ميركل – كيف تقود وتتصرف؟
٢١ نوفمبر ٢٠١٥تفاجئ المستشارة ميركل في بعض الأحيان أصدقائها وخصومها مثلما حدث في صيف 2015، عندما تدفق مئات الالاف من اللاجئين من الشرق الأوسط وافريقيا والبلقان إلى ألمانيا. ففي الوقت الذي بدأت فيه بعض الأصوات تتحدث عن إغلاق الحدود، فاجأت ميركل الجميع بالتصريح "حق اللجوء لا يوجد فيه حد أقصى". ومنذ ذلك الحين أصبح السؤال الكبير المطروح في ألمانيا هو هل المستشارة ميركل، المعروفة بقراءتها المتأنية للأحداث وبقراراتها المدروسة، تعي ماذا تفعل الآن؟
في الواقع تواجه ميركل وحكومتها مجموعة من التحديات في الوقت الراهن وعلى رأسها أزمة اللاجئين بالإضافة إلى خطر الإرهاب. وفي تعليقها على هجمات باريس قالت ميركل "نحن نعلم أن حريتنا أقوى من أي إرهاب". وأضافت "دعونا نرد على الإرهابيين من خلال تشبثنا بقيمنا بثقة أكثر ومن خلال تدعيم هذه القيم في كل أنحاء أوروبا أكثر من أي وقت مضى".
ولم تخلو فترة ترأس ميركل من الاختبارات أبدا، ففي 2013 كادت المستشارة الألمانية أن تقع ضحية كمين سياسي في سانت بطرسبورغ، عندما حاول الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، في افتتاح أحد المعارض أن يمنعها من إلقاء كلمة على عكس ما تم الاتفاق عليه من قبل. وهو ما اعتبرته ميركل استفزازا وهددت بقطع رحلتها إلى روسيا. وقد اعتبر رد الفعل هذا بمثابة انتصار لميركل ودليلا على قدرتها على إثبات ذاتها.
وصفة النجاح: الصمت، المراقبة، الانتظار قبل رد الفعل
ميزة أخرى أظهرتها ميركل في فضيحة تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) على ألمانيا، حين احتجت المستشارة الألمانية على ذلك، وقالت " التنصت غير مسموح به أبدا بين الأصدقاء. الحرب الباردة قد انتهت".
في البداية تلتزم ميركل الصمت وبعد ذلك تعبر عن غضبها بوضوح. وهو أمر ينتقده المؤرخ إدغار فولفروم بقوله "إنها تخفف من حدة كل القضايا الخلافية". ميركل تطرح المشاكل وتأخذ في النهاية رأي الأغلبية. ويطلق النقاد على هذا الأسلوب في السياسة اسم "الميركيالية" نسبة إلى اسمها. وهو أسلوب بقدر ما جلب لها الاحترام جلب لها النقد أيضا.
غير أن الصلابة الحقيقية لميركل تظهر على المستوى الأوروبي، فمنذ 2008 وهي تدير الأزمة اليونانية وتحاول إنقاذ اليورو. وتقول بهذا الخصوص "السياسة الألمانية، وأنا أكدت على ذلك مرارا منذ 2010، تهدف إلى بقاء اليونان في منطقة اليورو. ركائزنا السياسية ومبادئنا لم تتغير: فهي تعتمد على الجهود الذاتية من جهة وعلى التضامن من جهة أخرى".
وفي أثينا على وجه التحديد وفي جنوب أوروبا بشكل عام لا ينظر إلى ميركل بعين الرضا، بيد أن الموافقة الدولية على سياستها الخاصة باليورو تمنح المستشارة الألمانية الكثير من الاعتراف.
إذا أردنا فهم شخصية ميركل وتحليل طريقة حكمها الآن لا بد من النظر في جذورها. فلا يوجد سياسي في تاريخ ألمانيا بعد 1945 تم التقليل من شأنه مثلما حدث مع ميركل، ابنة أحد القساوسة في شرق ألمانيا.
ميركل ليست مبشرة وإنما واقعية بامتياز ويظهر ذلك في قدرتها على مراجعة مواقفها القديمة. فبعد حادث فوكوشيما النووي تحولت ميركل إلى صف المطالبين بالتخلي تدريجيا عن المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية بعد أن كانت تدافع عنها في وقت سابق.
ولم يؤثر ذلك سلبا عليها وإنما زاد من شعبيتها، وتحررت ميركل من لقب "ابنة المستشار"، نسبة إلى محتضنها المستشار الأسبق هيلموت كول، وأحكمت ميركل قبضتها على حزبها المسيحي الديمقراطي وعلى حكومتها أيضا.
مسيرة سياسية متأخرة وبمحض الصدفة
دخول ميركل إلى عالم السياسة جاء صدفة وفي وقت متأخر، فمنصب نائبة المتحدث الرسمي باسم آخر رئيس وزراء لجمهورية ألمانيا الديمقراطية، لوثر دي ميزير، سمح لابنة الخامسة والثلاثين عاما آنذاك بإظهار إمكانياتها الكبيرة في التواصل والتخطيط. وهي التي كانت قد انضمت قبل وقت قصير من ذلك إلى الحزب الديمقراطي المسيحي، حيث عرفت باجتهادها وطموحها.
في عهد المستشار الأسبق هيلموت كول تولت ميركل في عام 1994 حقيبة وزارة البيئة والسلامة النووية. وهو منصب يتلاءم جيدا مع الحاصلة على الدكتورة في الفيزياء.
وبعد خسارة كول للانتخابات البرلمانية في عام 1998، حصلت صدمة للحزب الديمقراطي المسيحي، غير أن أنغيلا ميركل رأت في ذلك فرصة لتعزيز مركزها في حقبة ما بعد كول. وبالفعل تم تعينيها بعد ذلك أمينا عاما للحزب.
وواصلت ميركل تدرجها في الحزب حيث تم انتخابها في أبريل عام 2000 رئيسة جديدة للحزب الديمقراطي المسيحي، كما تم تقديمها في الانتخابات البرلمانية لعام 2005 كمرشحة لمنصب المستشارية ونجحت في ذلك بعد تشكيلها لتحالف كبير مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي.
مرت الآن 15 عاما على ترأس ميركل لحزبها، كما مرت 10 سنوات على توليها منصب المستشارة، وقد نجحت لحد الآن في مواجهة جميع خصومها سواء من داخل حزبها أو من خارجه لتطبع بشخصيتها حقبة مهمة من تاريخ ألمانيا الحديث.
وقد تكون الذكرى العاشرة حاسمة في مسارها السياسي. فعلى ضوء القرارات السياسية التي ستتخذها ميركل في موضوع اللاجئين قد يتحدد مستقبل مسيرتها السياسية.