متاحف برلين-توثيق للآثار السورية وجولات مجانية للاجئين
١٧ ديسمبر ٢٠١٥أنت لاجئ جديد في ألمانيا ولا تتقن اللغة الألمانية بعد وترغب بزيارة متاحف برلين؟ ليس عليك إلا التسجيل على هذا الإيميل [email protected] ومن ثم التوجه كل يوم أربعاء في الساعة الثالثة بعد الظهر إلى أحد هذه المتاحف: متحف الفن الإسلامي، متحف الشرق الأدنى في متحف بيرغامون، متحف الفن البيزنطي- بوده، متحف التاريخ الألماني. وسيكون دليل متحفي يتكلم العربية في البهو بانتظارك لاصطحابك في جولة لمدة ساعة من الزمن وبالمجان.
في هذه الساعة ستذهب في زيارة إلى أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية: السومرية، والأكدية، والبابلية، والآشورية، والحيثية، والآرامية، لترى بأم عينك بعضاً من أبوابها، كبوابة عشتار وآثار تل حلف. وفي جولة ثانية ستعرج على الحضارة الإسلامية لتشاهد بعض آثارها كقصر المشتى الأموي، وغرفة حلب. ولابد أن الأمر سيعجبك وستذهب في جولة ثالثة للتمتع بالفن البيزنطي وبرؤية واحدة من أكبر مقتنيات العملات المعدنية في العالم. وفي جولة رابعة ستذهب في رحلة لتلمس التاريخ الألماني منذ حوالي 1000 عام وحتى يومنا هذا.
"المتحف لربط التاريخ بالحاضر"
بدأ "متحف الفن الإسلامي" العمل على مشروع "ملتقى- لقاءات في المتحف: اللاجئون كأدلاء في متاحف برلين" قبل ما يقارب الشهر. يقدم المشروع جولات مجانية وباللغة العربية للاجئين السوريين والعراقيين في المتاحف الأربعة. "يقوم بالجولات سوريون وسوريات وشاب عراقي، معظمهم لاجئون، ومن خلفيات أكاديمية مختلفة: فنون، دراسات إسلامية، دراسات آثار، عمارة، تخطيط مدن، السياحة وغيرها"، كما توضح رزان نصر الدين، إحدى مديري المشروع في تصريح خاص بDW عربية.
بعد انتقاء فريق العمل تم إعدادهم وتدريبهم على العمل كأدلاء متاحف. وقبل بضعة أيام انطلق المشروع بشكل فعلي. "نركز على التراث السوري والعراقي والعلاقات التاريخية والثقافية المشتركة بين سوريا والعراق من جهة وألمانيا من جهة أخرى. كما نركز أيضاً على التاريخ الألماني والأزمات التي مرت بها ألمانيا وكيف نهضت من جديد"، حسب ما توضح نصر الدين أكثر عن أبعاد وأهداف المشروع. كما توضح صفحتهم على الفيسبوك عن هدفهم البعيد: "يهدف المشروع إلى خلق علاقة بين الزوار والمتحف: المتحف كمكان للتفاعل وربط التاريخ بالحاضر، مكان ليس فقط للتعمق بالتراث وإنما أيضا مكان للحوار الحضاري والتبادل الثقافي".
تعزيز ثقة اللاجئ بنفسه وأمل بإعادة الإعمار
عن تجربتها بالعمل كدليلة متحفية تقول كفاح علي ديب في تصريح خاص بDW عربية: "أعجبتني فكرة وأهداف المشروع كثيراً، من ناحية تعريف القادمين الجدد بهذه المتاحف، ومن خلال هذه المتاحف تعريف السوريين والعرب على تاريخهم وخلفياتهم الثقافية والتاريخية، وهذا يساهم في زيادة ثقة هؤلاء الوافدين بأنفسهم وكذلك يعزز انتمائهم وهويتهم، هذا بالدرجة الأولى، أما ثانياً، فلأنني مهتمة كثيراً بالآثار، وشغوفة بالمتاحف، وأحب كثيراً أن أنقل هذا الشغف للآخرين".
أما الدليلة المتحفية، ساندي البحري، التي كان نصيبها العمل في متحف التاريخ الألماني، فتقول عن تجربتها في تصريح خاص بDW عربية: "يعجبني في المشروع أنه يعرّف العرب وخصوصا أولاد بلدي السوريين على تاريخ وحضارة ألمانيا، التي تحوي على الكثير من المشتركات مع حضارتنا. كما تشكل تجربة ألمانيا في النهوض وإعادة الإعمار قدوة لنا".
أحبت ساندي العمل لدرجة أنها تفكر جدياً بدراسة هذا التخصص، على حد قولها. أحد الزوار، أيهم طحان، يخصDW عربية بالتصريح ويرى أن الجولة "مكثفة؛ خلال ساعة كان علينا زيارة المتحف فلم تتح لنا الفرصة للتعمق بالمعروضات وخلفياتها". وتوافقه الرأي نصر الدين وتضيف: "استمتع الزوار بالجولات ولكن شعروا أن ساعة لا تكفيهم للتمتع والتأمل بالمقتنيات".
غير أن أيهم أعجبه أن "الجولة تفاعلية وليست باتجاه واحد من الدليل للزائر، بل حدث نقاش وسؤال وجواب". يتحمس أيهم لزيارة "متحف التاريخ الألماني" في جولة قادمة ليعرف "كيف كانت ألمانيا بعد الحرب وكيف أعادت الإعمار، وكيف ممكن أن يفيدنا ذلك بمنحنا الأمل بإعادة إعمار سوريا". لقي المشروع تغطية إعلامية متميزة في وسائل الإعلام الألمانية.
كما لقي المشروع متابعة حثيثة واهتمام من كل من البرفيسور شتيفان فيبر، مدير "متحف الفن الإسلامي"، وكارين بوت، إحدى منسقي مشروع "توثيق الإرث الحضاري السوري" .
التوثيق قاعدة للترميم المستقبلي
انطلق مشروع " توثيق الإرث الحضاري السوري" SyrHer في نوفمبر 2013. وذلك بعد أن طالت نار الحرب وألسنة اللهب ويد المخربين وناهبي الآثار الإرث الإنساني في سوريا. وُصفت سوريا بأنها "متحف في الهواء الطلق" لكثرة ما تحويه من نفائس ومواقع أثرية؛ فهناك ستة مواقع مدرجة على "قائمة التراث العالمي" لمنظمة اليونسكو: دمشق القديمة، حلب القديمة، بصرى، تدمر، قلعة الحصن وقلعة صلاح الدين، المدن المنسية، والتي تقع شمال غرب حلب وتضم مئات المواقع والمدن وتعود بمعظمها للعهدين الروماني والبيزنطي كقلعة سمعان.
وهناك اثني عشر موقعاً على القائمة العالمية المؤقتة. المشروع ثمرة تعاون وجهد مشترك بين "متحف الفن الإسلامي" و"معهد الآثار الألماني"، وبتمويل من وزارة الخارجية الألمانية ضمن برنامج حفظ التراث، وبدعم من "جمعية أصدقاء المتحف الإسلامي". "يُسهّل التوثيق المفصّل للتراث السوري تتبّع التدمير الحالي ويشكّل بذلك قاعدة لأيّة تطلعات للترميم المستقبلي"، كما تقول كارين بوت، إحدى منسقي المشروع في تصريح خاص بDW عربية. يعمل في المشروع مجموعة متميزة من الباحثين والمختصين السوريين والألمان لوضع أول أرشيف شامل للآثار السورية في سوريا نفسها وخارجها.
التراث المشترك ك"همزة وصل"
عما تم إنجازه حتى الآن والخطوات المستقبلية وإلى أين وصل العمل بالمشروع: يشرح عصام بلوز أحد المسؤولين عن المشروع "نعمل حالياً على إنهاء أرشفة موجودات معهد الآثار الألماني ومتاحف برلين. كما سيتم في العام 2016 أرشفة الموجودات في أماكن أخرى من بينها التي في سوريا. ثم سيتم ربط وتبادل البيانات مع المؤسسات السورية(المديرية العامة للآثار والمتاحف) والمبادرات الدولية العاملة في هذا المجال"، كما يقول عصام بلوز، أحد منسقي المشروع، في تصريح خاص بDW عربية.
وبلغة الأرقام تقول بوت: "لقد تمت ليومنا هذا رقمنة وتنسيق أكثر من 100,000 شريحة مصورة (سلايد)، وصورة، ومخطط أو خريطة عن سوريا بشكل ممنهج وموصوف، لتصبح بمتناول الباحثين". كما يقوم فريق العمل ب"مراقبة وتتبع عملية نهب الآثار وسوق القطع الأثرية على الانترنت، ويجمع معلومات عنها في قوائم للقطع المسروقة أو المشتبه بأصولها"، كما تضيف بوت.
ويرى بلوز أن للمشروع هدف أبعد وأكثر عمقاً: "قد تشكل معرفة التراث الحضاري المشترك بين السوريين همزة وصل لا غنى عنها في إطار المصالحة الوطنية".