مصريات يقتحمن مهنة تنظيم المرور
٢٧ سبتمبر ٢٠١٥تعاني مصر من أزمة الازدحام المروري وتكدس المركبات عند إشارات المرور، لذلك كان البحث عن مخرج لهذه الأزمة عبر إشراك الشباب خاصة الفتيات في مشروع جديد لتنظيم الحركة المرورية في مصر. وقال الدكتور خالد زكريا العادلي محافظ الجيزة "إن البداية ستكون بمشاركة 50 شاباً وفتاة من أبناء المحافظة تمهيدا للتوسع في التجربة حال نجاحها وتحقيق الهدف منها". لافتا إلى أنه "تم الانتهاء من تدريب الشباب والفتيات كمتطوعين على تنظيم المرور من قبل الإدارة العامة لمرور الجيزة وتقسيمهم على فترتين يومياً في النقاط المرورية بشوارع وميادين وأحياء الجيزة، من أجل دمج الشباب في المجتمع والاستفادة من طاقتهم"، ويعتبر ظهور الفتاة في إشارات المرور للمرة الأولى اختباراً حقيقيا ًلقدرة المرأة على تولي المهام، التي اعتبرها المجتمع مستعصية عليهن، كما أن احترام المارة لتعليماتهن سيسهم في نجاح التجربة.
"خدمة البلد"
الشابة إحسان محمود، أولى معهد فن صناعي، 19 سنة تقول لـ DW عربية عن أسباب انضمامها للمشروع: "بحب المجال وعايزة أخدم البلد دون مقابل وسدّ الفجوة بين الشعب والشرطة، خاصة وأنه عقب ثورة 25 يناير تغيرت طرق التعامل بين والشرطة والمواطنين نحو الأسوء". وبالتالي، هذا نموذج لمدنيين يساندون الشرطة، وهو ما يلقى استحساناً من كثيرين، حسب الشابة. ومع ذلك، أشارت إحسان إلى المضايقات التي تتعرض لها من تعليقات مثل "يا خسارتك في الشارع، هي الرجالة ماتت ولا إيه". لكنها تتلقى هذه التعليقات بترحاب وابتسامة.
وتشرح آلية اختيارها، قائلة: "تم ترشيحي من قبل مركز شباب، وأعمارنا تتفاوت بين 17-23 أو سن الجامعات". ورغم أن عملهم تطوعي إلا أنهم يأخذون أجراً رمزياً في اليوم وهو 20 جنيهاً، لحين نجاح المشروع.
وأوضحت: "الناس خلاص عرفت أماكننا وساعات عملنا، الأمناء يتغيروا كل 5 ساعات بس إحنا مستمرين في أماكنا". وعن ساعات العمل تشرح: "إما من 9 صباحاً حتى الثانية مساءاً أو من الثانية مساءاً حتى السابعة مساءاً". وتعبًر عن فرحتها بالتجربة، ولكن ما يضايقها هو أشعة الشمس الحارقة.
ورغم أنها في مرحلة دراسية، ولكنها قررت الموازنة بين عملها في المرور وبين دراستها. وتؤكد :"لا نخشى المعاكسات أو المضايقات، لأن أمناء الشرطة بجانبنا ويحرسوننا".
وأشارت بفخر: "نجحنا أن نغيّر نظرة المجتمع للمرأة". وتتساءل "مين كان يتوقع أن بنت مصرية تقف أمام إشارة المرور وتنظمها؟"
تغيير نظرة المجتمع لدور المرأة
ومن جانبها تشير رنا حمدي، طالبة في كلية الحقوق جامعة القاهرة، 19 سنة، وتقف عند إشارة المرور في ميدان النهضة بالجيزة إلى تجريتها لـ DW عربية، قائلة: "أتميّز عن غيري بعدم ترشيحي من قبل مراكز الشباب إذ تطوعت عندما رأيتهم في إشارات المرور". وتتابع: "عرفت الخطوات وتقدمت لوزارة الشباب والرياضة واستلمت الشغل مباشرة". وتشير إلى وجود حضور وغياب ومشرف قام بتدريبها على العمل.
أمّا عن ردود الفعل المختلفة، فتقول: "ناس انبسطت وقالوا عايزين ننضم معاكم، وناس تانية خافت مننا". وبسؤالها عن مدى التزام الناس بتعاليمها قالت: "أنظم حركة المرور والإشارات والجميع يلتزم".
وتضيف: "نحن نعيد فكرة العمل للفتاة، والشغل في كل حاجة". وتقول بفخر شديد: "البلد بدأت تنهض بفكر الشباب، والمجتمع يستجيب لنا. أي شاب كانت أمنيته يغادر البلد، ولكن الآن، عايزين نغيّر البلد للأفضل ولا نتركها".
فرحة ممزوجة بخوف في الشارع
محمد عبدالتواب، موزع مناديل في ميدان النهضة، يقول: "مفيش خوف عليهم نحن نحميهم". ويتابع : "أنا مبسوط بيهم أوي، ياريت أشوف البنات يشتغلوا في جميع المجالات وأشوفهم ضباط شرطة وجيش كمان". وأردف: "بيصعبوا علَيَّ بيفضلوا اليوم كله يشتغلوا، فعلاً مجتهدات".
وهو ما أكده تامر أبو الفتوح، مهندس مدني، رغم أنه لأول مرة يسمع عن تجربة الفتيات في المرور، قائلاً بفرحة "ياريت أشوفهم في كل إشارات مصر". وأكد: "نجاح تجربتهم سيغير نظرة الرجل للمرأة، وأنها شريكة حقيقية للرجل". كل ذلك، سيحل أزمة المرور في مصر، لغياب عساكر المرور في كثير من الإشارات، مما يسبب ازدحاماً، حسب أبو الفتوح.
م. ح، عامل في كراج في منطقة الجيزة، رفض ذكر اسمه خشية طرده من العمل، قال: "أخاف على حياة بنات المرور، والأفضل لأي بنت أن تعمل في مكاتب وليس في الشارع". ويفسّر: "الشباب في مصر أخلاقهم فاسدة، ولا يوجد مأمن لأي بنت في مصر". وقال باستياء وصوت عال: "ده بنات يا أستاذة هيتعاكسوا وهيتحرشوا بيهم، أنا خايف عليهم أوي. وفي الآخر مش هيعرفوا يشوفوا شغلهم يبقى إيه لازمتها".
أمًا رانيا محروس، مصممة جرافيك، فعبرت عن فرحتها الشديدة عندما وجدت الفتيات في المرور، وهي تقود عربتها. وتقول "أول ما شفتهم شاورتلهم وابتسمت، في إشارة إلى تشجيعي لهذا العمل". وتقول واثقة: "البنات أكيد هتحل أزمة المرور في مصر، إحنا كبنات نقدر نعمل كل حاجة بس نأخذ فرصتنا الحقيقية في المجتمع".
"تمييز ومحسوبية"
ويرى الدكتور فؤاد السعيد، الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن قيام وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة بالاستعانة بصغيرات السن، يمثل نوعاً من المحسوبية لإيجاد وظائف مؤقتة لأبناء بعض العاملين في الدولة. ويعكس نوعاً من التمييز للقيام بهذه الوظائف ويحرم من هم في العمل.
ومع ذلك، يرى أن ظهور الفتيات في سن صغيرة أدى إلى تخفيف حدة الاحتقان بين أفراد أجهزة الشرطة العاملين في قطاع المرور وبين الشعب. فضلا عن عدم وصول شكاوى من أدائهم بل يتسم بالمرونة والفاعلية والهدوء، حسب السعيد.
واعتبر أن ظاهرة الاستعانة بالنساء تتزايد بشكل عام في مصر بعد ثورة 25 يناير، عبر الاستعانة بنساء في الشرطة للتعامل مع المتظاهرات والتفتيش في الأماكن العامة، وظهورهن أخيراً في المرور. وتابع: "الكثير من أجهزة الشرطة تعتمد على النساء من هذا النوع، من أجل تنظيم حياته بعيداً عن القطاعات الداخلية التي تستخدم القوة". وأردف: "هذا قد يساهم في تغيير الصورة النمطية عن الشرطة كأداة قمع ذكورية بالنسبة للجمهور ويلطف العلاقة بين الشرطة والجمهور".