مجلس الأمن يدعو سوريا إلى التعاون الكامل دون التلويح بعقوبات
وجه مجلس الأمن رسالة قوية إلى سوريا اثر تبنيه أمس بالإجماع قرارا يطالبها بالتعاون مع التحقيق الذي تجريه الأمم المتحدة في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري والا تعرضت "لإجراءات أخرى" في المستقبل. ورعت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مشروع القرار في أعقاب تقرير أصدرته لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في وقت سابق هذا الشهر جاء فيه أن قوات الأمن السورية وحلفاءها من اللبنانيين دبروا الانفجار الذي قتل فيه الحريري و21 شخصا آخر في بيروت في 14 فبراير/شباط.
وفي غضون ذلك عاد المحقق الدولي عاد القاضي الالماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري الى بيروت لاستكمال مهمته واحيط وصوله بالسرية الشديدة. يذكر أن تقرير لجنة التحقيق الدولية الذي أعده المدعي الألماني اتهم سوريا بعدم التعاون بشكل كامل في التحقيقات وبعدم ذكر الحقيقة كاملة، وذكر أسماء عدد من كبار المسؤولين في الحكومة السورية ضمن المشتبه بهم ومنهم رئيس المخابرات العسكرية السورية اللواء اصف شوكت زوج شقيقة الرئيس السوري بشار الأسد وشقيق الرئيس ماهر الأسد.
ضغط روسي
ولمحاولة التوصل إلى موافقة بالإجماع على القرار في مجلس الأمن وافقت الدول الغربية على حذف الإشارة بصورة محددة إلى العقوبات الاقتصادية والاستعاضة عنها بالنص على احتمال أن يبحث المجلس اتخاذ "إجراءات أخرى" لم يحددها إذا لم تلتزم سوريا. وكانت روسيا والصين والجزائر هددت بالامتناع عن التصويت. وذكر وزير الخارجية الروسي ان التعديلات التي أجريت على نص مشروع القرار حذفت "تهديدات لا ضرورة ولا مبرر لها". وسئل لافروف عما إذا كان الموقف الحالي يشبه سعي مجلس الأمن إلى فرض عقوبات على العراق في التسعينات فدعا الصحفيين إلى عدم المبالغة في "إضفاء لمسة درامية" على الموضوع لكنه قال "نريد ان يعقب هذا القرار تحرك محدد" من جانب سوريا.
ويندرج الموقف الروسي في إطار العلاقات المميزة التي تجمع البلدين، الباحثة ايريس كيمبه من مركز الأبحاث السياسية التطبيقية في ميونخ تقول "إن سوريا تثير اهتمام روسيا سياسيا، فهي من أكثر الدول المستعدة للحاق بقطار الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي، فالشعب السوري يتميز بمستوى تعليمي مرتفع، إضافة إلى وجود طبقة متوسطة واسعة ومستقرة وغياب الهوة بين الأغنياء والفقراء". وعلى الصعيد السياسي توضح كيمبه أن الدور الاستراتيجي لروسيا في المنطقة يرتكز على علاقاتها المميزة مع دمشق، لذلك فإن بسط أمريكا لنفوذها على سوريا سوف يضعف كثيرا من الثقل الروسي. ومضت تقول إن البلدين يجمعهما مواقف مشتركة تخالف المواقف الأمريكية مثل الموقف الرافض للحرب على العراق.
القرار 1636
ويطالب القرار رقم 1636 سوريا بالتعاون "غير المشروط" مع التحقيق الذي تجريه الأمم المتحدة بقيادة ميليس وباحتجاز الأشخاص المشتبه في ضلوعهم في اغتيال الحريري وإتاحة الفرصة للمحققين التابعين للمنظمة الدولية لاستجوابهم. كما يدعو إلى تجميد أصول ومنع سفر المشتبه بهم الذين ستحدد لجنة التحقيق الدولية أو الحكومة اللبنانية أسماءهم. لكن أي عضو في مجلس الأمن يستطيع الاعتراض على أي اسم في مثل هذه القائمة.
كما ينص القرار على أن يمدد المجلس التفويض الممنوح للجنة التحقيق بعد 15 ديسمبر كانون الاول اذا طلب لبنان ذلك. يستند الإجراء الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن تنفيذ أي قرار لمجلس الأمن إجباري بالنسبة لجميع أعضاء المنظمة الدولية ويحدد أسس فرض العقوبات.
استياء سوري
وفي تعليق لها على القرار قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في المجلس "أكدنا مطالبنا العادلة للحكومة السورية.. وأوضحنا ان عدم الوفاء بتلك المطالب سيؤدي إلى عواقب وخيمة من المجتمع الدولي."وقالت ان سوريا عزلت نفسها واتهمتها بالإدلاء ببيانات مخالفة للحقيقة ومساندة الإرهاب والتدخل في المنطقة وبأنها تنتهج "سلوكا يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط". وقال وزير الخارجية البريطاني جاك سترو ان مجلس الأمن انذر سوريا بان
"صبرنا له حدود" وبأن شعب لبنان يستحق مستقبلا أفضل.
من ناحيته نفى وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في الاجتماع أن تكون سوريا لم تتعاون بشكل كامل مع لجنة التحقيق. وقال الشرع في مجلس الأمن ان الواضح لكل من تابع الموضوع ان تعاون سوريا كان كاملا وان التحقيق جرى في ظروف تشبه ما كان سائدا في القرون الوسطى حيث كان المتهم يفترض انه مدان قبل إتباع الإجراءات الواجبة قانونا. وقال الشرع "إن القرار فيه فقرتان لا تمتان بصلة للتحقيق وهو مؤشر واضح إلى أن هدف من سعى لتمرير القرار لم يكن الكشف عن حقيقة جريمة اغتيال الحريري وإنما استهداف سوريا ومواقفها إزاء مسائل تمس حاضر ومستقبل المنطقة". غير أن الشرع أكد على أن سوريا انطلاقا من حرصها على كشف الحقيقة قد اتخذت قرارها بالتعاون التام مع اللجنة الدولية حتى يقام الدليل القاطع على من ارتكب جريمة الاغتيال. جدير بالذكر أن تقرير ميليس اعتبر أن الشرع أدلى بأقوال غير صحيحة حول علاقة بين حكومته واغتيال الحريري.
دويتشه فيله + وكالات