ليبيا: لا سلام في الأفق.. هل فشلت عملية برلين؟
٢٩ يناير ٢٠٢٠أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الثلاثاء نجاحا عسكريا لأن قواتها أسقطت طائرة مسيرة تابعة لقوات الجنرال خليفة حفتر سقطت بالقرب من مدينة مصراطة في غرب البلاد. وكدليل على ذلك تم نشر صور للطائرة المدمرة على صفحة الحكومة على موقع فيسبوك. وهذه الطائرة المسيرة من صنع صيني.
وإسقاط الطائرة المسيرة كان يستحق نشر خبر بالنسبة إلى حكومة ليبيا المعترف بها دوليا، لأن قواتها ظلت إلى حد الآن خاسرة بوضوح أمام وحدات حكومة المنفى المنتخبة في طبرق بقيادة الجنرال حفتر. ويملك الجيش المأمور أيضا من طرابلس بفضل الدعم التركي طائرات مسيرة، إلا أنها تبقى من الناحية الفنية متأخرة أمام تلك التي يملكها خصمها. وما عدا ذلك فإنها غير قادرة على مواجهة تفوق الخصم، لأن طرابلس ماتزال محاصرة بوحدات حفتر.
خروقات حظر الأسلحة
ومن الناحية العسكرية قد يبقى إسقاط الطائرة المسيرة مرحلة غير هامة، لكنها ذات مغزى من الناحية السياسية. فهو يكشف أن الأسلحة بعد مؤتمر برلين لإحلال السلام في ليبيا لا تهدأ في ليبيا. فمنذ نهاية الأسبوع انتقدت الأمم المتحدة الخروقات المستمرة ضد الحصار المفروض على الأسلحة وإرسال إضافي لمقاتلين أجانب. وعلى هذا النحو تتحدث الوثيقة الموقعة من طرف المشاركين في مؤتمر برلين عن بذل جهود أكثر لوقف المواجهات واتخاذ خطوات تحول دون التصعيد. لكن هذه المحاولات تُرجمت في أحسن الأحوال جزئيا إلى حقيقة سياسية. ففي ليبيا ماتزال القوة العسكرية هي العامل الحاسم في ممارسة السلطة والتأثير.
والوضع الهش يكشف أن مؤتمر برلين مهدد بالإخفاق على الأقل في أجزاء في تحقيق أهدافه. وهذا ما ظهرت بوادره خلال المؤتمر منتصف يناير في موسكو عندما غادر خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي قبل الوقت وبدون التوقيع على الاتفاقية المعدة اللقاء الذي رتبه الرئيس بوتين. لكن بإمكان هذا الجنرال أن يستمر في التعويل على الدعم الروسي. وهذا ما حرك من جانبه تركيا لمواصلة تقديم المساعدة العسكرية لوحدات حكومة الوحدة الوطنية، بينها ميليشيات قاتلت قبلها في سوريا.
إخفاقات أوروبية
وهذا يشير، كما قال خبير الشؤون السياسية عماد الدين بادي، أنه في مستهل المؤتمر لم يتم التوصل إلى شرط حاسم لتحقيق اختراق في ليبيا، أي تطوير موقف أوروبي مشترك يتمسك على أساسه الفاعلون الأجانب بعملية سلام. وأوروبا ضيعت لاسيما فرصة ممارسة الضغط على حفتر. وهذا يعود حسب بادي إلى أن هذه الدول لم تشأ التأثير على علاقات حفتر مع أهم الجهات العربية الداعمة له ـ الإمارات العربية المتحدة ومصر.
خلاف حول حقول الغاز
وفي المقابل يمكن إضافة أن مصالح السياسة الخارجية لتركيا لم تلق ما يكفي من الاعتبار في المؤتمر. فالدول العربية التي تساند حفتر تتهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالاندفاع نحو تطلعات "عثمانية جديدة". والعامل الحاسم قد تكون المصلحة التركية في استخدام حقول غاز مكتشفة قبل بعض السنوات في البحر المتوسط يتم استغلالها إلى حد الآن من طرف اليونان وقبرص واسرائيل ـ مع إقصاء تركيا، لأن المنطقة البحرية المعنية لا تشمل المنطقة التي تتوفر فيها موارد الطاقة.
ومن خلال تفاهم مبرم مع رئيس الحكومة المعترف بها دوليا، فايز السراج تريد تركيا عبر المنطقة البحرية الليبية المشاركة في استغلال تلك الحقول. وهذا يشكل دافعا أساسيا لتقديم الدعم للسراج. فمن هذه الزاوية ليس لتركيا إلا اهتمام متوسط بليبيا، فهي تعتبر هذا البلد وسيلة لتحقيق أهداف سياسة الطاقة. لكن الخلاف حول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط لم يكن مدرجا في برنامج برلين. وقلما يمكن الفصل بين النزاعين.
مناشدة في اتجاه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
وبالنظر إلى الوضع المتوتر في ليبيا ضغط وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس الاثنين لإصدار قرار لمجلس الأمن الدولي "يؤمن" قرارات برلين. فمن خلال هذا القرار يجب أن يكون واضحا بالنسبة إلى جميع الفاعلين الذين تجاوزوا الحصار "أن هذا لن يبقى بدون عواقب"، كما قال ماس. وفي عين المكان تعتزم الأمم المتحدة في يناير الجاري إجراء محادثات بين الفرقاء الليبيين تصب في تشكيل حكومة وحدة جديدة.
وبمؤتمر برلين تم في الحقيقة السير خطوة إلى الأمام، كما ورد في دراسة "لمجموعة الأزمات الدولية". لكن من المشكوك فيه القدرة على دفع الفاعلين ـ في مقدمتهم الجنرال خليفة حفتر الذي يراهن على حل عسكري ـ لتبني اتفاق. وبالتالي ليس من المستبعد أن تنطلق رحى الحرب في وقت منظور في ليبيا حيث يشدد حفتر على استقالة الحكومة في طرابلس. وفي المقابل سيطالب السراج بانسحاب وحداته من المنطقة حول طرابلس. " الأمم المتحدة ستبذل الجهد لإطلاق حوار سياسي تكون فيه الوحدات المتخاصمة ممثلة بشكل متكافئ. والحرب قد تبدأ للأسف من جديد".
كرستن كنيب/ م.أ.م