متشردون سوريون ينتهي بهم المآل بمحطات مترو الأنفاق في برلين!
١٧ فبراير ٢٠١٨كان الجو باردا والثلوج تتساقط والمسافرون على عجلة من أمرهم حينما التقينا باللاجئ السوري أحمد في إحدى محطات مترو الأنفاق في حي كرويتس بيرغ في مدينة برلين. وبدأ الأب لثلاثة أطفال يقص علينا قصة حياته التي يحياها تحت الأرض في محطات مترو الأنفاق. قال ورائحة الكحول تنبعث من فمه: "هنا أقضي يومي مع اصدقائي الذين تعرفت عليهم هنا في أنفاق المترو." معارفه هم ثلة من المتشردين المدمنين على الكحول يقضون يومهم سوية في محطة قطار الأنفاق بعيدا عن البرد القارس والثلوج والأمطار.
قصة قدوم أحمد القادم من دمشق قبل ما يزيد عن السنتين لا تختلف عن قصص بقية السوريين الآخرين كما قال لنا. "جئت إلى ألمانيا فرارا من جحيم الحرب في وطني ومن أجل ضمان حياة أمنة ومستقبل زاهر لي و لعائلتي التي وعدتها بلم الشمل مباشرة عند قدومي لألمانيا."
تحولت حياة الأب السوري رأسا على عقب حينما بات "مدمنا على شرب الكحول"، وقال بأنه فقد غرفته في إحدى مراكز الإيواء الجماعية التي كان يتقاسمها مع شاب سوري آخر الذي لم يعد يطيق السكن معه. التلاسن والعراك مع سكان المبيت كانت هي الأخرى من ضمن الأسباب التي ساهمت في طرد السيد أحمد من البيت . وهكذا تحول أحمد بين عشية وضحاها إلى متشرد في أنفاق المترو.
يعترف الوافد السوري بما اقترفت يداه فيقول و قنينة البيرة في يده يحتسي منها بين الفينة والأخرى:" كنت أعود في ساعات الليل المتأخرة إلى المبيت في حالة سكر وكنت أصرخ وأتنازع مع كل من أعترضه في طريقي دون تفرقة." كانت النتيجة كما يقول أحمد طرده من المبيت وإرساله إلى مسكن للمتشردين حتى لا يكون مصيره الشارع، إلا أن تصرفاته هناك جعل أحمد يفقد سريره ليتحول إلى متشرد في محطات مترو الأنفاق ويعيش حياة على هامش المجتمع.
العودة إلى بر الأمان
يعمل السيد "توبياز هيلم" في منظمة تقدم المساعدة والاستشارة لكل من يرغب في التخلص من الإدمان. تقوم منظمة " شانسي" بالتواصل مع كل من يرغب حقيقة في الامتناع عن الكحول ويقول السيد "هولم" في هذا الشأن:" نحن نقوم من جانبنا بمحاولة افهام المدمن أضرار الكحول التي يشربها، ونقول له بإمكانك الإقلاع عن هذا السم القاتل إن أردت ذلك. " ويضيف السيد "هيلم" الإقلاع الكلي عن الكحول بين عشية وضحاها ليس بالأمر الهين للكثير من المدمنين، لكن لا يوجد أي طريقة آخر للتخلص من السموم المتراكمة في الجسم. ويسترسل المرشد الاجتماعي المختص في حقل الإدمان قائلا:" التحدي الكبير بالنسبة لضحايا الإدمان له عامل نفسي لا تقوم منظمة "شانسي" بالعلاج بل يقتصر عملها على تقديم النصيحة والاستشارة لكن حينما يقرر المدمن على ذلك فتقوم المنظمة بإرساله إلى مصحات خاصة للمدمنين على الكحول حيث يخضعون لحصص علاجية طبية ونفسانية مكثفة ومرهقة.
ويصف السيد "هيلم" ظاهرة تشرد اللاجئين الجدد في مدينة برلين :" نلاحظ أن المتشردين والمدمنين على الكحول القادمين من الدول العربية في محطات المترو في تزايد مقارنة بالسنوات الماضية. لقد باتوا اليوم بارزين في بعض محطات المترو."
نصائح تكللت بالنجاح
وإن كان عمل الإرشاد الاجتماعي مع المتشردين المدمنين على الكحول ليس بالأمر الهين وأن قبول عروض العلاج بقصد التخلص من الإدمان وعيش حياة كريمة يرمى بها غالبا عرض الحائط من قبل الكثير من المتشردين، إلا أن هنالك من تمكن من الخروج من عالم التشرد والإدمان مثل باسل الشاب اليافع البالغ من العمر 26 عاما الذي صمم الخروج من عالم التشرد والادمان. ويقول الشاب الحلبي إنه لم يكن سعيدا بحياة التشرد والنوم في محطات المترو وفي الخلاء. يعود الفضل في ذلك إلى المساعدات والنصائح التي قدمت له من قبل مرشدين اجتماعيين كانوا يزورنه في محطة المترو ويسترسل في كلامه:" عقب النصائح والحديث المطول مع المرشدين الاجتماعيين قررت خوض المعركة ضد الكحول من أجل حياة مريحة والعودة إلى غرفة دافئة والدخول مجددا في برنامج الاندماج الذي تركته بكامله." فإلى جانب الحصص العلاجية الطبية والنفسية التي ما يزال يزورها في إحدى المستشفيات البرلينية، يقصد الشاب الحلبي دروس اللغة بانتظام محققا قفزات إيجابية وغايته كما يقول:" أريد الانتهاء بسرعة من مستوى اللغة المطلوب حتى أدخل سوق العمل من بابه الواسع حتى أعيش حياة كريمة ككل مواطن في هذه البلد." لقد كان باسل سعيدا بخروجه من عالم التشرد. لقد كان في حديثه إلينا يبدى لنا دوما سعادته من النجاة من عالم التشرد والإدمان الذي ينعته:" بأنه الجحيم بعينه:"
باسل يعرف جيدا أن أي احتكاك جديد بأي نوع من أنواع الكحول سيعيده إلى ماضيه التعيس وأن الخروج منه مجددا لن يكون بالمرة أمرا سهلا وهو الذي يعرف مرارة وقسوة هذه التجربة.
الإدمان وفقدان الإقامة
وفي حديثنا مع مكتب التشغيل في حي راينيكن دورف البرليني أفادتنا السيدة الموظفة " رينانتا شفارتس" بأن لديها تجارب مع بعض المتشردين من الوافدين الجدد. وتتابع:" نطلب من هؤلاء التحول إلى شرطة الأجانب من أجل تمديد إقامتهم أو الحصول على هويات صالحة ومجددة. فبدون هوية أو عنوان لا يحصل هؤلاء على مساعدات اجتماعية كبقية الوافدين الجدد من أبناء جلدتهم." وهكذا تحول المتشردون من الوافدين الجدد على غرار أحمد الدمشقي إلى مقيم غير شرعي لا يتمتع بالمساعدات الاجتماعية ولا ببرنامج الاندماج الذي ينتفع به كل لاجئ سوري قدم إلى ألمانيا. وتنصح السيدة "شفارتس" مثل هؤلاء من المتشردين المدمنين على الكحول الاتصال بالمنظمات العاملة في هذا القطاع ثم تضيف: " نقوم بدورنا بربط علاقات بين هؤلاء الأشخاص و المنظمات المعنية للعلاج كما نتواصل مع إدارة مراكز الإيواء لقبول المتشردين السوريين أثناء خضوعهم للعلاج ضد الإدمان."
وإن لم تكن ظاهرة الإدمان والتشرد متفشية بقوة لدى اللاجئين الجدد إلا أن هناك من انزلق في هذا العالم وبات اليوم في حاجة ماسة للمساعدة من أجل الخروج منها من أجل حياة كريمة أرادها غالبية السوريين بعدما وطأت أقدامهم الأراضي الألمانية.
شكري الشابي