مارسيليا الفرنسية في محاولة لتلميع صورتها داخل أوروبا
٢٠ ديسمبر ٢٠١٢الساعة تشير إلى التاسعة صباحا في Vieux-Port (فيو بورت)، الميناء القديم لمدينة مرسيليا. وفي هذا المكان، حيث عادة ما يقف الصيادون لبيع صيدهم تحيط الأسوارالحديدية الآن بالميناء وسط ضجيج الحفارات والجرافات والرافعات.ويجري العمل هنا على قدم وساق، حيث لم يبقى الكثير من الوقت، ففي غضون بضعة أسابيع فقط، أي في 12يناير/ كانون الثاني،ستنطلق منافسات التتويج بلقب "العاصمة الثقافية الأوروبية". وعندها ستحاول مارسيليا التنافس مع97 مدينة وقرية في أوروبا من أجل الحصول على هذا اللقب. ولهذا فإن المشاركون سيحاولون التألق من خلال عروض مذهلة ولوحات فنية وثقافية جدابة.
واستعدادا لهذا الحدث البارز يتم إعادة ترميم وتجهيزالميناء القديم، حيث استقر الإغريق قبل 600 سنة قبل الميلاد، وأسسوا دولة "ماساليا". ويشمل ورش البناء الكبير والطرقات والبنايات المجاورة، بالإضافة إلى منصات العروض وغيرها من التجهيزات المتطورة. ولكن بائعة السمك نانا، التي تبلغ من العمر 82 سنة تخشى أن يؤثر هذا التطورعلى سوق السمك التقليدي وبالتالي إلى اندثاره.
أكبر مشروع للتنمية الحضرية في أوروبا
على بعد 15 دقيقة سيراعلى الأقدام من شمال الميناء القديم تتعالى رافعات البناء، التي تنتشر في منطقة أكبر مشروع للتنمية الحضرية في أوروبا ، والذي يحمل إسم "Euroméditerranée". وتمتد مساحة المشروع على 480 هكتارا وتشمل جميع أنحاء منطقة الميناء القديم. وتقدر تكلفة هذا المشروع الذي يضم أبراج للمكاتب والفنادق الفخمة والمجمعات السكنية بالمليارات. وفي هذا الصدد يقول رئيس مشروع "“Euroméditerranée غي تيسييه: "نحن نبني مدينة جديدة وسط هذه المدينة." ويضيف قائلا: "لقد فقدت منطقة الميناء القديم على مدى العقود الماضية رونقها وجاذبيتها، بسبب قلة الأنشطة وسوء حالة المنازل. ولهذا يتم إعادة بناء هذا الجزء من المدينة، وذلك منذ اثني عشرعاما."
ويتم هذا المشروع في واحدة من أفقر المدن في فرنسا، حيث يعاني حوالي 13 في المئة من السكان من البطالة. ولهذا فإن هذا المشروع العمراني الضخم من شأنه أن يعطي دفعة جديدة لاقتصاد مرسيليا. ووفقا للاحصاءات فإن مشروع البناء ساعد لحد الآن على خلق 20 ألف مكان عمل. وهو ما ينوه به رئيس المشروع ،غي تيسيه الذي يشرح قائلا: "نريد إنشاء مدينة عظيمة على البحر المتوسط، وأن نظهر للجميع أن مرسيليا مدينة طموحة ومجتهدة،يمكن العيش فيها بشكل جيد."
من حي فقير إلى تحفة عمرانية
في منطقة الميناء القديم حيث تسكن الطبقات الفقيرة والمهمشة وخاصة المهاجرين من أصول شمال إفريقية يحاول المشروع إعادة ترميم المباني والمنازل أوهدمها بشكل كلي وإعادة بنائها من جديد.
ولكن هذا التطور العمراني من شأنه أن يرفع تكلفة الايجارات، مما قد يضطر بعض السكان إلى اللجوء إلى جهات أخرى. وهذا ما يشتكي منه نورديل أبواتيل من جمعية ""Un centre ville pour tous أو و"سط مدينة للجميع"، الذي يرى أنه ليس هناك خطة شفافة لإعادة إدماج السكان في المنطقة. و بالإضافة إلى ذلك ينتقد أبواتيل استغلال وكلاء العقارات لسكان المنطقة.
أما المتحدث باسم مشروع Euroméditerranée أنتوني أبيسيرا فيرى بالمقابل أن القواعد القائمة تراعي مصالح الفقراء أيضا، حيث سيتم إنشاء وحدات للسكن الاجتماعي، تضمن بقاء هذه الفئة في المنطقة.
عالم الجريمة في الجوار
ليس بعيدا عن المنياء يقع حي السكن الاجتماعي "فيليكس بيات"، حيث تتعالى العمارات البيضاء الشاهقة التي تصل إلى 20 طابقا. وفي الشوارع الخالية تتطايرالأكياس البلاستيكية و تنتشرالقمامة في كل مكان.
كريم شاب مراهق من جزر القمر يبلغ من العمر 14عاما ويسكن في الحي ""cité" منذ عدة سنوات. وينظر كريم إلى الوجهة الأخرى، حيث توجد أبراج المكاتب اللامعة، بتمعن وحذر. فمنطقة الميناء المجاورة تبدو له بعيدة جدا رغم قربها الجغرافي الذي لايتعدى 15 دقيقة سيراعلى الأقدام. ولكن تلك المنطقة تشكل بالنسبة لكريم عالما مختلفا وبعيدا عن حياته اليومية في "cité".
ولهذا فإن كريم نادرا ما يغادرحدود الحي""cité" ويفضل في كثير من الأحيان البقاء في المنزل حتى لايتورط في عالم المخدرات:" جميع أصدقائي دخلوا ذلك العالم، وواحد من رفاقي جرب ذلك مرة واحدة ثم أصبح الآن متورطا في تجارة المخدرات وهو يسرق حقائب اليد ثم يبيعها ويفعل كل شيء."
ويعتبرحي "فيليكس بيات" من أفقر أحياء مرسيليا. ومعظم ساكنة الحي من أصول أجنبية، من شمال أفريقيا وجزر القمر وجزيرة مايوت. ويعتبر الحي معقلا للإجرام وتجارة المخدرات، خاصة وأن نصف الشباب هنا عاطلون عن العمل.
تعزيز الوجود الأمني في مرسيليا
رئيس نقابة الشرطة ألفونس جيوفانيني يتابع تطور تجارة المخدرات في مرسيليا لأكثر من عشرين عاما، ويرى أن الإجراءات المتخدة لمحاربة هذه الآفة ليست صارمة بما فيه الكفاية. وهو برأيه ما أدى إلى توسيع رقعة تجارة المخدرات في العمارات الشاهقة لتتطوربعدها إلى حرب عصابات مستمرة في الأحياء الهامشية بين التجار. ويضيف جيوفانيني:"من أجل تأمين سوق المخدرات المربحة فإن تجار المخدرات على استعداد للقيام بأي شيء. فليست هناك أي قواعد، فالربح السريع هو ما يهمهمن بالدرجة الأولى."
وبما أن مدينة مرسيليا تتوفر على ميناء كبيرمحاط بالعمارات الشاهقة التي تنتشر في جميع أنحاء المدينة، يصعب السيطرة على تجارة المخدرات، على حد تعبير رئيس نقابة الشرطة، الذي يتطلع بشغف إلى إعلان "خطة العمل العالمية" للحكومة الجديدة. والتي وعد فيها وزيرالداخلية مانويل فالس بمحاربة الإجرام على مختلف المستويات، بما فيها التعليم والعمل والسكن. وضمن هذا المخطط قامت الحكومة اليسارية بداية نوفمبر بإرسال 200 من ضباط الشرطة والدرك لتعزيز الأمن في مرسيليا.
الأنشطة الثقافية لمحاربة الانحراف
نورو من جزر القمر تحاول هي الأخرى مساعدة شباب حيها وأخذهم إلى الطريق الصحيح، حيث قامت باستأجار سكن وسط حي " فيليكس بيات " ليكون مركزا لجمعيتها " Pepse". وتريد نورو من خلال هذه الجمعية مساعدة الشباب في العثور على عمل، وتريد الناشطة الاجتماعية كسب مودة الشباب وجذبهم : " عبر الأنشطة الثقافية مثل الموسيقى والرقص والرياضة، لأنها تبقى في كثير من الأحيان المنفذ الوحيد لهم للتعبيرعن آلامهم في الحي"cité"، وهناك العديد من الشباب الذين تقطعت بهم السبل في عالم المخدرات ويرغبون في الخروج من هناك."
كل هذا يؤكد على أن مرسيليا، أقدم مدينة في فرنسا، تمر بمرحلة انتقالية مهمة،تسعى من خلالها إلى حل مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية لتصبح زهرة جنوب فرنسا الثقافية.