معركة إدلب.. مِحَكّ لتحالفات إقليمية محورها سوريا
١٢ سبتمبر ٢٠١٨المعركة الوشيكة، حسب الكثير من المراقبين، في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا ليست مجرد صراع على أرض أو نفوذ، بل يذهب البعض إلى اعتبار تلك المعركة محطة اختبار لتحالفات وتفاهمات إقليمية. آراء المراقبين تعززت بعد فشل قمة طهران التي جمعت الرؤوساء حسن روحاني وفلاديمير بوتين، حليفي دمشق، ورجب طيب أردوغان الداعم للمعارضة. وقد فشل الرؤساء الثلاثة في تجاوز خلافاتهم حول إدلب، مع تمسكهم بمواقفهم. فشددت طهران وموسكو على ضرورة محاربة "الإرهاب" وحق دمشق في استعادة السيطرة على كامل أراضيها، بينما حذرت تركيا من "حمام دم". إلا أنهم اتفقوا على مواصلة "التعاون" للتوصل إلى حل لتفادي وقوع خسائر في الأرواح.
ربح تركيا "استراتيجياً"
في مقابلة مع DW عربية، أكد الخبير في الشؤون الإيرانية والتركية مصطفى اللباد أن معركة إدلب "اختبار" للعلاقات المتحسنة بين روسيا وتركيا بعد قرون من العداء والحروب. ويصف اللباد ما بين البلدين بأنه "تفاهمات" وليس "تحالفاً". ويعتقد أن روسيا ليست بحاجة إلى انتصار إضافي على المعارضة السورية في إدلب بل تهدف لتحويل تركيا من "عدو تاريخي" إلى حليف إقليمي، وجذب تركيا بعيداً عن الحلف الغربي مستغلة التوتر في العلاقات مع الغرب وخصوصاً مع واشنطن. غير أنه ينوّه إلى أن العلاقات الأمريكية-التركية، ورغم التوترات، "أقوى" مما يبدو على السطح، وهذا ما أشار إليه في مقال في صحيفة القبس الكويتية بعنوان "ما وراء إدلب" نُشر يوم أمس الثلاثاء (11 أيلول/سبتمبر 2018).
ويتفق الباحث السياسي والخبير في شؤون الشرق الأوسط خطار أبو دياب بالرأي مع نظيره اللباد بأن المعركة ستكون "اختباراً" للعلاقات بين موسكو وأنقرة، بيد أنه يعترض على استخدام مصطلح "شهر عسل"، مؤكداً في حوار خاص مع DW عربية، أن ما حصل "تفاهمات وتنسيق بين الجانبين، ولكن تركيا تبقى متجذرة في حلف الأطلسي وهواها غربي".
وعلى مدار قرون كان الوصول إلى المياه الدافئة عبر مضائق البوسفور والدردنيل عقدة السياسية الخارجية الروسية. وقد شهدت العلاقات بين كل من روسيا القيصرية وخليفتها الاتحاد السوفيتي ووريثته روسيا الاتحادية من جهة والدولة العثمانية وخليفتها تركيا الكمالية وصولاً إلى أردوغان تدهوراً وتوترات وذلك منذ سقوط القسطنطينية بيد الأتراك العثمانيين عام 1453 مروراً بعدة حروب في القرون اللاحقة والمواجهة في الحرب العالمية الأولى وأخيراً وليس آخراً في الحرب الباردة. غير أن منحى العلاقة بدأ بالتحسن مع وصول كل من بوتين وأردوغان إلى مواقع القرار مطلع الألفية الثالثة.
اللعب على حبل "مشدود"
يعتقد مصطفى اللباد، الذي يرأس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية، أن الأمور رهن بقرار بوتين: "هل سيحفظ ماء وجه أردوغان ويمنع اجتياح بري لإدلب أم سيخاطر بدفع تركيا من جديد للاستعانة بالغرب، الأمر الذي تم الحديث عنه مؤخراً بأشكال مختلفة حتى في وسائل الإعلام"، حسب قراءته للحدث، ويبرر بأن تركيا ستفعل كل ما بوسعها لعدم خروجها بـ"هزيمة كاملة" من سوريا.
ويبدو أن اختيار أردوغان صحيفة أمريكية، ول ستريت جورنال، لنشر مقال له بعنوان "على العالم إيقاف الأسد" يوم قبل أمس الاثنين لم يكن بمحض الصدفة؛ إذ وكما تقول إحدى النظريات في الإعلام أن "الوسيلة الإعلامية نفسها قد تكون هي نفسها الرسالة". ومهما يكن من الأمر، فقد حمّل أردوغان "شركاءنا في عملية أستانا، روسيا وإيران، أيضاً مسؤولية إيقاف هذه الكارثة الإنسانية (الهجوم على إدلب)".
ويذهب خطار أبو دياب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون إلى أن الطرفين يلعبان على الحبل المشدود، غير أنهما لن يتواجهان مباشرة. وبالأمس أعلنت قاعدة روسيا على صفحة "القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية" على الفيسبوك أن موسكو ستدعم "سياسياً" أي تحرك عسكري للقوات الحكومية السورية ضد القوى الغريبة المتواجدة على الأراضي السورية بشكل غير شرعي بما فيها القوات التركية المتواجدة شمالي البلاد، حسب المنشور الفيسبوكي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن البيان لم يشر إلى أي دعم "عسكري".
"محور" طهران-دمشق بين الأب والابن
يتحفظ الباحث المصري مصطفى اللباد على استخدام كلمة "تحالف" لوصف العلاقة بين إيران وسوريا، ويعتقد أن الأدق اليوم هو القول إن "إيران سيطرت على سوريا منذ 2006 وحتى التدخل الروسي في 2015". ويتفق الباحث خطار أبو دياب مع نظيره مصطفى اللباد بأن الغلبة في العلاقات أخذت تنحو باتجاه إيران بعد حرب 2006، ولكنه يذهب إلى أن الميلان في العلاقة لصالح إيران بدأ مع وصول بشار الأسد إلى السلطة عام 2000.
ويتفق معظم المراقبين على أن العلاقة "الاستراتيجية" بين سوريا وإيران أيام حافظ الأسد كانت "متوازنة" وفيها "نديّة" وأن الأسد الأب كان يلعب على التناقضات بين طهران والعالم العربي ببراغماتية، غير أنها لم تخلُ من منغصات ومحطات افتراق تبعها تجدد للقاء. أحد أبرز الأمثلة المواجهات المسلحة، عبر وكيليهما في لبنان، حركة أمل وحزب الله، ابتداء من معركة ثكنة فتح الله في 1987 إلى معارك النبطية والجنوب وإقليم التفاح في العامين 1988 و1989.
ويرى الدكتور اللبناني خطار أبو دياب أن التحالف الإيراني-السوري "سيجتاز" منعطف إدلب، بيد أن الاختبار الحقيقي" سيبدأ بعد أن يصمت السلاح، مفسرا ذلك بالقول: "علمنا التاريخ أن التعايش بين قوتين محتلتين مستحيل"، وهو هنا يقصد روسيا وإيران في سوريا. ويعتقد أن النظام السوري "سيصل لمرحلة يتوجب عليه الاختيار بين روسيا وإيران، هذا إذا كان في موقع يؤهله أصلاً للاختيار".
خالد سلامة