مساع أوروبية-أمريكية لاستهداف التجارة والتكنولوجيا الروسية
١٧ مايو ٢٠٢٢تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، طغت على الاجتماع الثاني لمجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي عُقد في باريس الاثنين (16 مايو/ أيار).
وجاء ذلك جليا في البيان الختامي الذي صدر عقب الاجتماع؛ إذ تمت الإشارة إلى روسيا عدة مرات، ما سلط الضوء على تعزيز التعاون الأوروبي-الأمريكي في تنسيق ضوابط التصدير والعقوبات ضد الدب الروسي؛ ردا على توغله العسكري في أوكرانيا أواخر فبراير/ شباط الماضي.
وتعليقا على ذلك، قال مسؤول كبير بالمفوضية الأوروبية شارك في المفاوضات "كان لدينا هيكل خاص بالمجلس وجرت الكثير من الاتصالات وعمل الأعضاء في مجموعات عمل أوروبية وأمريكية معا منذ غزو روسيا لأوكرانيا". وأضاف أنه في ضوء ذلك "بات من السهل علينا تغيير المسار ومن ثم المساعدة في استهداف التجارة والتكنولوجيا الروسية".
وذكر البيان الختامي للاجتماع في باريس أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "يخططان لتعزيز التعاون المشترك وتبادل المعلومات حول التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج وأيضا ضوابط التصدير".
ويدل الاسم الذي يُطلق على السلع ذات الاستخدام المزدوج، على أنها منتجات وبضائع يمكن أن تدخل في صناعات عسكرية وسلمية على حد سواء، مثل النظام العالمي لتحديد المواقع "جي بي إس" والرقائق الدقيقة والمكونات الإلكترونية والبرمجيات وتكنولوجيا الطيران وبعض المواد الكيميائية والبيولوجية.
وتهدف الضوابط الجديدة إلى فرض قيود على الشركات التي تبيع منتجات لروسيا، قد تدخل في نطاق السلع ذات الاستخدام المزدوج وأيضا تقييد حصول روسيا على التكنولوجيا المتقدمة التي تدخل في صناعة الطائرات المسيرة وبرامج التشفير وأشباه الموصلات وغيرها من مجالات تصنيع الإلكترونيات.
"الحرب غيرت العالم"
ويشير العزم الأوروبي-الأمريكي في تقليص القدرات العسكرية والصناعية لروسيا إلى التغيير الذي طرأ على مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ الاجتماع الأول في ولاية بنسيلفانيا الأمريكية في سبتمبر/ أيلول الماضي.
ففي حينه، طغى على اجتماع بنسيلفانيا، الخلاف الدبلوماسي بين فرنسا من جهة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة من جهة أخرى بسبب صفقة الغواصات الفرنسية التي تراجعت عنها أستراليا لصالح صفقة أخرى لشراء غواصات أمريكية في إطار شراكة استراتيجيّة بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا.
بيد أنه خلال الاجتماع الثاني والذي استضافته باريس أمس الاثنين، استطاعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توحيد الصفوف لعزل وإبعاد روسيا عن الاقتصاد العالمي وتعزيز التعاون المشترك في كافة المجالات المتعلقة بصناعة الرقائق الإلكترونية. وفي ذلك، قالت مارغريت فيستاغر، نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية والمسؤولة عن الأجندة الرقمية في التكتل، إن الحرب "قد غيرت ليست فقط أوروبا وإنما العالم" أيضا.
وفي مقابلة مع DW، أضافت فيستاغر- التي مثلت التكتل في رئاسة مباحثات باريس - أن حالة عدم الاستقرار العالمي جراء الصراع في أوكرانيا قد طغت على القضايا العالقة بين الجانبين.
وقالت "هناك قضايا أكبر في حاجة إلى التطرق إليها ومناقشتها، خاصة وأن مهمتنا الرئيسية في ضوء الأوضاع السياسية غير المستقرة في الوقت الراهن تتمثل في التأكيد على بقائنا أقوياء والانخراط في العمل بشكل وثيق مع شركاء متشابهين في التفكير أكثر بوتيرة أفضل من السابق".
محاربة الدعاية الروسية
وتشير المسؤولة الأوروبية في حديثها مع DW إلى تعزيز التنسيق داخل المجلس في قضايا محاربة التلاعب بالمعلومات وصد الدعاية الروسية ومنع أي محاولة روسية للتدخل بما في ذلك حملات التضليل الروسية في بلدان خارج الولايات المتحدة والتكتل الأوروبي بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي هذا السياق، قالت فيستاغر إنه من اللافت للنظر "أن التوافق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد وصل إلى درجة غير مسبوقة بشأن العقوبات على وسائل إعلام حكومية روسية مثل (قناة) RT (روسيا اليوم) ووكالة سبوتنيك باعتبارها أدوات حرب وآلة دعاية". وأضافت أن المواءمة تتزايد عندما يتعلق الأمر بالمنصات عبر الإنترنت بسبب وجود احترام كبير لما يقرره المشرعون في النظم الديمقراطية حيال قانونية ما ينشر أو ما يرونه يحد من حرية التعبير.
يشار إلى أن فيستاغر قد لعبت دورا بارزا في الخروج بتشريعات تاريخية في الاتحاد الأوروبي من شأنها أن ترغم فيسبوك ويوتيوب وغيرهما من منصات التواصل الاجتماعي على مكافحة المعلومات المضللة والكشف عن الكيفية التي يتم بها تضخيم المحتوى المثير للانقسام، وإجبار منصات التواصل على حذف خطاب الكراهية والمحتوى الذي يحرض على العنف.
ويقول المسؤولون في التكتل الأوروبي إن مثل هذه الأمور تعد ضرورية لحماية الحقوق الأساسية لمواطني التكتل الأوروبي، وهي قضية أثارت قلق الولايات المتحدة، التي دعت إلى نهج لا يرمي إلى التدخل في محتوى المنصات حيث حذرت من تداعيات ذلك على الابتكار.
وفي ردها، قالت فيستاغر إن هذه القضية حساسة، لكننا "لا نريد منع حرية التعبير بل إننا في حاجة إلىتحديد الدعاية الروسية واتخاذ إجراءات ضدها. وهذا الأمر يمثل تحديا نرغب في مناقشته، ليس فقط داخل بلدان الاتحاد الأوروبي وإنما أيضا مع الجانب الأمريكي".
وفي ذلك، قال البيان الختامي "ندرك الطابع العالمي الخاص بعمل هذه المنصات ونهدف إلى التعاون في تطبيق سياساتنا الخاصة لضمان بيئة آمنة وعادلة ومنفتحة على الإنترنت".
وبعيدا عن القضايا المتعلقة بالدعاية الروسية، قال البيان إن المجلس يهدف إلى "مكافحة التهديدات السيبرانية وقمع الحريات، خاصة أنه تجرى إساءة استخدام التكنولوجيا في ارتكاب انتهاكات وتجاوزات في مجال حقوق الإنسان وقمع وتعريض أمن دول أخرى للخطر".
نقص أشباه الموصلات .."الإنذار المبكر"
وتطرق البيان الختامي إلى أزمة نقص ما يعرف بأشباه الموصلات أو الرقائق الإلكترونية، التي تعد ركيزة الصناعات، من صناعة الهواتف الذكية وحتى السيارات، حيث أدت الحرب في أوكرانيا إلى تعطيل خطوط الإمداد الخاصة بالمواد الخام مثل البلاتين والبلاديوم والنيون، التي تعد ضرورية لإنتاج الرقائق الدقيقة.
بدوره، قال المفوض الأوروبي لشؤون السوق الداخلية، تيري بريتون، خلال اجتماع باريس إن "التعاون عبر الأطلسي في سلاسل التوريد والتقنيات الرقمية بات أمرا بالغ الأهمية للدفاع عن مصالحنا وقيمنا المشتركة".
ماذا عن الصين؟
ورغم الجدل حيال الصين، إلا أن تركيز المباحثات كان منصبا على الغزو الروسي لأوكرانيا؛ إذ لم يشر البيان الختامي إلى القضايا العالقة مع بكين.
بيد أن الكثير من مبادرات المجلس الخاصة بآلية فحص الاستثمار والتحديات التجارية وسلاسل توريد أشباه الموصلات، كانت مبدئيا موجهة إلى الصين التي لا تزال اللاعب المسيطر على صناعة أشباه الموصلات.
قيام الشركات الصينية، خلال السنوات الأخيرة، بشراء شركات الرقائق في جميع أنحاء العالم،أثار المخاوف حيال قرب هيمنة بكين على هذه الصناعة ما يعطيها ميزة استراتيجية على الساحة الدولية.
ومع رغبة البلدان الأوروبية في المضي قدما في التحول الأخضر والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، تبرز أهمية بكين، فالتنين الصيني يسيطر على سلاسل توريد خاصة بالطاقة المتجددة المتمثلة فى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وأيضا البطاريات الكهربائية.
وعلى خلاف الولايات المتحدة، شدد مسؤولو الاتحاد الأوروبي على ضرورة أن يعمل مجلس التجارة والتكنولوجيا المشترك في المقام الأول على تعزيز التعاون بدلا من استهداف دولة معينة.
وفي ذلك، قالت فيستاغر "لا أعتقد أنه ينبغي أن يكون هذا المجلس كيانا مناهضا للصين. نسعى إلى تعزيز العلاقة الدقيقة مع الصين باعتبارها ليس فقط قوة تنافسية اقتصادية وإنما شريكا، على سبيل المثال في قضية مكافحة تغير المناخ".
---
سونيا فالينكار / م ع