محاكم دولية تحقق في غزو أوكرانيا- هل يقف بوتين بقفص الاتهام؟
٧ مارس ٢٠٢٢بدأت محكمة العدل الدولية في لاهاي، تلك المحكمة التابعة للأمم المتحدة والمختصة بفض النزاعات بين الدول، في بحث الدعوى التي رفعتها أوكرانيا ضد روسيا، استنادا إلى "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1948.
وتطالب أوكرانيا في الدعوى بتصنيف الهجوم الروسي كجريمة إبادة جماعية، ورفض ادعاء روسيا بتنفيذ القوات الأوكرانية إبادة جماعية ضد الأقلية الروسية.
وبطبيعة الحال، فإن روسيا تنفي ادعاءات أوكرانيا هذه، ومحاموها يعترضون على اختصاص المحكمة في لاهاي؛ بحجة أن روسيا لم تنفذ أي إبادة جماعية، وبالتالي ليست هناك جريمة للمحاكمة عليها ولا اختصاص للمحكمة؛ وبناء عليه يجب رد دعوى أوكرانيا.
الشك في اختصاص المحكمة
أساس الإجراءات أمام محكمة العدل الدولية، هو إجماع الأطراف، أي الدول المتنازعة، على الاعتراف باختصاص المحكمة للنظر في الدعوى. لكن روسيا والولايات المتحدة أيضا، لا تعترفان بالاختصاص العام للمحكمة، وإنما يجب أن توافق في كل حالة دعوى على اختصاص المحكمة أولا، حسب البروفسور كاي أمبوس، خبير قانون العقوبات الدولي. لذلك ليس من المتوقع أن تؤدي جلسة الاستماع بداية الأسبوع القادم إلى نتائج ملموسة لصالح أوكرانيا التي تعرضت للهجوم. لكن المحكمة تلفت النظر إلى المحاكم الدولية، التي ستتناول جرائم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تحقيقات سريعة في الجرائم!
وبجانب محكمة العدل الدولية، هناك إجراءات أمام محكمة دولية أخرى ضد روسيا، حيث بدأ المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية التحقيق فيما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو غيره من كبار قادة الكرملين مسؤولين عن جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية محتملة في أوكرانيا. وهذه المحكمة تسهر على تطبيق القانون الدولي وتحديد ذنب ومسؤولية الفرد، لكنها لا تصدر أحكاما قضائية على غرار محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بتصرفات الدول، حيث تنظر في دعاوى ضد أفراد وليس دول. المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، صرح يوم الخميس (الثالث من مارس/ آذار 2022) قائلا "أنا متفائل جدا بأننا سنثبت بشكل ذي مصداقية أنه تم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا".
أما خبير قانون العقوبات الدولي في جامعة غوتينغن الألمانية، كاي أمبوس، فيرى أن الأمور تسير بسرعة جدا، ويقول لـ DW "إنه أمر غير معتاد. لم نر مثل هذا من قبل، فمنذ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، لم نر أن المدعي العام يتحرك دون إشراك مجلس الأمن الدولي!"
38 دولة تشارك في الدعوى
وقد اكتسب عمل المدعي العام كريم خان، زخما كبيرا بحصوله على دعم رسمي من 38 دولة بقيادة بريطانيا. وترى وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، أنه من خلال ذلك يمكن إجراء تحقيقات شاملة فورا، ولا حاجة لفحص ما يسمى بـ "الدائرة التمهيدية" المكونة من ثلاثة قضاة. وأضافت تروس بأن التحقيق في "الأعمال البربرية لروسيا ضروري ويجب محاكمة المسؤولين عنها". ومن بين الدول الـ 38 التي تدعم تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية، ألمانيا وكل دول الاتحاد الأوروبي تقريبا بالإضافة إلى كندا ونيوزيلندا وكوستاريكا.
روسيا لن تتعاون مع المحكمة
ويرى البروفسور كاي أمبوس، أنه سيكون من الأفضل أن تعلن الدول تضامنها مع المحكمة الدولية ومحققها في الوضع الراهن، ويقول لـ DW "إنه (المدعي العام) يستطيع التحقيق بحكم منصبه، لكن بالطيع سيتمتع بالمزيد من الشرعية إذا أشارت دول أخرى إلى الوضع في أوكرانيا". لكن ستكون هناك مشكلة فيما يتعلق بالمحاكمة، وهي أن روسيا لم توقع على المعاهدة الخاصة بإنشاء المحكمة، أي نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وروسيا مثل الصين "عدو" لهذه المحكمة، يقول أمبوس، ويضيف "فقط الدول الموقعة على المعاهدة ملزمة بالتعاون مع المحكمة، وهذا لا يشمل روسيا". أوكرانيا أيضا لم توقع على المعاهدة، لكنها أعلنت عن التزامها وقبولها بحكم قضاة المحكمة مهما كان.
بوتين مدعى عليه؟
لكن هل سيقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام المحكمة كمدعى عليه في حال السير في إجراءات المحاكمة؟ "هذا ليس مستبعدا تماما. لكن ليس من المحتمل أن يضطر السيد بوتين للمثول أمام المحكمة"، يجيب البروفسور كاي أمبوس. والحكام على غرار بوتين يموتون على الأغلب وهم في السلطة، ولذلك لن يُسلم للمحكمة. هناك إمكانية واحدة لذلك، وهي إسقاط بوتين من قبل المعارضة. حينها يمكن للحكومة الجديدة في موسكو أن تسلم الرئيس المخلوع للمحكمة في لاهاي. وهنا نشير إلى ما حصل للرئيس السوداني المخلوع عمر حسن البشير الذي وافقت الحكومة الجديدة على تسليمه للمحكمة، لكنه لم يسلم بعد. "لا نستطيع التنبؤ بكيفية تطور تاريخ العالم. ويجب أن يكون المرء متفائلا" يقول أمبوس لـ DW.
دعاوى أخرى ضد روسيا ممكنة
وخلال السير في التحقيقات وإجراءات المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، يمكن إصدار مذكرة توقيف دولية بحق بوتين ومشتبه بهم آخرين، حيث يمكن إلقاء القبض عليهم خلال سفرهم إلى الدول الموقعة على المعاهدة الخاصة بالمحكمة (نظام روما الأساسي). كما يمكن للمدعي العام في بعض البلدان التحقيق، كما حصل في ليتوانيا الخميس الماضي.
وفي ألمانيا أيضا يمكن فتح مثل هذا التحقيق وإجراء محاكمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ففي يناير/ كانون الثاني الماضي، أدانت محكمة كوبلنز ضابط مخابرات سوري سابق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا، وهو أول حكم من نوعه في العالم يتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سوريا.
ومثل هذه المحاكمة التي تستند إلى مبدأ "الاختصاص الدولي" يمكن إجراؤها ضد روس أيضا شاركوا في حرب أوكرانيا. ويمكن لكل شخص تقديم شكوى للمدعي العام بهذا الخصوص. كذلك يمكن تقديم شكوى ضد روسيا لدى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في ستراسبوغ أيضا.
الأمم المتحدة أنشأت من قبل محكمة خاصة بجرائم الحرب التي ارتكبت في يوغسلافيا السابقة، لكن السعي إلى إنشاء محكمة مثل هذه خاصة بروسيا لن ينجح بسبب تمتع روسيا بحق النقض- الفيتو في مجلس الأمن الدولي.
برند ريغرت/ عارف جابو