مصر - عاملات المنازل في انتظار قانون يضمن حقوقهن
٣ فبراير ٢٠١٩"خادم القوم سيدهم"، مثل معروف، لكن المجتمع والحكومة في مصر يرون غير ذلك إذا تعلق الأمر بالخدمة في المنازل لأنها مهنة غير "لائقة". ونظراً لغياب قانون يحمي هذه الفئة من العمال تتكرر منذ سنوات طويلة المطالب والمبادرات من أجل تنظيم تلك العمالة. وفي كل مرة يتم فيها طرح مشروع قانون بهذا الخصوص ؛ يبوء الأمر في النهاية بالفشل أو الرفض.
نور، هي إحدى عاملات المنازل في مصر، وتروي معاناتها في حوار مع DW عربية قائلة "أولاً ليس لدينا تأمين صحي أو اجتماعي، وإذا وقع لنا أي مكروه فلن تقبلنا أي مستشفى. نحن نعمل والدولة لا تعترف بأننا نعمل، وفي البطاقة الشخصية تُكتَب المهن ربة منزل."
وأضافت نور، وهي متزوجة ولديها طفل، "إذا تقاعدت عن العمل، لن أجد ما آكله. ولا يوجد حل آخر"، مشيرة إلى أنها لابد أن تعمل لتساند زوجها، الذي بدأ العمل كحارس عقار الشهر الجاري. وتابعت نور أنها وزوجها امتهنا تلك المهن لأنهما لم يستكملا تعليمهما، لذا فإن حقوقهما "غير مكفولة من الحكومة".
"نحن المخطئون في كل الأحوال"
بدأت نور عملها في المنازل كجليسة أطفال عام 2011، بسبب ظروف والدتها، التي كانت تعاني آنذاك من تبعات حادثة، وتقول: "نحاول أن نجد ما يكفي لقوت يومنا لأن الدنيا غلاء الآن".
دخل نور الشهري لا يتعدى ألفا ومائتي جنيه أي حوالي 60 يورو تقريبا، نظير تنظيف منازل لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع. وتشير السيدة المصرية إلى أن حقوق أصحاب تلك المهنة ضائع، وتضيف أنهن أكثر عرضة للإهانة من أي وقت، وتوضح: "لو غضبت صاحبة منزل منَّا في مرة من المرات، فيمكن أن تتهمنا بالسرقة...وأمام الحكومة نكون نحن المخطئين ."
وتحكي نور لـ DW عربية موقفاً حدث لها عندما كانت تعمل في منزل إحدى العائلات، قائلة "كنت أعمل لدى إحدى السيدات فأذهب لمنزلها ثلاثة أيام في الأسبوع طيلة ما يزيد عن عامين. وذات يوم، سقطت فوق السيدة نافذة زجاجية لخزانة بالمنزل، فاتصلت بي هاتفيا ووبختني، ووصل الأمر لحد الإهانة."
لذا تطالب نور بأن يتم تخصيص "مكاتب عمل" لعاملات النظافة، تكفل حقوق تلك الفئة وحقوق أصحاب المنازل أيضا. وفي سؤال حول نظرة المجتمع لمهنة عاملات المنازل، قالت نور إن هناك سيدات تعاملهن معاملة حسنة وهناك من ينظر إليهن نظرة دونية.
شاهد أيضا:
مهنة متدنية في نظر الكثيرين
ووفقا لاستطلاع رأي أجرته DW عربية عن مهنة عاملات المنازل، يرى 80 بالمائة ممن شاركوا في هذا الاستطلاع أن المهنة ذات أهمية، على الرغم من عدم قبول معظمهم أن يزاول أحد من أقاربهم تلك المهنة، لأنها على حسب قولهم "مهنة متدنية اجتماعياً." ومنهم من يرى أن السبب هو عدم وجود ضمانات أمنية لحمايتهن.
وأظهرت نتائج الاستطلاع أن حوالي 60 بالمائة من المستطلع آراؤهم عبروا عن عدم معرفتهم بأن عاملات المنازل لا يخضعن لقانون ينظم تلك العمالة. كما أعرب 87.5 بالمائة عن رغبتهم في وضع حد أدنى وأقصى لأجور عاملات المنازل لتكفل لهم عيشة ملائمة. وفي المقابل يرفض 17.4 بالمائة تحديد الأجور، أما حوالي 34 بالمائة فلا يهتمون بالأمر.
وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن 70 بالمائة من المستطلعة آراؤهم أعربوا عن رغبتهم في وضع آليات لتقنين أو تنظيم هذه العمالة، وذلك من خلال إلزام صاحب المنزل بإبرام عقد عمل ولابد من توثيقه، وسن تشريع يكفل حقوقهن أو إنشاء نقابة أو رابطة لتنظيم تلك العمالة.
إقرأ أيضا:تقريع لست دول عربية على سوء معاملة عاملات المنازل
دراسة: العمل في التنظيف يعرض صحة الرجال للخطر
"الخادمة الأجنبية محمية أما المصرية فلا"
ويقول دكتور نيازي مصطفى، خبير التشريعات القانونية ومستشار وزير القوى العاملة السابق في تصريحات لـDW عربية إن هذه الإشكالية يمكن حلها بتشكيل "محاكم عمالية" متخصصة في "عمالة الخدم" وأن يكون للقضاة بها سلطة إصدار أوامر قضائية لتفتيش المنازل خلال ساعتين من تقديم العاملة أو العامل شكواه بوقوع ضرر عليه من قبل صاحب المنزل. ويشير الخبير القانوني إلى أن وزارة القوى العاملة تعكف حالياً على إعداد قانون للعمالة غير المنتظمة، ستوضع تحت مظلته العمالة المنزلية.
ويتابع مصطفى: "هناك العديد من العاملات يعملن بدون مكاتب تخديم وليس لهن أي نوع من أنواع العقود، لذا يمكن أن ينكر صاحب العمل أو العاملة صلة كل منهما بالأخر."
لكن هناك سبل أخرى تثبت العلاقة بين الطرفين في حالة غياب العقد، يقول خبير التشريعات ويتابع "الإشكالية الثانية هي أن المنازل لا يمكن أن يدخلها مفتشو العمل إلا بطلب قضائي، وفقا للدستور."
ونظراً لغياب الصفة الرسمية بين الطرفين، أي بين الخادمات وأصحاب المنازل، فمن الصعب تحديد عدد عاملات المنازل في مصر. ويقول مصطفى: "للأسف لا توجد إحصائية نظراً لأنها قضية اجتماعية أيضا لأن الفئة العاملة تخجل من أن تبوح بوظيفتها لأنها تعتبرها مهنة مهينة لكرامتها."
ويوضح نيازي مصطفى أن هذه الفئة مستثناة من قانون العمل منذ أربعينيات القرن الماضي وأن عمالة الخدم الأجنبية محمية وفقا لقانون عمل الأجانب على عكس عمالة الخدم المصرية.
وعلى الرغم من ذلك هناك تزايدٌ ملحوظ في عدد السيدات اللاتي يعملن في المنازل نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة. ويستطرد خبير التشريعات: "تلك الفئة ليس لها نقابة تدافع عنها أو تنظم عملها، كما أن شركات توظيف عاملات المنازل لا تخضع لقانون العمل".
تقوم شركات التوظيف بإبرام عقد بين ثلاثة أطراف: صاحب المنزل والعاملة والشركة. وبموجب هذا العقد يستلزم من العاملة تقديم الصحيفة الجنائية وبطاقة الهوية والعنوان وما تعرف بـ"شهادة أمن عام". أما صاحب أو صاحبة المنزل فتقدم صورة من البطاقة الشخصية فقط. كما يوجب العقد على صاحب المنزل أن يعامل من سيخدم عنده معاملة حسنة، وتكون الشركة ضامنة لحسن سير وسلوك العاملة أو العامل، ولصاحب المنزل أيضا الحق في طلب استبدال العاملة خلال ستة أشهر، حسبما علمت DW عربية من إحدى شركات التوظيف.
دعوة للتقنين
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، دعت مجموعة من منظمات حقوق الإنسان في مصر، وهي مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، مركز البيت العربي للبحوث والدراسات، مركز وسائل الاتصال الملائمة (ACT ) وجمعية الحقوقيات المصريات إلى ضرورة تقنين أوضاع فئة عاملات المنازل في جلسة حوارية بعنوان "قانون عمل عادل لوقف العنف ضد النساء،"، وذلك ضمن مبادرة "من أجل بيئة عمل آمنة للنساء"، أُطلقت منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأثناء الجلسة النقاشية، قال كمال عثمان، خبير تشريعات العمل بالأمم المتحدة سابقا: "إن مصر لا تمتلك إحصائية دقيقةً خاصة بالعاملات في مجال خدمة المنازل والزراعة البحتة نتيجة غياب نصوص قانونية تحمي وتصون حقوقهن على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والنفسي." وتابع عثمان أن "حجم الانتهاكات، التي يتعرضن لها مقلق للغاية"، وفقا لبيان صادر عن مبادرة "من أجل بيئة عمل آمنة للنساء".
الجدير ذكره أن إصدار أي قانون أو لائحة تنظم عمل عاملات المنازل، لابد أن يخضع لفحص ودراسة من قبل لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب المصري / البرلمان بالتعاون مع لجنة القوى العاملة.
وتقول الدكتورة هبة هجرس، من لجنة التضامن الاجتماعي بالبرلمان، في تصريحات لـDW عربية إن هذه الفئة لا تدخل تحت مظلة قانون العمل؛ لغياب الصفة الرسمية، التي تجمع العاملة وصاحب أو صاحبة المنزل، بسبب عدم إبرام عقد بين الطرفين."
وتضيف النائبة بالبرلمان المصري "عاملات المنازل في أشد الاحتياج إلى أن يكون هناك نوع من تقييم لأوضاعهن من أجل حفظ حقوقهن وحفظ حقوق صاحب العمل أيضا"، مستطردةً أن "الطرفين متضرران من عدم وجود صفة رسمية."
أما خبير التشريعات القانونية والعمالية نيازي مصطفى فيقول إنه يمكن إصدار هذا القانون "إذا كانت هناك نية صادقة لإصداره." وتابع لـDW عربية "يمكننا نحن وأعضاء اللجنة السابقة في وزارة القوى العاملة أن نصدره بسهولة وخلال وقت قصير. ويمكن ان يكون قانوناً محترماً يناسب البيئة في مصر ويعطي تلك الفئة من العمَّال حقها."
سمر سمير- بون