معارك صيدا: "مشروع فتنة" أم "صاحب حق"؟
٢٤ يونيو ٢٠١٣لم تكن الساعات القليلة التي سبقت استهداف جماعة الشيخ أحمد الأسير للجيش اللبناني في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، قد حسمت آراء الكثيرين من أهل المدينة بهذه الظاهرة الجديدة، فبعض الصيداويين كان لا يزال يتعاطف مع الشيخ من منطلق أنه "صاحب حق يدافع عن أهل السنة"، لكن التطورات الأخيرة وضعت الأسير ومسلحيه في مرتبة أعداء شرعية الدولة، لاسيما بعد مصرع أكثر من 16 عسكرياً بين ضابط وضابط صف وجندي.
امتعاض "المستقبل"
مناخ المعركة خيم على صيدا، ثمة من يمنع التصوير بحجة "الوضع الأمني" إنهم جماعة الأسير الذي شكّلوا ظاهرة بدأت بالانتشار سريعاً. ثمة من "يؤيد الشيخ أحمد تأييداً مطلقاً وهناك من يشعر بخطورته على وضع تيار المستقبل شعبياً"، حسبما يقول الشاب العشريني المناصر للتيار لـ DWعربية رافضا الكشف عن اسمه، لكنه يستدرك أن "المستقبل تيار علماني وليس دينياً أو مذهبياً مثل الأسير وان كنا نتفق معه في محاربته لحزب الله"، مؤكداً أن مهاجمة الجيش أثارت امتعاض بعض مؤيدي تيار المستقبل.
لكن متحمسّا آخر عرّف نفسه باسم الخليفة الإسلامي الأول "أبو بكر الصديق"، اختطف الحديث ليؤكد أنه مع "المستقبل" ومع الأسير في الوقت نفسه، قائلا لـ DWعربية، انه مستعد للقتال لأجل "كرامة السّنة"، ومشيرا إلى "تورط الجيش في دعم حزب الله"، ومضيفا أنه كان يحمل صور السيد حسن نصر الله حين كان يقاتل ضد إسرائيل لكن حين وجّه سلاحه للداخل وللشعب السوري أصبح "عدونا".
الجو العام وسط بعض شباب "المستقبل" وجماعة الأسير يشي بأن ضرب الجيش "مبرّر شرعاً"، فـ "الجيش يدعم الشيعة في لبنان والدولة تغطي أعمالهم وجرائمهم بينما تزج بأهل السنة في السجون إذا ارتكبوا أي مخالفة". هذا ما يرويه محمد الذي يقاتل مع شباب الأسير، لـ DWعربية، قائلاً إن "الشيخ أحمد يقول الحق وينفذ ما يقول مثلما كان (أمين عام حزب الله) حسن نصرالله". ويضيف أنه "صاحب حق لأنه يدافع عن أهل السنة".
وعن سبب العداء للجيش اللبناني يوضح المقاتل ألأسيري أن "هذا الجيش يقف مع حزب الله ضدنا.وعن تمويل جماعته ، ينفي الشاب المُقرب من الشيخ، وجود أي دعم خارجي، مشيراً إلى أنّ "أهل الخير من الأغنياء وبينهم المطرب السابق فضل شاكر هم من يدعم الأسير"، ومؤكداً أن راتب العنصر المتفرغ مع الشيخ يبدأ ب 700 دولار أميركي شهرياً.
" ظاهرة الأسير قد أضرت بصيدا وتجارها "
يربط أبو البراء، وهو احد مقاتلي الشيخ أحمد بين هيمنة النظام السوري على لبنان في العقود الماضية وبين صعود حزب الله، مبررا مقاتلة حزب الله بالقول "لوقف المشروع الإيراني في المنطقة بإنشاء هلال شيعي"، ومصرّاً على أن القضية "أصبحت طائفية، والجيش يتفرّج على ما يرتكبه حزب الله من استفزازات بحق أهل السنة، بينما صار الحزب أكبر من الدولة وما عدنا قادرين على السكوت".
وينفي الرجل الخمسيني لـ DWعربية، أن يكون مشروع الأسير مشروع فتنة مذهبية، قائلاً " نحن نحارب الظلم وحزب الله قسّم الجماعات السنية بين من يواليه ومن يعارضه فأنشأ ما يسمى بسرايا المقاومة. حزب الله يتعاطى مع الناس وكأنه ربهم الأعلى".
حال الصيداويين تشرحه أم عمر، التي ترى أن ظاهرة الأسير قد "أضرت بصيدا وتجّارها بسبب خرق الوضع الأمني باستمرار، وخلقت العداوات، بينما استفاد البعض بأموال مفاجئة دفعها الأسير مقابل تأييد تحركاته"، مشيرة إلى أن الناس ما عادت تحتمل في ظل الوضع الاقتصادي المزري وانتشار البطالة التي يستغلها الشيخ لحشد المقاتلين.
وحش الطائفية أم ضرب المقاومة ؟
في رأي الصحفي محمد المجذوب من التنظيم الشعبي الناصري، أن حركة الأسير لا تستطيع أن تُضعف شعبية التنظيم، لكنه متخوف من وحش الطائفية الذي يغزو المدينة بدعم خليجي، مؤكداً لـ DWعربية، أن التنظيم الشعبي الناصري يسعى دائماً إلى حل المشكلات ولا يتورط في معارك، نافيا وجود أي صلة بين سرايا المقاومة وعناصر التنظيم، ومفندا ما يقوله "الأسيريون" عن استفزاز التنظيم لهم.
ويؤكد المجذوب تعرض عناصر التنظيم باستمرار إلى مضايقات "لأنه تنظيم قومي عربي علماني يرفض الدخول في معارك مذهبية".
في حارة صيدا ذات الغالبية الشيعية، وجهة نظر أخرى تتفق مع شعارات حزب الله، والحديث عن فرز مذهبي لضرب مشروع المقاومة، وهذا لسان حال أبو هشام الرجل الستيني الذي يجالس أصدقائه في أحد المقاهي الشعبية، محذراً من أن عدم تدارك ما يحدث من قبل الأكثرية الصامتة سيؤدي إلى نتائج سلبية وخيمة.
ويتساءل أبو هشام لـ DWعربية: "لماذا يستهدفون سلاحاً شكّل عامل توازن مع إسرائيل.. ولماذا الجو الطائفي المخيف؟"، رافضاً وصف حارة صيدا بأنها فقط للشيعة، "لدينا دروز ومسيحيون وسنة بعضهم يجلس معنا هنا في المقهى. أتمنى أن يبقى الصراع سياسياً وليس مذهبياً".
"هو مشروع فتنة والناس لم تعد تحتمل هذا الوضع"
لكن محمد جابر، ابن حارة صيدا يرى أن الأسير وصل إلى ما وصل إليه لأنه لم يجد من يردعه، معتبراً خلال حديث لـ DWعربية، أن الأسير "هو مشروع فتنة والناس لم تعد تحتمل هذا الوضع". ويؤكد الرجل المُتحمس للقضاء على الأسير، عمق العلاقة بين الشيعة والسّنة في صيدا حيث "هناك علاقة جيدة بين حزب الله وجماعة الشيخ ماهر حمود وجماعة أسامة سعد (التنظيم الناصري) وقوات الفجر المنشقة عن الجماعة الإسلامية بقيادة عبد الله الترياقي.
أما أسعد ياسين فيشير إلى الزيجات المختلطة بين أبناء الطوائف والعلاقات التجارية والاجتماعية، مؤكداً أن حارة صيدا تحت سلطة الدولة ولا يوجد فيها أي مظاهر مسلحة تابعة لحزب الله أو غيره.
في سياق الاستقطاب الطائفي قد يشكل العنصر الفلسطيني خطراً إذا دخل على خط الأزمة، بحكم وجود المسلحين في المخيمات، وعن هذا يقول أحمد - الفلسطيني المقيم في صيدا ظ إن طرفي الصراع كانوا يحاولون جذب الفلسطينيين إلى معركتهم ونجحوا في جر "جند الشام" وبعض العناصر الإسلامية في المخيم إلى المعركة.