مأكولات عربية تفتح شهية الحوار بين عرب وألمان وسط ميونيخ الألمانية
١٣ يناير ٢٠١٠يوجد في مدينة ميونيخ مطاعم ومقاهي عربية كثيرة تقدم وجبات متنوعة بدءا بالفلافل مرورا بالكباب والطاجين وغيرها. ومن بين هذه المقاهي "مقهى القدس" الذي يقع علي ناصية شارع "شفانتلر شتراسه" وسط المدينة، في المقهى يبدأ الأصدقاء من مثقفين عرب وألمان عند المساء بالتجمع والتواصل حول أطباق الفلافل، حيث تنفتح شهيتهم أكثر مع طرح مواضيع عربية وعالمية ساخنة للنقاش. وقد نجح هؤلاء في تحويله الي ما يشبه النادي الثقافي من خلال لقاءات يتم فيها تبادل الآراء ووجهات النظر حول مواضيع شتى دون قيود أو حدود.
يبدو المقهى للوهلة الأولي كمكان مصغر لتجمّع عربي مصغّر! إسمه فلسطيني وصاحبه مصري والذي يديره سوري ،أما الرواد فهم من مختلف الدول العربية، وينتمون إلى أديان وأعراق مختلفة، من مصر والعراق والسعودية وسوريا ولبنان والإمارات، إضافة إلى المان من المهتمين بالثقافة العربية وأصناف الطعام العربي ما يساعد ايضا علي التواصل بين الثقافتين العربية والألمانية.
نقاش صراحة دون غضب وإثارة
حول الطاولة الكبيرة الوحيدة في المطعم يأخذون اماكنهم المعتادة ، علي الفور تبدأ أكواب الشاي علي الطريقة العربية في الدوران علي الحاضرين ،في أجواء من المودة، كثيرون يأتون الي هنا من خارج ميونيخ ايضا من اجل الاستمتاع بالنقاش والحوارومعرفة اخر اخبار الأوطان من الآخرين، أبو مصعب السوري يبدو نشطا في تقديم أطباق الطعام الي الرواد، يقول: "استمتع كثيرا بتجمع أبناء الجالية العربية هنا، الأحاديث لا تتوقف والنقاش بينهم فيه الكثير من الصراحة والمكاشفة، لا أحد يغضب او يثور، تجد هنا الشيعي ،السني ،المسيحي وغير المؤمن ـ ألمان ايضا يأتون الي هنا خاصة من الذين عاشوا لبعض الوقت في الدول العربية وألفوا الثقافة هناك.
لا يعتقد ابو مصعب ـ ان النقاش والانفعال أحيانا يضر بالمطعم ،بل علي العكس فقد تسبب ذلك في شهرته ويقوم هو نفسه بدور ألتعارف بين أبناء الجاليات العربية هنا، ألطريف أيضا أنه يشارك في النقاش والحوار وهو يعمل ـ لاسيما وانه أتى من منطقة مشهورة بالثقافة، من شمال شرق حلب، إنها مدينة منبج، مدينة الشعراء أمثال البحتري وأبي فراس الحمداني ودوقل المنبجي.
التسامح الديني وتوريث الحكم في مصر من المواضيع
على طرف الطاولة يجلس المخضرم عفيف سمعان، هو فلسطيني هاجرإلي ألمانيا شابا ودرس الهندسة ويعمل الآن في الترجمة ويعيش في ميونيخ، هو أحد رواد المجموعة الثقافية الدائمين التي تتردد على المطعم الصغير، رغم كل هذه السنوات في ألمانيا يبقي عفيف منشغلا بوطنه فلسطين، عفيف يرى بأن حل القضية الفلسطينية سهل على أساس انسحاب اسرائيلي كامل الي حدود ما قبل سنة 1976 وقيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة، وعندما يتطرق النقاش الي أوجه الخلاف بين الديانات السماوية اليهودية، المسيحية والاسلام يقص علينا قصة شخصية طريفة لاتعرف التعصب، يروي عفيف بأن أخته في فلسطين وهي مسيحية أطلقت علي مولودها الأول اسم محمد، وعندما واجهتها بعض المصاعب أسمته "بلال" وهو ايضا أسم إسلامي، لازال يحمله حتي هذه اللحظة.
أما صفائي، وهو مهاجر عراقي يرى أن فكرة التسامح الديني مهمة، وعليه فإن الطائفية في الإسلام بين الشيعة والسنة وغيرهم يجب أن تختفي، وأن يبقي المسلم مسلما دون الدخول في الطائفية، ولايصح التشكيك في الملل والنحل التي تضعف من العقيدة، وفي الوقت الحاضر يسعي صفائي مع عرب آخرين الي إقامة نادي ثقافي عربي يضم في عضويته العرب دون تفرقة بين جنس أو دين أو طائفة.
وتشغل عمر الكاشف وخالد حسن من مصر أوضاع بلدهما في إطار الأخبار المتواترة حول توريث الحكم لجمال مبارك نجل الرئيس المصري حسني مبارك، يري عمر أن سياسة مصر التي تتجه الي توريث الحكم خاطئة ، كما يرى بأن أغلب أبناء الجالية المصرية في ألمانيا يرفضون هذه السياسة التي تعود بمصر الي عصور الملكية والأسر الحاكمة، ويتساءل عن سبب عدم إجراء انتخابات حرة وديمقراطية في مصر وباقي الدول العربية كما تفعل الدول الديمقراطية. وهنا يلتقط خالد حسن طرف الحديث ويرجع ذلك الي إفقارالحياة السياسية من قبل الحكام سواء في مصر او باقي البلدان العربية التي تؤمن بالتوريث وهو الامر الذي يجعل البلاد العربية خالية من الكوادر السياسية الفعالة ويدلل علي ذلك في حالة مصر بلجوء البعض الي ترشيح محمد البرادعي المدير السابق لهيئة الطاقة النووية، او الدكتور احمد زويل الحائز علي جائزة نوبل في الكيمياء لرئاسة مصر ، والأثنين عملا ونالا شهرتهما خارج مصر.
يمتد ويطول النقاش في تلك القضية ، أغلبه ضاحك وساخر تتخلله نكات سياسية مضحكة تظهر الي اي مدي يسخر فيه أبناء الجالية العربية من أنظمة الحكم غير الديمقراطية، وفي النهاية يعود النقاش الي المانيا ،الي قضايا المهاجرين العرب أنفسهم ، ويطرح خالد حسن سؤالا هاما عن مدى فعالية الجاليات العربية في بلاد المهجر؟ ويجيب هو نفسه انها غير فعالة على صعيد التأثير بأي شكل من الأشكال علي سياسة بلدانهم، ولا حتى في القيام بخدمات من أجل الجالية المهاجرة، لاسيما وأن انشطتها تبقى في غالب الأحيان محصورة في إطار فعاليات فردية، أما الجمعيات الموجودة في المانيا علي سبيل المثال فتكمن مشكلتها في عدم توفر دعم حكومي يساعدها على القيام بأنشطة فاعلة.
الكاتب: صلاح سليمان
مراجعة: ابراهيم محمد