مبادرة جنيف تتوجه إلى الإسرائيليين فتثير غضب الفلسطينيين
١٩ سبتمبر ٢٠١٠لطالما وجه المسؤولون الفلسطينيون والإسرائيليون، الواحد للآخر اتهاما بأنه ليس شريكا للسلام. وهو اتهام يحمل تلميحا وتصريحا بأن الطرف الآخر غير مؤهل وغير مستعد لصنع السلام. من هنا جاء مصطلح الشراكة كأساس لحملة دعائية سياسية فلسطينية، تبنتها مبادرة جنيف، وهي مجموعة مشتركة يرأسها فلسطينيا أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه وإسرائيليا رئيس حزب ميرتس اليساري، يوسي بيلين؛ وهي قامت بأنشطة مشتركة، سعيا لتعميم فكرة السلام والحل بين الطرفين.
ومع انطلاق المفاوضات المباشرة، بعد سنوات طويلة من الخيبة والفشل في العملية السلمية، تبنى أصحاب مبادرة جنيف، فكرة "اختراق الرأي العام الإسرائيلي". بأن يتوجه له القادة الفلسطينيون عبر الإعلام الإسرائيلي، وعبر لافتات في الشوارع، لإقناعه بأن القيادة مستعدة للسلام والشراكة وأن الفرصة الحالية سانحة لتحقيق الحل. وبالرغم من أن تأثير الحملة على الإسرائيليين غير معروف تماما بعد إذ قوبلت بنوع من اللامبالاة في وسائل الإعلام، فإنها أثارت جدلا فلسطينيا داخليا.
نحن شركاؤكم في صنع السلام فهل أنتم مستعدون؟
اختار الفلسطينيون أن يشارك في هذه الحملة، عدد من القادة وهم ياسر عبد ربه، أمين سر تنفيذية المنظمة، وصائب عريقات، رئيس دائرة المفاوضات، وسفيان أبو زايدة، عضو قيادة حركة فتح وجبريل الرجوب عضو مركزية حركة فتح ورئيس جهاز الأمن الوقائي سابقا، ووزير الخارجية رياض المالكي. وفي اللافتات يظهر أيضا إلى جانب المسؤولين السابقين، كل من الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض.
وباستثناء الرئيس عباس ورئيس الوزراء فياض فقد سجل كل مسؤول كلمة مصورة، تدور حول الشراكة في صنع السلام. وقد أرسلت هذه الكلمات لوسائل الإعلام ومواقع الانترنت الإسرائيلية كما تم بثها على موقع مبادرة جنيف على شبكة الانترنت. بدأ ياسر عبد ربه الكلمة بالقول "شالوم .. سلام نحن شركاؤكم، هناك فرصة لصنع السلام، نحن الآن في بداية السلام. توجد فرصة لصنع السلام وإذا مر الوقت وانعدم السلام فالخطر يتصاعد ويهدد كلينا، فهل انتم مستعدون لها؟".
وفي كلمته، التي أثارت جدلا، يقول صائب عريقات "شالوم لكم في إسرائيل.أعرف أننا خذلناكم، أعرف أننا لم نتمكن من توفير السلام خلال السنوات التسع عشرة الماضية. أعرف أن السلام ممكن". وينهي عريقات كلمته مخاطبا الإسرائيليين "أنا شريكك فهل أنت شريكي؟". أما اللواء جبريل الرجوب فيقول "أنا شريككم، هناك فرصة تاريخية لنا ولكم. ولدينا قيادة جادة ومستعدة لصنع السلام على أساس دولتين لشعبين فهل أنتم شركاء؟".
وهكذا تتوالى الدعوات المفتوحة للشراكة في إنجاح المفاوضات، وفي محاولة استعادة الثقة المفقودة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فالمفاوضات وخاصة في كامب ديفيد عام ألفين انتهت إلى فشل قاد إلى الانتفاضة الثانية وما صاحبها من سقوط أكثر من خمسة آلاف فلسطيني وأكثر من ألف إسرائيلي فضلا عن تدمير هائل في الأراضي الفلسطينية.
استنكار فلسطيني لحملة موجهة للإسرائيليين
عدد قليل من الفلسطينيين أيد استئناف المفاوضات مع إسرائيل في ظل المواقف المعلنة من الحكومة الإسرائيلية وخاصة الاعتراف بيهودية إسرائيل، ورفض وقف الاستيطان، وملف القدس. وإن كانت حملة مبادرة جنيف موجهة للرأي العام الإسرائيلي فأنها قوبلت بانتقادات في الشارع الفلسطيني، وظهرت على مواقع الانترنت ردود استنكرت الاعتذار للإسرائيليين. يقول الطالب الجامعي علي اسعيد،" نحن الذين دفعنا ثمن الإجراءات الإسرائيلية، سقط منا الضحايا والشهداء والجرحى ودمرت بيوتنا وصودرت أراضينا لصالح الاستيطان.. ثم نعتذر؟؟ هذا غير معقول".
وترى جميلة الصادق، وهي معلمة مدرسة، أن "التوجه للإسرائيليين بهذه الصورة الضعيفة ومحاولة استدرار عطفهم لن تفيد؛ فهم، أي الإسرائيليين، لا يريدون السلام، بل يسعون إلى تركيعنا". وعلى موقع الفيس بوك، أطلقت مجموعة من الفلسطينيين والفلسطينيات بابا تحت عنوان "هم يعتذرون عن أنفسهم ولا يمثلونني"، وذلك ي إشارة إلى القادة الفلسطينيين الذين ظهروا في الحملة.
وقد سارع رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات إلى الرد على المنتقدين، فنشر بيانا جاء فيه "للأسف الشديد، تم تأويل أقوالي كاعتذار مني باسم الفلسطينيين، إلى الشعب الإسرائيلي، الأمر الذي يتناقض تماما لما عنيته ولما أومن به. إن التأويل والتفسير مغرض ويتناقض تماماً مع منطوق كلامي. كنت أتكلم كمفاوض وقصدت أننا كمفاوضين، فلسطينيين وإسرائيليين على حد سواء، قد خيبنا آمال شعبينا حيث لم نستطع التوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع على الرغم من سنوات المفاوضات الطويلة".
تلقي إسرائيلي فاتر
وبالرغم من أن الحملة مازالت مستمرة ولم تنته فإن ردود الفعل الإسرائيلية حتى الآن دون توقعات أصحاب الحملة. فقد استقبل الإسرائيليون حملة مبادرة جنيف بفتور. ومن متابعة التعليقات في المواقع الالكترونية الإسرائيلية، فهي على قلتها، تمحورت حول ضرورة اقتران الأقوال بالأفعال. ولوحظ من خلال التدقيق في هذه التعليقات أن أهم ما يريده الإسرائيلي هو الأمن. كما لفت بعض المعلقين إلى أن الوضع في الضفة الغربية ينذر بعودة إلى العنف، في إشارة إلى العمليات المسلحة التي نفذتها حركة حماس ضد المستوطنين الإسرائيليين في منطقتي الخليل ورام الله.
كما أن من الملفت أن الإسرائيليين والفلسطينيين، الذين علقوا على هذه الحملة في المواقع الإليكترونية، اتفقوا على نقطة أساسية وهي أن الحل يبدو بعيدا ضمن الظروف الحالية. وإلى أن يتحقق هذا الحل المنشود فإن حملات وأفكارا جديدة ستظهر، سعيا إلى استعادة ثقة مفقودة أو إلى تحريك الرأي العام أو استمالة المعارضين. لكن ما يغير الرأي العام فعلا هو نجاح المفاوضات وهو ما يحتاج إلى أكثر بكثير من الحملات والإعلانات.
عبد الكريم سمارة ـ رام الله
مراجعة: أحمد حسو