مؤتمر "الإسلام في أوروبا" ـ إشكاليات وآفاق تنظيم الممارسة الدينية في الغرب
٢١ يونيو ٢٠٠٩أسدل الستار اليوم الأحد (21 يونيو/ حزيران 2009) على أعمال المؤتمر الدولي الذي دعا إليه على مدى يومين مجلس الجالية المغربية بالخارج بمشاركة عشرات الخبراء من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والمغرب. ونبعت فكرة عقد هذا الملتقى من حقيقة الاهتمام الدولي المتزايد بواقع الجالية المسلمة في أوروبا التي تحولت في العقود الأخيرة إلى جزء من النسيج الثقافي والاجتماعي وحتى الاقتصادي الأوروبي. وبما أن هذه الفئة لم تعد مرتبطة بمهاجرين سيغادرون يوما ما بلدانهم الأوروبية المضيفة، بات من الضروري العمل على ايجاد الحلول السليمة والعملية للإشكاليات التي تواجهها من أجل تحسين ظروف عيشها وانجاح اندماجها داخل المجتمعات الأوروبية.
وبحكم أن تواجد المسلمين في أوروبا رافقته في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية إشكاليات فكرية واجتماعية، تعكف مختلف الجهات الأوروبية منذ فترة على تنظيم الممارسات الدينية للجالية المسلمة في إطار قانوني يضمن احترام المبادئ الأساسية الأوروبية المتمثلة في العلمانية والتعددية. ومن تم جاء اختيار عنوان هذا المؤتمر:" الإسلام في أوروبا، أي نموذج؟ " . وفي هذا الإطار يقول الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج عبد الله بوسوف انه " بحكم أن الإسلام أصبح احدى مكونات الفضاء الديني الأوروبي، وهو لم يكن موجودا في الفترة التي اعتمدت فيها الدول الأوروبية نصوصها التشريعية فانه أصبح من الضروري البحث عن النموذج القادر على خلق نوع من الملائمة مع المجتمعات الأوروبية، خاصة وأننا نعلم أن الدين الإسلامي دين واحد ولكن هناك عدة مفاهيم ثقافية واجتماعية مرتبطة به، نريد لها أن تندرج ضمن الصيرورة التاريخية الغربية حتى لا تعيش على هامشه أو تشكل هاجسا للمجتمعات الأوروبية ".
أبرز محاور المؤتمر
وتمثل أحد أبرز محاور هذا المؤتمر الدولي في رصد خريطة الإسلام في أوروبا ووصفها. وفي هذا السياق قدمت جوسلين سيزاري مديرة برنامج الاسلام بالغرب بجامعة هارفارد الأمريكية وصفا عاما عن وجود المسلمين في أوروبا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وادراك الرأي العام الأوروبي لهم كأشخاص منحدرين من الهجرة . في حين أن النظرة إزاء المسلمين في الولايات المتحدة مختلفة بحكم أنهم يعتبرون هناك عنصرا لا يتجزأ من المجتمع المتعدد الثقافات. وشددت جوسلين سيزاري على أن النظرة العامة إلى الجالية المسلمة في أوروبا لا تميز بين الاسلام والسمات الثقافية والجغرافية لأفراد هذه الجالية المنحدرين من فضاءات ثقافية واجتماعية متنوعة، مؤكدة على أن عدة صور نمطية تجاه المسلمين يتم ربطها تلقائيا بالإسلام .
"تفوق نموذج الاندماج الألماني على المستوى الأوروبي"
وفي خضم حديثه عن الدين في أوروبا الحديثة من زاوية اجتماعية قانونية أوضح المفكر الإيطالي ألساندرو فيراري أن الدول الأوروبية أضحت في العقود الثلاثة الأخيرة تفكر بجدية أكبر في كيفية التعامل مع الاسلام في الغرب على أساس النظام العلماني والدستور الذي يضمن حرية الممارسة الدينية. ولاحظ فيراري أن النموذج الالماني في انجاح عملية اندماج المسلمين متفوق مقارنة مع عدة دول أوروبية أخرى، وهو " يحمل صفات مميزة ، اذ نجد بعض الولايات الألمانية قد أدرجت مادة تعليم الديانة الاسلامية في مقرراتها المدرسية، كما أن هناك نقاشا متطورا حول متطلبات المسلمين في البلاد، لكن يبقى هناك مشاكل مرتبطة بادماج هوية ثقافية محددة داخل ما هو مألوف كهوية وطنية وكثقافة رائدة، وهذا قد يؤدي أحيانا إلى توترات".
واعتبر هذا المفكر الايطالي أن "مفهوم الثقافة الرائدة أو السائدة الذي كان مطروحا منذ مدة على الساحة السياسية والثقافية في ألمانيا هو ملاحظة مثرية للنقاش، لكن بعض السياسيين ووسائل الإعلام استغلوا هذا المفهوم في النقاش العام كوسيلة للتهميش والهيمنة من أجل فرض نظام طبقي بين الثقافات " .
وطرح فيراري في مداخلته مفهوما حديثا يساعد في تسهيل عملية تعاطي الدول الأوروبية مع تعدد الثقافات في مجتمعاتها، ألا وهو مفهوم التعددية الثقافية المندمجة بمعنى أنه " مع انعدام الفصل بين الأشخاص والسلطة السياسية والثقافة يجب التسليم بأن حياة الأشخاص تعكس سمات متعددة من بينها الدين في اطار شمولي, وأن لا نفكر في أن المسلمين هم فقط مهاجرون، وبالتالي يجب مراعاة كل سمات الحياة اليومية للأشخاص دون محاولة اخفائها ".
التنسيق مع دول الأصل عنصر أساسي
أما أستاذ القانون الكنسي ألكس سغليرس غوميس كينتيرو من جامعة برشلونة فقد سلط الضوء في مداخلته على المسلمين في أوروبا والعلمانية التي لا تتدخل في حرية الممارسة الدينية للأفراد وفي تحجيمها ، ومن تم فان الدولة الاسبانية مثلا مطالبة بالتعاون مع جميع فئات المجتمع لتنظيم الممارسات الدينية بشكل ينسجم مع قانون البلاد الأساسي . في المقابل انتقدت خيما مارتين مونيوس مديرة البيت العربي بالعاصمة مدريد تعامل دول الاتحاد الأوروبي بصفة انفرادية في فترة سابقة مع ظاهرة الهجرة التي تطورت بسرعة وأجبرت هذه الدول على التنسيق فيما بينها للخروج بحلول تنظم الممارسة الدينية للمسلمين في أوروبا. وشددت مونيوس على " أهمية تنسيق الدول الأوروبية مع دول الأصل للمهاجرين ، لاسيما وأن أكاديميين ومفكرين مسلمين قادرون على المشاركة في انجاح هذا الحوار، كما أن عددا كبيرا من المسلمين مهتم باصلاح أوضاعه للحفاظ على عناصر الهوية والانسجام مع الحداثة.
وفي الختام يمكن القول بأن هذا المؤتمر كشف بوضوح حجم التحديات التي فرضت نفسها على السلطات الدينية التقليدية والسياسية في أوروبا لبلورة استراتيجية مشتركة تضمن العيش الكريم لجميع مكونات المجتمع الواحد. وقد اختار مجلس الجالية المغربية بالخارج عقد فعاليات هذا المؤتمر الدولي في الفندق الذي شهد انفجارات الـ 16 من مايو 2004 بالدارالبيضاء من أجل توجيه نداء معنوي الى جميع الفاعلين للتأكيد كما قال أمينه العام عبد الله بوسوف على أن " هذا المكان يمكن أن يكون أيضا أرضية انطلاقة للتعايش واحترام الآخرين وبناء مجتمع انساني خالي من التطرف ومن الخوف من الآخر".
الكاتب: محمد المزياني - الدار البيضاء
تحرير: ابراهيم محمد