإسلامي و العربي تحتفي به بصفته نجما كبيرا واستقبل خصوصا في مصر والأردن سنة بحفاوة كبيرة في الجامعات والملتقيات الكبيرة ونظر إليه كبطل أو "شهيد مطارد" في الغرب ومن طرف "الصهاينة" بسبب تصريحاته المنكرة لوقائع المحرقة.." (الحوار المتمدن، العدد 3196 بتاريخ 25/11/2010).
لقد دفعتني هذه القراءات إلى كتابة المقال التالي ونشره، ومن ثم توسيعه وإغنائه بمعلومات إضافية من أجل أن يكف العرب المسلمين والمسلمين من غير العرب عن ممارسة الافتراء المتعمد والمستمر بإنكار جريمة الإبادة الجماعية ضد اليهود التي ارتكبت في ألمانيا وأوروبا في الفترة الواقعة بين 1933-1945. فالأحداث التي تعرض لها يهود أوروبا ليست أكاذيب بل حقائق دامغة، ولكن إنكارها يعتبر مأساة ومسخرة حقاً وتعتبر عن جهل في الأحداث أو محاولة للانتقام أو كما كان الهتلريون النازيون الألمان يرددون مقولة غوبلز "افتروا ثم افتروا ثم افتروا، لعل بعض افتراءاتكم تعلق بأذهان الناس".
هل جريمة الإبادة الجماعية ضد اليهود في أوروبا حقيقة أم أسطورة؟
حين وصلتُ إلى ألمانيا نهاية عام 1958 وفي الفترة اللاحقة قمت بزيارة لأكبر معسكرات الاعتقال النازية الموزعة على مناطق مختلفة من ألمانيا. وانطلاقاً من كوني أمارس السياسة وسجيناً سابقاً رغبت الإطلاع على واقع تلك المعسكرات ومعاناة الإنسان فيها، سواء أكان عبر التعذيب النفسي أم الجسدي والتجويع والتشغيل المميت وعذابات وموت بالجملة بالمحارق أو الأفران النازية أو غرف الغاز التي شملت النساء والرجال والأطفال بمن فيهم الأطفال الرضع أو النساء الحوامل. فكان لي أن زرت أول معسكر في مدينة داخاو) Dachau) مع مجموعة من الطلبة العراقيين في ألمانيا الاتحادية. وحين انتقلت للدراسة في ألمانيا الديمقراطية تسنى لي زيارة معسكري بوخنفالد (Buchenwald) في ولاية تورنگن (Tuerengin) وعلى مقربة من مدينة وايمر (Weimar) الثقافية والتاريخية، مدينة العملاقين في الأدب الألماني گوتيه وشيلر والموسيقار العالمي ليست. ثم زرت معسكر ساكسن هاوزن ( SachsenHausen)القريب من مدينتي برلين-براندينبورگ في ألمانيا الديمقراطية مع مجموعة من الطلبة الأجانب. وفيما بعد زرت ضمن وفد اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ضم الرفيق عزيز محمد سكرتير الحزب والرفيق الراحل مهدي عبد الكريم، عضو اللجنة المركزية، في العام 1974 معسكر أوسشفتز (Auschwitz) في بولونيا. وتسنى لي فيما بعد زيارة معسكرات اعتقال أخرى في مدن أوروبية أخرى. وقد كانت الصدمة الأولى شديدة القسوة والأثر النفسي لما شاهدته من حقائق صارخة على أرض الواقع والتي يصعب على الإنسان وصفها وتصور ما حصل فيها في تلك الفترة السيئة والمرعبة من تاريخ ألمانيا النازية. إن المواقع التي شاهدتها والكتب التي قرأتها والناس الذين التقيت بهم من مختلف الأطياف الفكرية والسياسية الذين كانوا في معسكرات الاعتقال النازية وقضوا فيها سنوات من عمرهم والأفلام التي شاهدتها، والتي لم تنتج لأغراض الدعاية بل كانت من الأفلام الوثائقية، والمتاحف التي قمت بزيارتها، كلها تؤكد بما لا يقبل الشك أحد احتمالين: إما أن يكون الناكر لهذه الحقائق إنسان جاهل ولا يمتلك المعلومات الكافية، وبالتالي فهو يردد بغباء كبير من سبقه من الناس في التشكيك بكل ذلك والادعاء بعدم صدق تلك المعلومات الخاصة بضحايا النازية، أو أنه عنصري تافه وغبي بامتياز، بغض النظر عن القومية أو الدين الذي ينتسب إليه، فمثل هذا الإنسان يكون عموماً عاجزاً عن التفكير بعقلانية وسوية حول ما حصل في ألمانيا بين 1933-1945.
وقائع من المعتقلات النازية
من درس تاريخ ألمانيا وفترة الحكم النازي بين 1933-1945 يعرف بأن البوليس الألماني التابع لوزارة الداخلية أقام خلال عام 1933 ستين معتقلاً وزعت على كل الإمبراطورية الألمانية للسياسيين المناهضين للسياسات الفاشية الهتلرية من الأحزاب والقوى الأخرى، وكانت تابعة لوزارة الداخلية وتحت رقابتها.
هذا الوضع لم يستمر طويلاً ، إذ سرعان ما هيمنت عصابات ألـ إس إس SSالألمانية (أمن الدولة) على تلك المعسكرات وراحت تعيد تنظيمها وتجميعها في معسكرات كبيرة. وفي عام 1937 كانت هناك ستة معسكرات اعتقال في ألمانيا تضم عشرات الألوف من السياسيين. ثم كانت المرحلة الثانية التي تجمعت في معسكرات أخرى حتى بلغت في العام 1942 (22) معسكراً للاعتقال.
وفي المحصلة النهائية وفي وقت مبكر جمع النازيون كل السياسيين من مختلف الاتجاهات السياسية واليهود والسلافيين والسنتي والروما Sinti & Roma (الغجر) والمثـليين والمعوقين والمجرمين ومن يطلق عليهم بالباحثين في الإنجيل في معسكرات مشتركة. وأعطي لكل نوع من هؤلاء لون معين على قطعة قماش تخاط في مقدمة قميص المعتقل، فكان على اليهود حمل النجمة السداسية بلون أصفر على صدورهم، كما فرض على السياسيين حمل قطعة قماش دائرية حمراء اللون، وللمشردين اللون الأسود، وللمجرمين اللون الأخضر، وبحاثة الإنجيل اللون البنفسجي واللاجئين اللون الأزرق. وقد وزعت هذه المعسكرات في ألمانيا وبولونيا والنمسا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية. وكانت السجون الأخرى، وكذلك الجيش الألماني، يرسلون الكثير من المعتقلين إلى ألمانيا للعمل القسري في معامل الإنتاج الحربي وتحت ظروف عمل قاسية ومريعة جداً ولساعات طويلة تفوق قدرة الإنسان على التحمل، إضافة إلى التجويع المتواصل الذي أدى كل ذلك إلى سقوط ضحايا قدرت بمئات الآلاف من المعتقلين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والجنسيات والأديان والمذاهب الدينية.
ورغم أن القتل الجماعي قد شمل كافة المعتقلين، إلا أن القتل الجماعي كان من حصة مواطنات ومواطني يهود الدول الأوروبية بشكل خاص بدافع الحقد العنصري الأسود الذي تميزت به العقيدة النازية وكافة القوميين الآريين الهتلريين. فوفق المعلومات المتوفرة والصادرة عن مراكز البحث العلمي التاريخية فقد بلغ عدد معتقلي هذه المعسكرات خلال فترة الحكم النازي 18 مليون إنسان، قتل منهم بأساليب مختلف 11 مليون إنسان (راجع القاموس السياسي الصغير، ديتس فيرلاگ Dietz Verlag، برلين 1985، ص 516). أما عدد اليهود الذين قتلوا وينحدرون من دول أوروبية خلال العهد النازي في الفترة الواقعة بين 1933 - 1945 فقد تراوح بين 5-6 مليون إنسان. وإذا جمع هذا الرقم مع عدد الذين انتحروا بعد التحرير لأسباب ترتبط بعواقب وجودهم السابق في معسكرات الاعتقال فأن العدد يرتفع ليتراوح بين 6156185 – 6261185 نسمة وكلهم من أتباع الديانة اليهودية. هذا هو العدد، الذي اتفقت واستقرت عليه كل المصادر العلمية التي يمكن الثقة بعلميتها ونزاهتها العلمية وبعدها عن التأثيرات السياسية في البحث. وهذا العدد الكبير موزع على النحو التالي: [1]
„الإمبراطورية الألمانية 165000، النمسا 65000، فرنسا وبلجيكا 32000، هولندا 102000، لوكسمبورغ 1200، إيطاليا 7600، اليونان 60000، يوغسلافيا بين 55000-60000، تشيكوسلوفاكيا 143000، بلغاريا 11000، ألبانيا 600، النرويج 735، الدنمرك 50، هنغاريا 502000، رومانيا 211000، بولونيا 2700000، الاتحاد السوفييتي بين 2100000-2200000“.
لقد قتل الكثير من السنتي والروما حيث بلغ عدد ضحاياهم خلال ذات الفترة وبمعسكرات الاعتقال النازية 500000 إنسان. كما فقد السلافيون الكثير من البشر بسبب الكراهية والحقد العنصريين، إضافة إلى من قُتل من الشيوعيين والاشتراكيين والمسيحيين وجمهرة كبيرة من المثقفين ممن لم يتسن لهم الهرب من ألمانيا بسبب الاختلاف الفكري والسياسي، إضافة إلى قتل اليهود بسبب عنصري، إنه العداء المسموم ضد السامية.
"جريمة لا تنسى ولا بد للعرب والمسلمين أن يعترفوا بها وأن يدينوها"
إن هذه الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق أتباع الدين اليهودي لا يمكن أن تغتفر ولا يمكن نسيانها وستبقى في ذاكرة التاريخ حية تعبر عن الفكر العنصري والشوفينية والقسوة السادية المريضة والحقد الأعمى والكراهية للآخر ولا يجوز بأي حال نسيانها لأنها عار في جبين الإنسانية كلها. ولا بد للعرب والمسلمين أن يعترفوا بها وأن يدينوها لأنها كانت جريمة إبادة جماعية ضد الإنسانية، ولا يجوز لهم إنكار حصولها. فهي حقيقة واقعة، وإنكارها ليس فقط رؤية عنصرية، بل وأكبر غباء وحماقة سياسية. ولا يمكن أن ينكرها سوى أولئك الذين يكرهون اليهود من منطلق عنصري وكراهية الإنسان الآخر والدين الآخر، وهم أولئك الذي يتبنون الفكر القومي العربي اليميني الشوفيني الذين مارسوا الجريمة ضد اليهود في العام 1941 في العراق، وكذلك في مجازر الأنفال في كردستان وحلبچة أو تهجير وقتل الكُرد الفيلية أو العرب الشيعة من الوسط والجنوب، أو الذين يرفضون حتى الآن إدانتها رغم كل الوقائع الدامغة التي ظهرت في محاكمات المجرمين المسئولين عنها. وتقدم المعاهد العلمية ومراكز البحث العلمي المتخصصة الكثير من الأدلة التي يمكن سوقها فيما يلي:
" * الدراسات الديموغرافية المتعلقة بأعداد اليهود المقيمين في أوروبا قبل الحرب وبعدها؛
التقارير اليومية الصادرة عن القادة النازيين المشرفين على معسكرات الموت وعلى فرق القتل في المناطق المحتلة في الأقاليم ؛
شهادات القادة النازيين في فترة ما بعد الحرب النازية ؛
الأدلة الحديثة التي ظهرت، على سبيل المثال، بعد اكتشاف المقابر الجماعية للضحايا اليهود في أوكرانيا.
الإشارات العديدة التي ألمح إليها قواد النازية حول إبادة اليهود ، بما في ذلك:
- يوميات جوزيف غوبلز ، رئيس الدعاية في عهد هتلر، 1948 ، ص 86 و 147-148، منها:
- 14شباط / فبراير 1942 : يشير الفوهرر (هتلر) مرة أخرى إلى عزمه على تنظيف أوروبا من اليهود بلا رحمة. يجب إلا يكون هناك أي مكان للحساسية العاطفية إزاء هذا الموضوع. اليهود يستحقون الكارثة التي تحل بهم الآن. لا بد من تدمير تلك الأسلحة جنباً إلى جنب مع تدمير أعدائنا. ويجب علينا أن نسرع هذه العملية مع التزام القسوة الباردة." (موقع الهولوكوست، 9/2/2014).
لقاء أمين الحسيني مفتي الديار الفلسطينية بأدولف هتلر
كتب الحاج أمين الحسيني، مفتي الديار الفلسطينية، في مذكراته اليومية، وكان صديقاً للدولة النازية ومعجباً بسياسات هتلر إزاء اليهود، نقلاً عن هملر في حديث مباشر معه ما يلي:
"
كان الرقم الذي ذكره هملر عن عدد الضحايا اليهود في معسكرات الاعتقال النازية في صيف عام 1943، في حين إن الهمجية الهتلرية قد تصاعدت في السنتين اللاحقتين وقبل سقوط ألمانيا وبقية دول المحور في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فأن الرقم الذي تشير إليه مؤسسات ومراكز ابحث العلمي حول ضحايا اليهود في معسكرات الاعتقال الألمانية وبقية الدول الأوروبية، وبشكل خاص في بولونيا، صحيح تماماً ولا يقبل الإنكار.
وفي أول لقاء بين هتلر والحسيني قال هتلر، على وفق ما جاء في مذكرات الحاج الحسيني ما يلي
وهذا التصريح يؤكد النية المبيتة التي كانت لدى هتلر والحزب النازي على تصفية اليهود أينما وجدوا. والغريب بالأمر إن الحاج أمين الحسيني لم ينتبه ويفكر بشكل موضوعي عن حقيقة أن الفكر العنصري الذي يؤمن به ويلتزم بتنفيذه هلتر وروزنبيرغ وهملر وغوبلز وكل الجوقة النازية موجه ضد جميع الشعوب التي يطلق عليها بالسامية والحامية، أي شعوب آسيا وأفريقيا لصالح الشعوب الآرية، وبالتحديد لصالح الشعب الجرماني. وكان العرب من ضمن الشعوب الموضوعة في أسفل سلم نظرية الأعراق النازية.
"صدام حسين وجلاوزته هم من بقايا أيتام الفكر النازي"
وأخيراً فإن من تعرف على معتقلات صدام حسين يستطيع أن يدرك طبيعة الأساليب الفاشية السادية اللعينة التي مارسها جلاوزة صدام حسين بحق المعتقلين السياسيين بالعراق. لقد مات الكثير من البشر تحت التعذيب وقتلوا بصيغ شتى. ولا شك في أن صدام حسين وجلاوزته هم من بقايا أيتام الفكر النازي على وفق عقلية المتخلفين من العرب والرجعيين والعنصريين. إنها الإجابة الواضحة والصريحة عن السؤال الذي ورد سابقاً حول طبيعة المحرقة التي نفذتها الفاشية في ألمانيا وأوروبا ضد اليهود، إنها أبشع جريمة ارتكبت بحق اليهود في العالم وأبشع ما ارتكب في الحرب العالمية الثانية، إنها جريمة إبادة جماعية وضد الإنسانية. وقد سبقتها جريمة أخرى ارتكبتها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ضد الأرمن والتي أدت إلى موت أكثر من مليون مسيحي أرمني في العام 1915، وكانت من أبشع جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت في تلك الحرب والتي تلبست بالذهنية العنصرية والدينية المتعصبة والعدوانية للحكام العثمانيين والدولة العثمانية.
أتمنى على العرب وعلى المسلمين في كل مكان أن لا يخلطوا بين الحقائق التاريخية وبين ما يحصل من صراع في الشرق الأوسط، الصراع بين دولة إسرائيل والشعب الفلسطيني، أو احتلال إسرائيل لمزارع شبعا أو الجولان السوري، أو العقوبات الجماعية التي تمارسها إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة في فلسطين، فهما قضيتان منفصلتان عن بعضهما من حيث المكان والزمان والقوى والعقلية. ونكران تلك الجريمة هو عداء وكراهية لليهود وغباء ودون وجه حق وعار لا يجوز السكوت عنه ولا يعبر مثل هذا الموقف عن رؤية ومشاعر إنسانية وعقلانية سياسية. وإذ من واجبنا أن ندين تلك الجرائم التي ارتكبت بحق اليهود حينذاك، علينا أن ندين ونشجب السياسات اليمينية المتطرفة التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية ضد العرب في فلسطين وتسويف حل المشكلة لصالح إقامة دولتين والتجاوز على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وفي الوقت ذاته علينا أن نتلمس السياسات الخطرة التي تمارسها حماس والقوى العربية اليمينية والمتطرفة، بدعم مباشر من إيران وأتباع إيران في المنطقة، لعرقلة أي حل للقضية الفلسطينية، وبالتالي فهم يدعمون اليمين الإسرائيلي الذي يرغب في ذلك أيضاً.