مقتل خاشقجي على وسائل التواصل..استنكار واستقطاب
٢٠ أكتوبر ٢٠١٨"خرج ولم يعد" عبارة مألوفة للأذن العربية؛ إذ أنها كانت عناوين أعمال درامية وأفلام شهيرة وأضحت فيما بعد مثلاً دارجاً. الجديد منذ بداية هذه الشهر هو المثل: "دخل ولم يخرج". وقد تم تداوله في واقعة اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي. بحسب صور التقطتها كاميرات المراقبة ونشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، وفي الساعة 13:14 بالتوقيت المحلي (10:14 بتوقيت غرينتش)، قصد خاشقجي قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من تشرين أول/أكتوبر الجاري لاستصدار أوراق ثبوتية بغية الزواج من خطيبته التركية خديجة جنكيز. منذ لحظة دخوله أصبح الرجل أثراً بعد عين.
فجر اليوم السبت أكّدت الرياض للمرة الأولى أنّ خاشقجي "قُتل إثر وقوع شجار واشتباك بالأيدي" مع عدد من الأشخاص داخلها. وبالتزامن مع إعلان الرياض مقتل خاشقجي، أمر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بإعفاء نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري والمستشار السابق في الديوان الملكي، سعود القحطاني، ومسؤولين آخرين في جهاز الاستخبارات، من مناصبهم، فيما ذكرت الرياض أنّها أوقفت 18 سعودياً على ذمة القضية. ولم يتم الإعلان عن سبب الإعفاء إلا أنه يأتي بالتزامن مع إعلان مقتل خاشقجي.
تغريدات بكل ألوان الطيف
سيطر إعلان مقتل خاشقجي على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي. وانقسم معظم المعلقين على القضية إلى فريقين أحدهما مدافع عن السعودية وآخر منتقد ومشكك في روايتها الرسمية.
الإعلامي اللبناني المعارض لإيران وحزب الله والمقرب من السعودية، جيري ماهر، طالب بضرورة التعاطي مع قتل خاشقجي بنفس الطريقة التي تم بها التعاطي مع "قتل" السفير الروسي في أنقرة:
الناشطة الحقوقية المصرية، داليا زيادة، اتهمت كل من قطر وتركيا بــ"قتل" مواطنيها و"سحب" الجنسية القطرية من البعض على حد تعبيرها:
وفي إشارة إلى مزاعم تقطيع جثة خاشقجي بمنشار كهربائي، أضحى المنشار كلمة الموسم التي ترافق الكثير من البوستات:
وفي عزّ المأساة لم تغب الكوميديا السوداء عن المشهد:
الباحث والمحلل السياسي المصري البارز مأمون فندي قدم قراءته السياسية:
إعلام أوروبي: استخفاف
حذر الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" كريستوف دولوار من إجراء أي "مساومة" مع السعودية في قضية خاشقجي لأن ذلك سيعطيها "ترخيصاً بالقتل"، على حد تعبيره. وأضاف دولوار أنه "بعد الإقرار بمقتل" خاشقجي، فان "مراسلون بلا حدود" "تنتظر الإبقاء على ضغط حازم ومتواصل وقوي على السعودية، حتى جلاء الحقيقة كاملة بشأن القضية والتوصل إلى إطلاق سراح صحافيين سعوديين حكم عليهم بعقوبات مروعة ومنافية للمنطق".
وبدوره وفي تعليق له على الموقع الإلكتروني للقناة الألمانية الأولى ARD وصف الصحفي راينهارد باوم غارتن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه "أوتوقراطي لا يرحم"، خالصاً إلى أن السعودية انحدرت إلى مستوى صدام حسين ومعمر القذافي من حيث تصفية المعارضين. وأضاف المعلق الألماني أن الجريمة "رسالة "لا لبس فيها" لكل الأصوات الناقدة.
ومن جانبها ذهبت صحيفة "نيو تسوريشر تسايتونغ" السويسرية، الرصينة والعريقة، في أحد تعليقاتها إلى أن المملكة تحتاج إلى "ولي عهد جديد" مشيرة إلى أنه لم يعد بالإمكان بعد قتل خاشقجي تحمّل بن سلمان. وأضافت الصحيفة في تعليق للصحفي كريستيان فايس فلوغ أن الغرب "يجب أن يراجع، جذرياً، سياسته مع دول الخليج".
أما صحيفة "تاغس تسايتونغ" الألمانية اليسارية فقد نعتت التوضيح السعودي لما حصل بأنه "سخيف".
وبدوره وصف الصحفي السياسي المعروف في القناة الألمانية الأولى ARD، غيورغ ريستل، الإعلان السعودي بأنه عبارة عن "أكاذيب واضحة وسخافة".
صادرات السلاح للسعودية في مرمى النار
وفي برلين أدانت الحكومة الألمانية حادثة القتل "بأشد عبارات الإدانة" وطالبت بتقديم مزيد من الإيضاحات لملابسات الواقعة. وجاء في بيان مشترك للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ووزير الخارجية هايكو ماس: "ننتظر من العربية السعودية ممارسة الشفافية في ملابسات مقتل الصحفي وخلفياتها". وأضاف البيان: "يجب محاسبة المسؤولين عن الواقعة، والبيانات التي صدرت بشأن أحداث القنصلية في إسطنبول ليست كافية".
ومن جانبه طالب حزب الخضر الألماني المعارض الحكومة باتباع نهج متشدد في التعامل مع السعودية. وفي هذا الصدد قال خبير الشؤون الخارجية في الحزب، أوميد نوريبور: "لا يمكن تحمل ظن السعودية بأن الرأي العام العالمي غبي... في النهاية على الحكومة الألمانية أن تستيقظ عقب هذا البيان الواهي. عليها أن تنهي الشراكة الاستراتيجية مع الرياض وتوقف صادرات الأسلحة". وذكر نوريبور أنه يتعين على الحكومة الألمانية أيضا أن تطالب رجال الأعمال الألمان بمقاطعة "مبادرة مستقبل الاستثمار" المقررة في المملكة الأسبوع المقبل.
وبدورها دعت قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، إلى مراجعة العلاقات وصادرات الأسلحة المثيرة للجدل مع السعودية. وقال الأمين العام للحزب لارس كلينغبايل اليوم السبت في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) في برلين: "عقب مثل هذه الواقعة غير المعقولة، يتعين مراجعة العلاقات الألمانية مع السعودية، وكذلك صادرات الأسلحة".
ويقدم أحد الرسوم الكاريكاتورية نقاشاً ساخرا داخل أروقة الحكومة الألمانية حول تصدير السلاح للسعودية. في النهاية حسب الكاريكاتور تم التوصل إلى قرار بمواصلة تصدير السلاح للسعودية ولكن مع التوقف عن تصدير "المناشير".
يذكر أن الحكومة الألمانية وافقت على صفقات بيع أسلحة للسعودية بقيمة تقارب نصف مليار دولار حتى الأن خلال عام 2018، مما يجعل من المملكة ثاني أكبر مشتر للأسلحة الألمانية بعد الجزائر، وفقاً لوثيقة لوزارة الاقتصاد الألمانية اطلعت عليها وكالة الأنباء الالمانية (د.ب.أ) أمس الجمعة.
خالد سلامة