مخاوف من استغلال الأسد للمساعدات للسيطرة على مناطق المعارضة
١٤ يوليو ٢٠٢٣يخشى سوريون فروا من حكم بشار الأسد من أن الرئيس السوري قد يتمكن قريباً من منع المساعدات التي يحتاجون إليها بشدة، حيث تتحرك دمشق لفرض سيطرتها على عمليات دخول مساعدات الأمم المتحدة إلى شمال غرب البلاد، آخر المعاقل الرئيسية في قبضة المعارضة.
وكانت سوريا قد أعلنت مساء الخميس (13 تموز/ يوليو 2023) أنّها ستسمح للأمم المتحدة بأن تستخدم خلال فترة مدّتها ستّة أشهر، و"بالتعاون" مع دمشق، معبر باب الهوى الحدودي المُغلق منذ الاثنين بعد انتهاء مفاعيل آليّة إدخال المساعدات عبره، بحسب ما قال المندوب السوري لدى المنظّمة الدوليّة بسّام صباغ للصحافة.
دخول المساعدات.. بشروط الأسد الخاصة!
وفشل مجلس الأمن الدولي الثلاثاء في الاتّفاق على تمديد آليّة إدخال المساعدات من تركيا إلى سوريا عبر معبر باب الهوى، جرّاء استخدام موسكو، أبرز داعمي دمشق، حقّها في النقض (الفيتو) لمنع صدور قرار يُمدّد العمل بهذه الآليّة لتسعة أشهر.
واستفاد الأسد من خلاف في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على عمليات المساعدات، بعد الفيتو الروسي، الأمر الذي مهد الطريق أمام دمشق للموافقة بنفسها على دخول المساعدات، ولكن بشروطها الخاصة.
وقال موظفو المساعدات إن مستقبل واحدة من أكبر العمليات الإنسانية في العالم محاط بالشكوك، إذ تثير مطالبات دمشق "بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الحكومة السورية" مخاوف من تعقيدات ضخمة تعطل عملهم.
وفي هذا السياق قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "نتشاور مع شركاء مختلفين. ونبحث في الشروط الواردة في الرسالة" من السلطات السورية. وأكد دوجاريك إنه "يجب درس هذه الأمور بعناية"، مشيرا إلى أنّ "المبادئ التي نسترشد بها في سوريا وفي كل مكان آخر هي التزامنا بإيصال المساعدات الإنسانية على أساس المبادئ الإنسانية المتمثلة في عدم التدخّل والحياد وما إلى ذلك. هذه هي الطريقة الوحيدة لإيصال المساعدات الإنسانية".
ويعيش في شمال غرب البلاد 4.5 مليون شخص، نزح منهم 2.9 مليون خلال الصراع الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف منذ اندلاعه إثر احتجاجات مناهضة للحكومة قوبلت باستخدام القوة المميتة. وتقول الأمم المتحدة إن نحو مليوني شخص يعيشون في مخيمات.
فرصة لبسط النفوذ؟
ولطالما نسقت منظمات غير حكومية ودول بمفردها إرسال قوافل مساعدات من طرف واحد إلى الشمال الغربي. لكن منظمات الأمم المتحدة لن تجتاز المعبر من دون موافقة الحكومة السورية أو مجلس الأمن. ولم يوافق المجلس يوم الاثنين على إرسال المساعدات، إذ واجهت الدول الأعضاء صعوبة في إقناع روسيا بتمديد عملية إرسال المساعدات لأكثر من ستة أشهر.
عندئذ أبدت دمشق موافقتها على استمرار دخول المساعدات من تركيا من خلال معبر باب الهوى لستة أشهر. ولطالما رفضت دمشق العملية بوصفها انتهاكا لسيادتها، قائلة إن المساعدات ينبغي توصيلها من داخل سوريا.
وبالنسبة للأسد، يشكل هذا أحدث حلقة في سلسلة من التطورات التي صبت في مصلحته على الساحة الدولية، بعد عودته لجامعة الدول العربية
ويُنظر إلى هذا التحرك على أنه يتيح للأسد مصدرا محتملا للنفوذ مع دول الغرب التي تمول المساعدات إلى حد كبير ويمنحه أداة لممارسة الضغوط على منطقة معارضة تسيطر عليها جماعات مسلحة قاتلت للإطاحة به.
"السيناريو الأسوأ"
قال عبد السلام ضيف، كبير المستشارين الاستراتيجيين في منظمة سوريا للإغاثة والتنمية التي مقرها الولايات المتحدة "هذا هو السيناريو الأسوأ". وأضاف "إذا أصبح هذا في يد النظام، فعندئذ قد يكون للنظام أن يوقفه في أي وقت. إنه يحاول محو كل ما تم بناؤه على مدى السنوات العشر الماضية والاستيلاء عليه".
ولم ترد الحكومة السورية على الفور على طلب من رويترز للتعليق على المخاوف التي أثيرت. لكن سوريا قالت في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أعلنت فيها قرارها، إنها تريد تحسين "الظروف الإنسانية والمعيشية لجميع السوريين" وتسهيل وصول المساعدات.
كما نصت الرسالة على منع موظفي الأمم المتحدة من الاتصال مع "المنظمات والجماعات الإرهابية والكيانات الإدارية غير الشرعية التابعة لها". وشمل ذلك حكومة معارضة تابعة لـ"هيئة تحرير الشام" النصرة سابقا. وصنفت الأمم المتحدة هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية.
تأويل شديد المطاطية لتهمة الإرهاب
لكن عدم الوضوح في الرسالة حول ما يُعتبر منظمة إرهابية هو أحد مصادر قلق عمال الإغاثة.
ووصفت دمشق إلى حد كبير أي شخص يحاربها بأنه إرهابي وطبقت هذا المفهوم أيضاً على المنظمات الأخرى العاملة في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، مثل عمال الإنقاذ.
وقالت شيرين إبراهيم، مديرة منظمة كير في تركيا التي تعمل على توصيل المساعدات عبر الحدود "استنادا إلى الأمثلة السابقة... نحن قلقون من كيفية تأويل هذا". وأضافت "نشعر بقلق عميق إزاء تداعيات عدم تجديد آلية المساعدة عبر الحدود"، وأن التأثير الكامل سيتبين في الأسابيع المقبلة.
وقالت الرسالة السورية إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري سيُسمح لهما بتوزيع المساعدات في شمال غرب البلاد.
ويضيف هذا أيضاً المزيد من العراقيل. فقد رفضت هيئة تحرير الشام التعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري في عروض مساعدات سابقة، وتحديدا في أعقاب زلزال فبراير/شباط.
وقالت المستشارة الإعلامية للجنة الدولية للصليب الأحمر جيسيكا موسان لرويترز إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر لا تقدم مساعدات عبر الحدود في سوريا برعاية الأمم المتحدة، لكنها "مستعدة لتقديم الدعم بطرق في حدود قدراتنا وبالتنسيق مع جميع الجهات الفاعلة على الأرض".
ع.ح./ع.ج.م. (رويترز، أ ف ب)