مستقبل مصر السياسي من منظور مصريي ألمانيا
٢٦ ديسمبر ٢٠١٠قد يعتقد البعض أن المصريين في ألمانيا لا يهتمون بالمناخ السياسي في مصر، حيث نادراً ما يسمع أحد لهم صوتا في وسائل الإعلام. ولكن الواقع غير ذلك، إذ أن لديهم ارتباطا عاطفيا قويا بالوطن الأم. والكثير منهم يرى أن مصر تعيش شهوراً فاصلة ستحدد ملامح مستقبلها السياسي، بما أن الانتخابات الرئاسية على الأبواب، والحزب الحاكم سيطر على أغلب المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً.
المصريون في ألمانيا وفي الخارج بشكل عام ينظر إليهم على أنهم "قوة انتخابية مُعطلة"، لأن حق التصويت الانتخابي خارج مصر غير فعال، ولا يتم تفعيله إلا إذا تواجدوا داخل البلاد. وبالرغم من أن هذا الحق ،الذي يكفله الدستور، مُعطل، إلا أن بعضهم قرر الخروج عن صمته للتعبير عما يدور في داخله من مخاوف بشأن مستقبل البلاد السياسي.
في أي اتجاه تسير مصر سياسياً؟
تباينت آراء المصريين المقيمين في ألمانيا حول النظام الحالي في مصر. فقد تذبذبت هذه الآراء ما بين مدافع عنه (النظام) ورافض له أملا في حدوث تغيير سياسي؛ وفريق ثالث تقبل الواقع الذي يفرض نفسه بقوة الأجهزة الأمنية . ناصر السنوسي مهاجر يعيش في برلين يقول: "كل الشواهد تقول إن النظام الحالي سوف يستمر، فالواقع يُرينا أن قبضة النظام مُحكمة".
أما خالد طوبار، وهو روائي مصري، قدم إلى ألمانيا في منتصف التسعينات من القرن الماضي، فيعبر عن عدم تفاؤله بالإخوان المسلمين وبجمال نجل الرئيس مبارك، وحتى بمبارك نفسه. أما بالنسبة لمحاولات رئيس الجمعية الوطنية للتغيير محمد البرادعي فإن طوبار لا يظن بأنه "سيتمكن من تحقيق مناخ ديمقراطي".
وعلى العكس من ذلك يرى عبد الرحمن الصياد المقيم في ألمانيا منذ حوالي 12 عاما أن" مبارك الأب جنب الشعب المصري على مدار سنوات حكمه ويلات الحروب". أما برك إسماعيل، مؤسس أحد النوادي الاجتماعية المصرية في برلين، فينتقد ذلك لأن "ما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يعطل حركة التغيير، وقد يصبح جمال مبارك ولي العهد بمساعدة حكومة رجال الأعمال، وهذا أسوأ ما في الموضوع".
مستقبل سياسي مُبهم
كما يرى البعض أن هناك غموضا حول المستقبل السياسي في مصر وأن من الصعب التكهن بمستقبل البلاد في السنوات القليلة القادمة. خالد طوبار يشبه المناخ السياسي الحالي في مصر بـ" الملاعب المفتوحة التي لا يمكن معرفة ما سيحدث فيها في السنوات القليلة القادمة ".
وهذا ما يؤكده ناصر محرم المقيم في ألمانيا منذ عشرين عاما تقريبا أيضا. وبالرغم من تفاؤله من إمكانية حدوث تغير سياسي في مصر كما حدث مؤخرا بعد الانتخابات الأخيرة التي تلتها تأسيس برلمان موازٍ "إلا أن هناك حاجزا نفسيا لدي يجعل هذا التفاؤل يتوارى، فالمستقبل مُبهم". أما شريف علي، كما أطلق على نفسه، فيبدي قلقه من "ارتفاع معدل الجريمة" ويتساءل قائلا "أين الحكومة المصرية؟ إنها مهتمة بتأمين نفسها ومصالح أفرادها فقط".
تفعيل حق التصويت الانتخابي في الخارج
وبكثير من الحزن يرى مصريو ألمانيا أنهم قوة انتخابية مُعطلة، وأنهم لا يستطيعون ممارسة هذا الحق الانتخابي إلا إذا تواجدوا داخل مصر. يقول ناصر محرم "كنت أتمنى إعطاء صوتي الانتخابي وأنا هنا في ألمانيا، إلا أن هذا الحق غير فعال، لقد سمعنا عن محاولات تفعيل هذا الحق ولكن لم يحدث".
أما خالد طوبار فيشكك في جدوى تفعيل الحق الانتخابي في الخارج؛ فإذا "لم تتوفر الرقابة الدولية على الانتخابات، فستحدث التجاوزات في الخارج كما تحدث في الداخل". وقد تواجد طوبار في مصر أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة محاولا المشاركة في الإدلاء بصوته لكنه، وكما يروي، لم يجد "الكشف الذي به اسمي، لذا لم أتمكن من التصويت".
التفاعل عبر شبكة الإنترنت
وعلى الرغم من أن العديد من المصريين في ألمانيا يتفاعلون مع وطنهم عبر الإنترنت فإن هناك منْ يشكك في جدوى هذا التفاعل. فعبد الرحمن الصياد كان يتبادل الآراء السياسية المختلفة مع أصدقائه عبر الإنترنت، إلا انه توقف بعد فترة لأنه "سئم، فالناس ليس لديها الرغبة في تواصل حقيقي يثمر فعلا على أرض الواقع".
ويضيف شريف علي بأن "التفاعل عبر الإنترنت وصل إلى حد التشبع، حيث التعليق على المقالات أو تبادل الآراء في غرف الدردشة أصبح أشبه بكلام في الهواء ليس له تأثير حقيقي". ويرى شريف علي أن شبكة الإنترنت كانت، قبل ثلاث سنوات، ذات مفعول سحري بالنسبة إليه. فبفضلها شارك في مجموعات سياسية واجتماعية لتبادل الآراء وتنظيم الوقفات الاحتجاجية، أما الآن فقد أصابته حالة من الملل.
الدعم الألماني والغربي
ويرى البعض أن الدعم الغربي للنظام المصري الحالي سيستمر، حيث يرى طوبار أن "السياسة لا تعرف الأخلاق وسيتواصل هذا الدعم رغم ما يُقال عن حدوث تجاوزات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة". وهو الأمر الذي يوافق عليه الصياد أيضا لأن "مصالح ألمانيا والغرب مع هذا النظام الحالي".
ويرى طوبار أن حزب الوفد هو "كبش الفداء" الذي يضحي به النظام عندما يكون في حاجة إلى كبش فداء، وأن "الإخوان المسلمين جزء من تمثيلية يلعبون فيها دور"الفزاعة" أمام الغرب ". أما مسعود السرفاوي فيشير إلى أن "الولايات المتحدة لوحت في نهاية التسعينات، بأهمية جماعة الإخوان المسلمين وقوتها الاقتصادية سواء في الداخل أو الخارج". وعلى العكس من ذلك هناك من يرى أن النموذج الاقتصادي المطروح من قبل جمال مبارك قد يتلاقى مع مصالح الغرب، إذا أثبت نجاحه في هذا الاتجاه، فقد تكون تجربة جديدة في مواجهة أي قوة اقتصادية أخرى مثل قوة الإخوان المسلمين الاقتصادية.
ويعلق الصياد على ذلك قائلا: "قد تكون مصر مع مبارك الابن في تجربة حكم جديدة ويمكن أن نطلق عليها اسم تجربة المال في السياسة". ويرى الصياد أن "الغرب سيستمر في دعم مبارك الأب لقدرته على تجنب الحروب، وحكم الشعب المصري في ظروفه الاجتماعية والاقتصادية الحالية، والتي هي أشبه بالقنبلة الموقوتة".
هاني غانم - برلين
مراجعة: هبة الله إسماعيل