ليبيا ومخاطر انتشار تنظيم "الدولة الإسلامية"
٣ فبراير ٢٠١٥لم تكن دعوة وزارة الخارجية البريطانية لرعاياها بمغادرة ليبيا وعلى الفور مجرد إجراء احتياطي، بل جاءت على خلفية جدية الوضع الأمني الخطير في البلاد بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرض له فندق كورينتيا في العاصمة طرابلس وأسفر عن مصرع تسعة أشخاص، بينهم خمسة بريطانيين .
وأعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن الاعتداء، وتعتبر الحكومة البريطانية التنظيم المذكور وجماعات أخرى متطرفة، مثل جماعة أنصار الشريعة، مصدر خطر وترجّح أن تقوم هذه الجماعات بأعمال إرهابية تستهدف الأجانب، حسب ما جاء في بيان وزارة الخارجية البريطانية. ولا تنحصر المخاطر الإرهابية بعمليات خطف فحسب، بل تشمل مخاطر اندلاع اشتباكات عشوائية فجائية وانفجار سيارات مفخخة، قد يقع الأجانب ضحية لها .
من جانب آخر، حذرت الخارجية الألمانية مواطنيها من السفر إلى ليبيا. وجاء في بيان التحذير" لا يجوز لمواطني ألمانيا التواجد في ليبيا حتى إشعار آخر. ويشمل التحذير عموم مناطق ليبيا" دون استثناء. وأضاف البيان أنه ينبغي الحذر من أن يتعرض مواطنو الدول الغربية إلى خطر الاختطاف في أي وقت.
الإرهاب في ليبيا يهدد مواطني الدول العربية
لا يهدد الإرهاب مواطني الدول الغربية فحسب، بل يشمل التهديد العرب أيضا. ففي مطلع كانون الثاني/ يناير خطف عمال مصريون مسيحيون، كما خطفت مجموعة أقباط مصريين من ميناء سيرت، وما زال مصيرها مجهولا حتى ألان.
يأتي هذا في وقت لم يتضح فيد بعد مصير الصحافيين التونسيين، سفيان الشورابي ونذير القطاري، الذين خطفا بداية شهر أيلول/سبتمبر الماضي. وبعد ورود أنباء عن مقتلهما على موقع معني بنشر ومتابعة أخبار الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية مطلع شهر يناير/ كانون الثاني، نفت وزارة الخارجية التونسية نبأ موتهما وأشارت في نفس الوقت إلى أنها تعلم بمكان احتجاز الصحافيين، ما يعني أنّ الرجلين مازالا على قيد الحياة.
بعض الليبيين يتعاطف مع "الدولة الإسلامية "
يسعى تنظيم "الدولة الإسلامية" بشكل منهجي إلى استغلال ظروف الفوضى العارمة التي تسود ليبيا، فالصراع الجاري بين المجلسين النيابيين وحكومتاهما في ليبيا يصب في مصلحة التنظيم ، كما يقول حسني عبيدي الباحث السياسي في مركز الدراسات وأبحاث العالم العربي في جنيف. وأضاف الخبير في الشؤون الليبية أنّ للتنظيم المتطرف حضورا ملحوظا في جنوب البلاد، مؤكدا أن بعض المناطق لم تعد تحت سيطرة السلطات المحلية، ومشيرا إلى " أن بعض الشرائح في المجتمع الليبي في طرابلس وبنغازي وفي مدن أخرى يتعاطفون مع تنظيم "الدولة الإسلامية."
"البقاء والتمدد" جزء من إستراتيجية التنظيم
في هذا السياق يقول دانيال بايمان أستاذ السياسة الأمنية والخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون إن تنظيم "الدولة الإسلامية" ينتهج إستراتيجية توسعية مغايرة لنهج تنظيم القاعدة. تنظيم القاعدة كان يعمل وفق مبدأ منح امتياز استخدام أسمه فقط. فهو كان يدعم جماعات محلية لوجستيا وماليا ويقدم لها فرص التدريب على السلاح. في المقابل كانت تلك الجماعات تلتزم بتنفيذ اعتداءات لحساب تنظيم القاعدة ووفق مخططه ومنسوبة له، على أن تنفذ الاعتداءات في الخارج قدر الإمكان. وكان الهدف هو زعزعة الثقة بين الدول الغربية وبين حلفائها العرب، خصوصا المملكة العربية السعودية وبالتالي إنهاء التعاون بينهما. بيد أن الجماعات المتعاونة مع القاعدة كانت تعمل في نفس الوقت لأجل تحقيق أهدافها المحلية، ولذلك لم تنجح إستراتيجية القاعدة دوما .
وعلى عكس القاعدة، يتحد تنظيم " الدولة الإسلامية" بالمنظمات المحلية ولا يطالب بتنفيذ عمليات إرهابية في الخارج، بل يركز نشاط الجماعات الموالية لها في أوطانها. والهدف هو إسقاط الأنظمة القائمة، ليس بالتعاون مع قوى خارجية، بل عبر توسيع وتقوية الخلايا المحلية وتمكينها من الحلول محل السلطات المحلية تدريجيا. " البقاء والتمدد" هو شعار تنظيم "الدولة الإسلامية". وتمكن تنظيم"الدولة" وفق هذا المبدأ من وضع مناطق واسعة من العراق وسوريا تحت سيطرته، حيث أعلن فيها نظام "الخلافة". ومن خلال عمل الجماعات المتفرقة في كل مكان وبشكل عشوائي يتم توسيع سيطرة التنظيم، حيث قد ترتبط تلك المناطق بالمركز في يوم ما .
حدود مفتوحة ومقاتلون أجانب
وتعتبر ليبيا أرضا خصبة لمثل هذه الإستراتيجية. في هذا السياق يقول حسني عبيدي " ليبيا تملك في الجنوب حدودا مفتوحة نحو دول الساحل، ونفس الشيء يقال عن حدود ليبيا مع مصر، فهي الأخرى مفتوحة". ويضيف الخبير " عبر هذه الحدود المفتوحة يتسلل المقاتلون من هذه الدول إلى ليبيا. وبهذه الطريقة يعزز التنظيم الإرهابي تواجده في ليبيا. وتثبت الاعتداءات الأخيرة وعمليات الخطف في الأسابيع والأشهر الماضية أن الجماعات الموالية للتنظيم قد نجحت في تعزيز تواجدها في المدن الليبية الكبيرة. ومنذ فترة طويلة يجذب التنظيم المتطرف الكثير من أتباع تنظيم "أنصار الشريعة" القريب من القاعدة إليه. ولا يستبعد أن ينجح التنظيم قريبا من احتواء كل أتباع "أنصار الشريعة"، كما فعل سابقا مع جماعة جبهة النصرة السورية.
كما ينتهج التنظيم في المدن الليبية سياسة رمزية، حيث يُسير التنظيم دوريات في المدن التي يسيطر عليها لمراقبة التزام المواطنين بأحكام الشريعة في الحياة اليومية، مثل منع بيع التبوغ والسجائر أو غلق المحلات التجارية أثناء أوقات الصلاة. وتؤثر مثل هذه الإجراءات بشكل إيجابي على شرائح في المجتمع وتجذبهم نحو التنظيم. ويساعد المقاتلون الأجانب في تنفيذ تلك الإجراءات .
مخاطر انهيار دولة ليبيا
لوقف زحف التنظيم ومنع تعزيز حضوره لابد من حملة عسكرية حاسمة، كما يقول خبير الشرق الأوسط حسني عبيدى. بالإضافة إلى ذلك ، طالب الخبير باعتماد سياسة مماثلة لتلك التي تم اعتمادها في حل أزمة الحرب في يوغسلافيا السابقة في إطار اتفاقية دايتون التي نظمت العلاقة آنذاك بين قيادات الصرب والكرواتيين والبوسنيين. مثل هذه الاتفاقية يمكن أن تساهم في التقارب بين الأطراف الليبية المتنازعة، حسب رأي عبيدي. ويضيف عبيدي "إذا فشل الليبيون في التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن، فأن الدولة الليبية آيلة إلى الزوال ."