مهاجرون يفكرون بمغادرة شرق ألمانيا نحو غربها.. ما الأسباب؟
٢١ أكتوبر ٢٠٢٤لا تتوقف إلى اليوم هجرة الشباب من شرق ألمانيا إلى غربها، مهما كانت محاولات الحكومات المتعاقبة لتحسين الأوضاع دؤوبة. فقد أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي في مدينة فيسبادن الأسبوع المنصرم أن عدد الشباب في الشريحة العمرية بين 18 و29 عاما الذين انتقلوا خلال العام الماضي من شرق ألمانيا إلى غربها.
وكان أكبر من عدد شباب نفس الشريحة الذين هاجروا من الغرب إلى الشرق، حيث بلغ صافي الفارق 7100 شخص. وهذا الأمر يسري أيضا على الشباب المهاجرين إلى ألمانيا من دول أخرى.
"العنصرية مستفحلة!"
يوسف (اسم مستعار)، شاب ليبي طلب اللجوء في ألمانيا بعد هروبه من أجواء الأزمة في بلده، لكنه لم يتوقع حسب ما يحكيه في حديثه لمهاجر نيوز أنه سيعيش اضطرابا نفسيا يجعله يستنجد بالعلاج لدى مختص بسبب المواقف العنصرية اليومية التي يتعرض لها.
يعيش الشاب العشريني في مدينة نورد هاوزن شمال ولاية تورينغن منذ ما يناهز ثمانية أشهر، ويقول في هذا السياق: "تعلمت اللغة الألمانية لأتمكن من الاندماج، لكن منذ الوهلة الأولى شعرت بالرفض المجتمعي هنا في الشرق، في غالب الأحيان لا يردون السلام حتى، ويتعاملون بقسوة مع المهاجرين واللاجئين، ويسألون دائما باستفزاز: لماذا أنت هنا ولست في بلدك؟".
"منذ الوهلة الأولى شعرت بالرفض المجتمعي هنا في الشرق"
شدد الشاب الليبي على أن العنصرية مستفحلة في الشرق فعلا، لكنه استثنى قلة من المواطنين الألمان في المدينة التي تم بعثه إليها دون أن يختار من قبل السلطات بعد طلبه اللجوء، ويضيف بالقول: "بدأت محاولاتي في إيجاد فرصة للعيش في مكان آخر، ولن أتوقف حتى أحقق ذلك".
فرص العمل.. سبب قوي للهجرة من الشرق نحو الغرب!
مكتب الإحصاء الاتحادي في مدينة فيسبادن، أكد أن الإحصائيات توضح "تواصل خسارة الهجرة بالنسبة لشرق ألمانيا مقارنة بغربها في هذه الفئة العمرية، وهي الخسارة المستمرة منذ عام 1991 حتى عام 2023". وقال المكتب إن ذلك يعزى بشكل كبير إلى الهجرة للدراسة أو التدريب المهني. ووفقا للبيانات، هاجر منذ عام 1991 ما مجموعه 727 ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما من ولايات شرق ألمانيا إلى الغرب.
وأسهم هذا التطور المستمر على مدار عقود في انخفاض نسبة الأشخاص في سن العمل في الشرق. ووفقا لتعداد 2022، وصلت نسبة هؤلاء الأشخاص بين السكان في الولايات الشرقية (بدون برلين) في الفئة العمرية بين 18 و64 عاما إلى 57%، في حين بلغت هذه النسبة في الولايات الغربية 61%. كما أن المناطق العشر التي سجلت أقل نسبة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عاما كلها تقع في الشرق.
في مدينة إيسن تعيش ياسمين اليوم في وضعية تصفها بالأفضل، فاللاجئة السورية التي كانت في السابق تعيش بشرق ألمانيا وبالضبط بمدينة فرانكفورت على نهر الأودر، قررت المغادرة نحو الغرب قبل سنة.
وفي حديثها لمهاجر نيوز، عددت الشابة أسباب اختيارها، مشددة على أن أهم سبب كان فرص العمل التي تتوفر في العديد من المناطق الألمانية دون شرقها، لكنها أوضحت أن سبب اختيار مدينة إيسن بالضبط، هو استقرار شقيقتها بها.
مقابل ذلك، أكد لنا يوسف، أنه لم يواجه مشاكل لإيجاد عمل في المنطقة الشرقية التي يعيش فيها لإيجاد فرص عمل، لأنها تتوفر عند الاستعانة بمكتب العمل أو من خلال البحث على الإنترنيت. لكنه أضاف أن "المشكل هو الجو الذي تعيشه في مكان العمل، نشعر أننا مرفوضون بين الزملاء، وهذا ما يعرقل استمراريتنا".
استطعت أن أكسب أصدقاء من المهاجرين واللاجئين في المدينة، لكن الأمر لم يجعلني أتغلب على الإحساس السلبي من مواقف عنصرية عشتها يوميا
ياسمين شاركتنا أيضا تجارب خاصة، ترتبط أساسا بما عانته من مواقف عنصرية، أثرت بها، وصعبت عليها إمكانية الاندماج بالمجتمع الألماني، وتقول في هذا السياق: "لم أكن سعيدة وأنا أشعر أني وحيدة ومنبوذة من المجتمع، لم أشعر ولو ليوم واحد بالانتماء، صحيح أنني استطعت أن أكسب أصدقاء من المهاجرين واللاجئين في المدينة، لكن الأمر لم يجعلني أتغلب على الإحساس السلبي من مواقف عنصرية عشتها يوميا".
المجتمع والسياسة.. انغلاق يميني يطبع أجواء الشرق!
فاطمة، مهاجرة مغربية تعيش في شرق ألمانيا وبالضبط في مدينة فرانكفورت على نهر الأودر منذ ما يزيد عن 25 سنة، وصلت إلى هناك طالبة ودرست في الجامعة، واستمرت حياتها في المدينة نفسها إلى اليوم ولم تغادرها أبدا.
في ظل اشتداد الأزمة السياسية في الشرق، وتصاعد غير مسبوق لشعبية الأحزاب اليمينية وتحقيقها نتائج كبيرة خلال آخر انتخابات، فالكثير من ذوي الأصول المهاجرة صاروا يفكرون فعلا في البحث عن فرص حياة أفضل في ولايات أخرى ويعبرون عن ذلك حتى في منشورات على الأنترنيت، لكن بالنسبة لفاطمة الأمر لا يستحق.
قالت في حوارها مع مهاجر نيوز: "لقد درست هنا في الجامعة، وأسست حياة متكاملة، ولدي أصدقائي وصديقاتي وأسرة. أنا لا أفكر أبدا في المغادرة رغم الأوضاع". وأوضحت المتحدثة أنها خلال عيشها لفترة 25 سنة في شرق ألمانيا، "عشت تجارب عنصرية كثيرة، لكنني لم أتأثر بها لدرجة التفكير بالمغادرة لأني كنت أركز على بناء حياتي مع أشخاص طيبين هنا، من الألمان والمهاجرين معا".
وختمت فاطمة حديثها بالقول: "أنا سيدة عاملة، حققت ذاتي وربيت أطفالي هنا، وسنبقى في المكان الذي ننتمي له منذ البداية ما دمنا في ألمانيا، إذ لست على استعداد للبدأ من الصفر في منطقة أخرى".
أما بالنسبة ليوسف، فالتأثير الكبير للحياة السياسية على المجتمع صار واضحا، والتوجه اليميني في شرق ألمانيا يجعلها أكثر انغلاقا، إذ يقول: "صدمت بوجود منشورات تنبذ المثلية هنا في مدن الشرق، هذا شيء لم أراه في شوارع المدن الألمانية الأخرى. المجتمع هنا غريب على الفكر الغربي تماما، يصعب المقارنة بينه وبين باقي مناطق ألمانيا".
سبق لدراسة أجرتها مجلة شتيرن الألمانية أن أبرزت أن ستة من عشر مواطنين ألمان مقتنعون أن الفوارق بين المناطق التي كانت تشكل ألمانيا الشرقية وبين ألمانيا الغربية لا تزال كبيرة.
وجاء في نتائج الدراسة التي نشرت العام الماضي، أن 60 في المئة من الألمان يرون وجود انقسام بين سكان ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، فيما تحدث 37 في المئة عن وجود الكثير من الأمور المشتركة بينهما. وهو ما يظهر أنه ليس المهاجرون فقط من يميلون نحو هذا التقسيم، بل المواطنون الألمان أيضا.