معرض القاهرة للكتاب: فرصة ثمينة للتعرف على الثقافة الألمانية
يشعر الكثير من المثقفين العرب بالعرفان تجاه ألمانيا لاستضافتها العالم العربي كضيف شرف بمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب في عام 2000. ففي هذا المعرض حظي الأدب العربي باهتمام لم يسبق له مثيل في أي دولة أوروبية. ولا غرو أن توجيه الدعوة للعالم العربي كضيف شرف في أحد أكبر معارض الكتاب العالمية قد أفسح المجال لعرض الثقافة العربية والإسلامية على المواطن الأوربي وتصحيح الصورة السيئة، التي حاول بعض المتشدقين بصراع الحضارات رسمها للعرب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية.
وبعد مرور حوالي عام على تلك التظاهرة الثقافية قررت الحكومة المصرية توجيه الدعوة رسمياً لألمانيا لتكون أول ضيف شرف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 38 والتي ستنعقد في الفترة من 17 حتى 29 كانون الثاني/يناير 2006. ويصف المثقفون المصريون هذا المعرض بأنه نافذة مصر على العالم ونافذة العالم على كبرى الدول العربية من حيث عدد السكان. كما يعد هذا المعرض ثاني أكبر معارض الكتاب في العالم، إذ يؤمه ملايين الزائرين من مصر وشتى الأقطار العربية، ويقصده الكثير من المفكرين البارزين من مختلف دول العالم كالكاتب الفرنسي روبير سوليه، والأديبة العالمية نادين جورديمر الفائزة بجائزة نوبل للآداب.
"اهتمام ألمانيا بالعالم العربي...
تأتي استضافة مصر ثقافياً لألمانيا بعد ان شهدت الأعوام الأخيرة نشاطاً ألمانياً مكثفاً من أجل تعزيز الحوار مع المجتمعات العربية والإسلامية. هذا النشاط أثمر عن إنشاء قسم مختص بالحوار مع العالم الإسلامي في أروقة وزارة الخارجية الألمانية، وتكليف دبلوماسيين ألمان رفيعي المستوى بتنشيط الحوار السياسي مع نظرائهم العرب، ناهيك عن النقلة النوعية، التي شهدها مجال التعاون الإنمائي بين ألمانيا والبلدان العربية، والذي نتج عنه العديد من المشروعات المشتركة بهدف تحسين البنية التحتية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولا يقتصر الاهتمام الألماني بالعالم العربي على الدور الحكومي فحسب، بل يتعدى ذلك بكثير ليشمل جوانب مختلفة. فلقد وضعت مؤسسات ألمانية مستقلة كمؤسسة دويتشه فيلّه، على سبيل المثال، نصب عينها هدف إثراء الحوار الثقافي مع العالم العربي إعلامياً عبر الأثير والتلفاز وشبكة الانترنت، وذلك من خلال نقل صورة حقيقية باللغة العربية عن مجريات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في ألمانيا. أما معهد غوته فلم تعد مهمته تقتصر على نشر الثقافة واللغة الألمانية في الدول العربية فحسب، بل تم توسيع نشاطاته الثقافية ليجمع الأدب الألماني والعربي في بوتقة واحدة من خلال منتديات ثقافية كمنتدى "مداد MIDAD"، على سبيل المثال.
...جدير بالتكريم"
وللوقوف على سبب اختيار مصر لألمانيا كأول ضيف شرف بمعرض الكتاب القادم أجرى القسم العربي في موقع دويتشه فيلّه اتصالاً تليفونياً بالسيد محمود جعفر، المستشار الإعلامي بالسفارة المصرية في برلين، اعتبر فيه أن هذا القرار يرجع بالدرجة الأولى إلى رغبة مصر في تكريم ألمانيا، "التي يُعرف عنها منذ تأسيسها عام 1949 اهتمامها الشديد بالعالم العربي والإسلامي ورغبتها في الانفتاح على أقطاره، إلى أن باتت هذه الرغبة في الأعوام الأخيرة هدفاً هاماً ضمن أهداف السياسية الخارجية للحكومة الألمانية." وأضاف جعفر بأن الحكومة الاتحادية في برلين قامت بالكثير من المبادرات "من أجل تفعيل الحوار العربي – الألماني"، مشيرا الى أنه "من الواجب أن تكون هذه المبادرات غير أحادية الجانب". وفي حديث لموقعنا مع الدكتور ناصر الأنصاري، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، التي تقوم سنوياً بتنظيم معرض القاهرة، أكد الأنصاري على أن استضافة مصر لألمانيا في المعرض تهدف إلى "الانفتاح على ألمانيا وحضارتها الحديثة وثقافتها المتميزة". ومما لاشك فيه أن هذه المبادرة العربية غير المسبوقة ستؤدي حتماً إلى فتح مجال التبادل الثقافي الفعال بين ألمانيا والعالم العربي، فهي "تأتي تدعيماً لفكرة حوار الثقافات وتكاملها، لا صراعها وتصادمها، وتعميقاً للحوار الألماني – العربي، إيماناً بدور الثقافة كقنطرة بين الشعوب، لتكون هذه المبادرة نقطة الانطلاق، وليست نهاية المطاف"، على حد قول الأنصاري.
تواجد ألماني لم يسبق له مثيل
تتولى إدارة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب سنوياً مهمة تنظيم الجناح الألماني بمعرض القاهرة. أما القائمين على معهد غوته ومؤسسة دويتشه فيلّه الإعلامية والسفارة الألمانية بالقاهرة فيقع على عاتقهم مهمة تمثيل جمهورية ألمانيا الاتحادية ثقافياً بالمعرض. ولمعرفة مدى الاستعدادات، التي يقوم بها الجانب الألماني، أجرى موقعنا اتصالاً تليفونياً مع السيد يوهانس إيبرت، مدير معهد غوته بالقاهرة والمسئول الإقليمي عن معاهد غوته في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكد فيه "أن على التواجد الألماني في معرض القاهرة سيكون أكبر مما كان عليه في الأعوام السابقة، إذ تبلغ مساحة الجناح المخصص لعرض الكتب الألمانية 400 متر مكعب. كما سيرافق المعرض برنامج ثقافي مكثف يشمل ندوات وحلقات نقاش وعروض فنية وموسيقية ومسرحية." ولن يقتصر النشاط الثقافي الألماني أثناء المعرض على مقر انعقاده، وإنما سيمتد إلى مناطق مختلفة من القاهرة، على حد تعبير ايبرت.
ولكن ماذا يتوقع الضيف الألماني من مضيفه المصري؟ على هذا السؤال يجيب يوهانس ايبرت بالقول: "نرجو جميعاً أن تنجح هذه التجربة الفريدة من نوعها. ولابد هنا من التنويه الى أن التعاون مع الجانب المصري بصدد تجهيز الجناح الألماني والدعاية له يتم على أفضل وجه. ونرجو أن تقوم الهيئات المصرية المشاركة في المعرض بإعداد عروض ثقافية عن البلد المستضاف كما جرت العادة في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وأن يزور أكبر عدد ممكن من العرب جناحنا بالمعرض، وأن يحظى برنامجنا الثقافي بإعجابهم".
علاء الدين سرحان