محاربة الفساد في زمن كورونا.. "الشفافية" والعالم العربي؟
٢٦ يناير ٢٠٢٢جاء تقرير منظمة الشفافية الدولية الخاص بمؤشر مدركات الفساد لعام 2021 بما لا تشتهي سفن دول العالم، إذ كانت مخرجاته غير مبشرة بالخير فيما يتعلق بمكافحة الفساد حول العالم.
وذكر التقرير أن معظم بلدان العالم لم تحرز أي تقدم يذكر في خفض مستويات الفساد على مدى العقد الماضي خاصة في ظل جائحة كورونا التي دخلت عامها الثالث، وظهور سلالات متحورة من الفيروس.
وكشف التقرير الذي نُشر على موقع منظمة الشفافية الدولية، أنه "في هذا العام انخفضت درجات 27 دولة إلى أدنى مستوى في تاريخها على مؤشر مدركات الفساد. في هذه الأثناء، تتعرض حقوق الإنسان والديمقراطية للهجوم في سائر أنحاء العالم."
وأضاف التقرير "بشكل عام، يظهر مؤشر مدركات الفساد أن عملية السيطرة على الفساد عانت من الجمود أو ساء حالها في 86 بالمئة من الدول على مدى العقد الماضي."
الأعلى والأدنى
كشف التقرير أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، تراجعت دول بشكل ملحوظ على مؤشر الشفافية بما في ذلك كندا، فيما سجلت دولا أخرى تقدما ملحوظا مثل كوريا الجنوبية وأرمينيا وأنغولا.
واحتلت الدنمارك المرتبة الأولى في مؤشر الشفافية ومكافحة الفساد ثم تلتها نيوزيلندا وفنلندا فيما شملت قائمة الدول العشر الأولى النرويج وسنغافورة والسويد وألمانيا.
وعربيا، كانت دولة الإمارات من بين قائمة تضم أفضل 25 دولة في محاربة الفساد على مستوى العالم إذ احتلت المرتبة الرابعة والعشرين عقب فرنسا وسيشل.
أما عن الدول الأسوأ في محاربة الفساد على مستوى العالم فقد ظلت جنوب السودان وسوريا والصومال في ذيل المؤشر، كما حصلت الدول التي تعصف بها صراعات مسلحة على أدنى الدرجات لا سيما أفغانستان واليمن وليبيا وغينيا الاستوائية.
ألمانيا..المزيد يتعين فعله؟
وكشف التقرير عن أن ألمانيا يتعين عليها القيام بأمور من أجل تعزيز القضاء على الفساد رغم أنها حلت في المرتبة العاشرة بين الدول الأفضل عالميا في محاربة الفساد وتعزيز الشفافية.
وأظهر التقرير أن القطاع العام في ألمانيا حافظ على نفس التقييم للعام الرابع على التوالي وفقا لمؤشر مدركات الفساد السنوي لمنظمة الشفافية، لكن ألمانيا جاءت في مرتبة بعد الدول الاسكندنافية لكنها تقدمت على فرنسا والنمسا.
وفي تعليقه على نتائج المؤشر، قال رئيس فرع المنظمة في ألمانيا، هارتموت بويمر، إن التقرير يكشف "أننا لم نقطع شوطا طويلا في القضاء على الفساد إذ لا يزال هناك بعض القصور".
ليست اسثنناء، ولكن!
ولم تغرد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعيدا عن سرب الفساد إذ لم تمثل المنطقة أي استثناء في هذا الصدد. ولاتزال سوريا واليمن وليبيا في صدارة الدول الأكثر فسادا خلال العام الماضي، بيد أن بعض دول المنطقة حققت تقدما وإن كان ضئيلا في محاربة الفساد.
وأضاف التقرير "لا يزال يُنظر إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أنها شديدة الفساد، مع إحراز تقدم ضئيل في السيطرة على الفساد".
وبشكل عام، حققت الإمارات وقطر "الأداء الأفضل على الصعيد الإقليمي" على مؤشر مكافحة الفساد فيما كانت بلدان لا تزال غارقة في صراعات وأعمال اقتتال مثل سوريا واليمن وليبيا "من بين الأسوأ أداءً."
ويبدو أن الأزمة السياسية الخانقة في لبنان وما تلا ذلك من تفشي الفساد والإفلات من العقاب تمثل ذروته في انفجار مرفأ بيروت عام 2020 قد أثر سلبا على مكافحة الفساد.
وذكر التقرير أن لبنان سجل أدنى مستوى له منذ عام 2012حيث انخفض 5 نقاط منذ ذاك العام، رغم الاحتجاجات العارمة التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة ضد الفساد.
الفساد السياسي؟
وحسب التقرير فإن الفساد السياسي المستشري في بعض بلدان المنطقة لا يزال يعوق مكافحة الفساد والتقدم نحو الديمقراطية، مؤكدا على أن سوء الحكم والسياسات الحكومية "غير الكفؤة" كانت أيضا وراء تباطؤ إجراءات القضاء على الفساد.
وذكر التقرير أن "تونس (التي حصلت على درجة 44 على مؤشر مدركات الفساد) أصبحت مثالاً مؤسفاً على كيفية خسارة المكاسب الديمقراطية."
وسلط التقرير الضوء على تداعيات السياسات الحكومية "غير الكفؤة" على مكافحة الدول العربية للفساد خاصة مع عدم استقرار الوضع السياسي للحكومات وعدم استمرار عملها بشكل يمكنها من تبني سياسات للقضاء على الفساد.
وأضاف التقرير أن الأردن كان مثالا على هذا الأمر، مشيرا "بسبب الفساد السياسي والسياسات الحكومية غير الكفؤة بشكل عام، ظل الأردن عالقاً على نفس الدرجة منذ خمس سنوات. ارتفاع معدل التغييرات في المناصب الحكومية والوزارية - أربع تعديلات وزارية في عام 2021 وحده - جعل مكافحة الفساد صعبة".
المحسوبية آفة الفساد
وحذر التقرير من أن تفشي المحسوبية أو "الواسطة" كما يُطلق عليها في بعض البلدان العربية يعرقل جهود الدول في تعزيز المساواة والقضاء على الفساد.
واستشهد التقرير على فداحة وتأزم ظاهرة "المحسوبية" في العالم العربي بما جاء في مقياس الفساد العالمي 2019 الصادر عن منظمة الشفافية الذي كشف أن "واحداً من كل خمسة مواطنين في الدول العربية دفع رشوة وأكثر من واحد من كل ثلاثة استخدم العلاقات الشخصية لتلقي خدمات عامة أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية."
وكشف التقرير أن العراق ربما يمثل المثال الصارخ على كيف استشرت المحسوبية في أركان الدولة ما يؤدي في نهاية المطاف إلى عرقلة "الجهود المبذولة لتفكيك الفساد الممنهج من قبل نظام حوكمة قائم على تقاسم السلطة أضعفته الطائفية".
واعتبر التقرير أن هذا الأمر أدى إلى تعيين موظفين في مؤسساتهم "بسبب الولاء الطائفي والعلاقات الشخصية وليس على أساس الكفاءة. ومن الطبيعي ألاّ تُظهر مثل تلك المؤسسات مساءلة عامة تذكر وبدلاً من ذلك تكون مدفوعة بالمواقف والقوة السياسية لكل مجموعة."
تأكل الحريات المدنية
ويبدو أن تأكل الحريات المدنية قد ألقى بظلاله على مكافحة الفساد وتعزيز المساءلة خاصة في ظل جائحة كورونا ما أدى إلى صعوبة الحصول على المعلومات والبيانات.
ورأى التقرير أن المغرب ومصر كانا مثالين على استخدام قوانين الطوارئ ضد المعارضة والأصوات المنتقدة لأسلوب مكافحة الوباء في البلدين فضلا عن احتجاز الصحافيين والسياسيين والناشطين وقمع المظاهرات.
حتى الدول الأفضل لم تكن مثالية
وعلى الرغم من تحقيق الإمارات وقطر أداءً جيدا في مكافحة الفساد مقارنة بباقي دول المنطقة، إلا أن سمعة البلدين تضررت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، حسب التقرير.
وأضاف التقرير "كشفت تحقيقات أوراق باندورا عن استخدام حسابات في الملاذات الضريبية الآمنة في العالم من قبل أمير قطر ورئيس الوزراء السابق للبلاد، إلى جانب نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس وزرائها."
الحل يكمن في المساءلة والديمقراطية
وحذر التقرير من الفساد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبح "ممنهجا وبات يضرب جذوراً عميقة سواء في المؤسسات أو في الحياة اليومية".
وإزاء ذلك، شدد على ضرورة اتخاذ خطوات من شأنها "تحرير" البلاد من الفساد لا سيما بهدف تعزيز قيم المساءلة وتدشين عمليات إصلاح حقيقية والعمل على بناء مؤسسات قوية تتمتع بالاستقلالية مع ضرورة احترام الفصل بين السلطات.
محمد فرحان