محطات في حياة البابا بنديكت السادس عشر
٢٣ سبتمبر ٢٠١١ولد البابا بنديكت السادس عشر باسم يوزيف راتسينغر في 16 ابريل/نيسان من عام 1927 في بلدة صغيرة تدعى ماركتل بالقرب من نهر إن في ولاية بافاريا المشهورة بتدين سكانها. وفي سن 14 عاما انضم يوزيف راتسينغر كغيره من الشباب الألمان إلى منظمة شباب هتلر، كما كان متبعا في ذلك الوقت. وتوقف راتسينغر خلال الحرب العالمية الثانية عن دراسته عندما تم تجنيده في وحدة مضادة للطائرات في مدينة ميونخ. ثم خرج من الجيش الألماني قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، وأُسر على يد الحلفاء في عام 1945. جدير بالذكر أن والده كان ضابط شرطة، وفضل الاستقالة من منصبه في عام 1937 بدلا من الاضطرار إلى الانضمام إلى الحزب النازي.
أصبح راتسينغر أستاذا جامعيا لللاهوت ولم يتجاوز عمره الواحدة والثلاثين. وتم تعيينه رئيسا لأساقفة ميونيخ وفريسينغ في عام 1977 إلى أن تمت ترقيته ليصبحا كاردينال بعد بضعة أشهر. وسرعان ما اكتسب راتسينغر ثقة البابا يوحنا بولس الثاني الذي بدأ عهده في عام 1978، فعينه الأخير محافظا لمجمع عقيدة الإيمان في عام 1981، مما جعله حارس العقيدة الكاثولكية، والكاردينال الأكثر نفوذا في كنيستها.
وسرعان ما ذاع صيت راتسينغر بسبب نهجه اللاهوتي المحافظ، فقد وصفته الصحافة الإيطالية بأنه "الكاردينال الدبّابة" أو "روتفايلر السماء" في إشارة إلى كلاب الحراسة الألمانية من فصيلة روتفايلر، وذلك لمواقفه المتشددة وسائل منع الحمل وبشأن المثليين جنسيا وتولي النساء الكهنوت.
صدمة للحوار بين الأديان
وإثر انتخابه بابا للفاتيكان في عام 2005 شدد بنديكت السادس عشر فورا على أهمية المصالحة والحوار بين الأديان. لكنه تسبب في كارثة إعلامية بعدها بوقت قصير، فخلال زيارة خاصة قام بها إلى ألمانيا في عام 2006 ألقى محاضرة في جامعة مدينة ريغنسبورغ في ولاية بافاريا، مسقط رأسه، حيث درس اللاهوت. وفيها استشهد بكلمة من امبراطور بيزنطي عاش في القرن الرابع عشر قال فيها إن النبي محمد لم يجلب للعالم إلا أشياء "شريرة ولا إنسانية".
وقال الاقتباس كما جاء في الترجمة الانكليزية التي نشرها الفاتيكان في وقت لاحق: "فقط أرني ما أتى به محمد من جديد، عندها لن تجد سوى أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي بشّر به بالسيف".
واعتبرت شخصيات إسلامية كثيرة من مختلف أنحاء العالم هذا الاقتباس إهانة وسوء توصيف للإسلام. وكان رد فعل المتحدث باسم البابا القول إن البابا أُسيء فهمه، وإنه يحترم الإسلام لكنه يرفض في الوقت نفسه العنف بدافع الدين.
جدل حول موقف البابا من مُنكِر للهولوكوست
جدل آخر تسبب فيه البابا في عام 2009 عندما أثار عاصفة من الانتقادات بعد قراره إلغاء الحرمان الكنسي عن أربعة أساقفة من أخوية القديس بيوس العاشر المحافظة المتطرفة، بما في ذلك الأسقف ريتشارد وليامسون ، وهو بريطاني الجنسية. وكان وليامسون قد سبق وأنكر وجود غرف الغاز النازية، وقال إنه يعتقد أنه لم يُقتل أكثر من 300 ألف يهودي في المحرقة بدلا من الرقم المسلم به وهو 6 ملايين نسمة.
وثار غضب زعماء يهود بسبب هذه التصريحات، وانضمت لهم المستشارة انجيلا ميركل التي طالبت الفاتيكان بتقديم توضيحات. البابا بنديكت السادس عشر في المقابل جدد "تضامنه" مع اليهود وإدانته للمحرقة ، قائلا إن "أي إنكار أو تقليل من هذه الجريمة البشعة لا يمكن قبوله"، خصوصا إذا جاء من رجل دين.
بعدها اعتذر الأسقف ويليامسون للبابا وللكنيسة ولمن أسماهم بـ "الناجين وأقارب ضحايا الظلم تحت حكم الرايخ الثالث"، لكنه لم يتنصل من ملاحظاته، الأمر الذي حدا بالفاتيكان لاعتبار اعتذاره غير كافٍ.
فضائح الاعتداء الجنسي تخيم على الكنيسة
في السنوات الأخيرة شكلت تقارير الاعتداء الجنسي على الأطفال من قبل قساوسة خطرا كبيرا على سمعة الكنيسة الكاثوليكية، فقد أقام الآلاف في ألمانيا وإيرلندا والولايات المتحدة وأماكن أخرى دعاوى قضائية ضد رجال دين، وقدموا تقارير مفصلة عن حالات الاعتداء التي قالوا إنهم تعرضوا لها.
كانت الاتهامات الأكثر إضرارا بالكنيسة هي أن الابرشيات المحلية، بل والفاتيكان نفسه، متواطئون في التعتيم على كثير من الحالات. غير أن الفاتيكان أدان الاعتداء الجنسي ، واعترف بوجود "إخفاقات خطيرة" شابت تعامله مع المسألة، على سبيل المثال في أيرلندا.
وقد التقى البابا بنديكت السادس عشر بالضحايا وأصدر اعتذارا غير مسبوق لهم، ووعد باتخاذ خطوات عملية ، وأوضح للأساقفة أنه يجب التبليغ عن حالات الاعتداء إلى السلطات المحلية.
أفكار جديدة
على الرغم من الجدل الذي يحيط بولايته البابوية، فإن بنديكت السادس عشر يفاجئ أتباعه في بعض الأحيان بأفكار جديدة، إذ قال البابا في إحدى المقابلات المنشورة في كتاب خرج إلى النور في نوفمبر/تشرين ثاني 2010 "قد يكون هناك أساس من الصحة في استخدام الواقي الذكري في بعض الحالات، كما هو الحال عند الذكور الذين يعملون بالدعارة، حيث يمكن أن يشكل هذا خطوةً أولى في اتجاه العودة إلى الأخلاق، وهو الإشارة الأولى لتحمل المسؤولية".
وبدا لنشطاء مكافحة الإيدز أن هناك تحولا كبيرا في مواقف البابا، ولكن الفاتيكان سارع إلى توضيح أن البابا لا يقصد بذلك تحولا في تعاليم الكنيسة، وشدد على أن البابا لم يكن يقصد التغاضي عن موقف الكنيسة من وسائل منع الحمل، وإنما توضيح أنه في سياق محدد وهو الدعارة فإن استخدام الواقي الذكري يمكن أن يكون "الخطوة الأولى في احترام حياة أخرى".
جدل سبق زيارة البابا إلى ألمانيا
ويقوم حاليا البابا بنديكت السادس عشر بزيارته الرسمية الأولى إلى ألمانيا في الفترة من 22-25 سبتمبر/ايلول. وتضمنت الرحلة إلقاء خطبة أمام البرلمان (البوندستاغ) في برلين. وقد أثار ذلك جدلا ساخنا في ألمانيا التي تعتمد مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة.
رينا غولدنبرغ/هيثم عبد العظيم
مراجعة: سمر كرم