"نافريس" ـ بين مفهوم شرطة ألمانيا وغضب الجالية المغاربية
٤ يناير ٢٠١٧بدأ الأمر بتدوينة على تويتر ليلة رأس السنة الميلادية تقول فيها شرطة ولاية شمال الراين وستفاليا إنه "يتم التحقيق حاليا في هوية مئات المهاجرين من شمال افريقيا، من أصحاب السوابق. سنوافيكم بمعلومات" وأشارت الشرطة إلى هؤلاء المهاجرين فقط باستعمال كلمة "نافريس". هذا التوصيف لهذه الفئة من المهاجرين بالإضافة إلى التركيز عليهم في عمليات التفتيش أثار جدلا في ألمانيا انخرط فيه سياسيون ألمان وأيضا مهاجرون من دول شمال افريقيا رأوا في هذه التدوينة إساءة لهم، بغض النظر عن أن النسبة الأكبر ممن نسب إليهم التورط في أحداث التحرش الجنسي في كولونيا قبل حوالي سنة ينحدرون من دول شمال افريقيا.
رئيس شرطة مدينة كولونيا، يورغين ماتيس، أعرب يوم الاثنين عن أسفه لاستخدام تعبير "نافريس" للإشارة اختصارا للأجانب من شمال أفريقيا من "أصحاب السوابق" ولكنه دافع عن حملات التفتيش التي استهدفتهم.
وانتقدت زيمونه بيتر رئيسة حزب الخضر خطوة الشرطة، بينما دافع سياسيون من أحزاب أخرى وحزب الخضر نفسه عن تصرف الشرطة الألمانية. من جانبها، وزارة الداخلية الاتحادية دخلت على الخط أيضا ونأت بنفسها عن هذا التعبير مؤكدة أنه ليس تعبيرا رسميا للشرطة في ألمانيا. ومع كل هذا لم يهدأ الجدل خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية.
تعبير عنصري؟
ارنست فالتر، رئيس نقابة الشرطة الألمانية قال في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) إن تعبير "نافريس" لا يستخدم للتقليل من شأن الناس القادمين من شمال أفريقيا "فهو لا يعدو أن يكون اختصارا للأجانب المعروفين للشرطة من شمال أفريقيا وليس عنصريا وليس إهانة". وأكد رئيس شرطة كولونيا أنه تم التركيز خلال حملة التفتيش على الأشخاص الذين يعتقد أنهم ذووا ميول عنيفة، وذلك بناء على معلومات من الشرطة الاتحادية.
وقال إن الشرطة راعت المعلومات الخاصة بالجناة الذي يعتقد أنهم شاركوا في أحداث رأس السنة الماضية، "فالذين تم تفتيشهم لم يكونوا رجالا ذوي شعر أبيض أو نساء شقراوات"، ملمحا بذلك للأحداث التي وقعت قبل عام عند محطة القطارات الرئيسية في كولونيا من سرقة وتحرش جنسي والتي يشتبه في أن أغلب من ارتكبها أو أدين بارتكابها كانوا من دول شمال أفريقيا، حسب معلومات الشرطة. ولم تتكرر هذه الأحداث خلال احتفالات هذا العام.
يشار إلى أن جدلا كبيرا تلى أحداث التحرش الجماعي في كولونيا، وعلى إثر ذلك تم التوجه نحو تصنيف المغرب والجزائر وتونس كدول آمنة ليصبح ممكنا ترحيل من ترفض طلبات لجوئهم إليها.
شريف الرجحاني شاب مغربي مقيم في مدينة بون يقول إنه يتفهم أن تقوم الشرطة بتفتيش هؤلاء المهاجرين لأن من تورط للأسف في أحداث السنة الماضية معظمهم من هذه الدول. ويضيف في حديث لـ DW عربية "طبيعي أن تكون للشرطة ردة فعل لتفادي ما حدث العام الماضي، ولكن ينبغي أن يخضع الجميع أيضا للتفتيش، لأن ما حدث قد يبدر في المرة القادمة من أي جنسية أخرى. و ما يزعجبني بشكل كبير هو استخدام كلمة "نافريس" فأنا أرى أنها مسيئة لنا نحن المنحدرين من دول شمال افريقيا".
وبلهجة أكثر حدة يرفض إسماعيل الغبابة، رسام ومدون مهاجر إلى ألمانيا، تصرف الشرطة الألمانية. وإسماعيل هو مهاجر مغربي يعيش في قرية أويسكيرشن التي تبعد 40 كيلومترا عن كولونيا منذ 2015. تقدم بطلب لجوء لم يتم البت فيه بعد وقد جاء إلى ألمانيا بطريقة غير شرعية. يقول اسماعيل في تصريحات لـ DW عربية " أن تبذل الشرطة جهودها لتمر ليلة رأس السنة ليلة بدون جرائم أمر رائع، فهم يسهرون بذلك على أمننا، لكن أن يكون ذلك على حساب كرامة كتلة معينة من الناس ويشكل إهانة لهم ومنهم طلبة وموظفون وفاعلون في المجتمع الألماني فهذا لا يليق بسمعة هذه المؤسسة".
إسماعيل يقول أن "كلمة "نافريس" سقطت كالصاعقة علي لأني كنت قد قرأتها للمرة الأولى في تدوينة لأحد الألمان الذي كان يستهزء بها وكانت على شكل هشتاغ قمت بالبحث عنه لأجد ان الشرطة هي صاحبة هذا "اللقب" عبر تدوينة قامت بها في صفحتها على تويتر. حينها علمت أني سوف أحمل لقبا جديدا بدل اسمي الحقيقي وهذا الأمر لم أكن أتوقعه في بلد كألمانيا".
"أصبحنا عاهة"
وانخرط في النقاش حول هذا الموضوع أيضا مشاهير من الدول المغاربية في ألمانيا، فقد عبر الكوميدي المغربي بنعيسى المروبل عن امتعاضه من تصرف الشرطة الألمانية لأنه يضعه في نفس السلة مع مجرمين. وقال المروبل في حوار لصحيفة "فرانكفورتر ألغيماينرتسايتونغ" "الاندماج يصبح أصعب أكثر فأكثر. جئت إلى ألمانيا وأنا أبلغ من العمر سنة واحدة. درست هنا وقضيت كل حياتي هنا واندمجت تماما في المجتمع الألماني. ولكن من الصعب الشعور بأنك ألماني عندما يتم تصنيفك ضمن فئة معينة فقط بسبب شكلك".
وفي رسالة وجهها للمتورطين في أحداث كولونيا العام الماضي، قال المربول "ما قمتم به شنيع وأنت تخربون اندماجنا. العديد من مهاجري شمال افريقيا عاشوا هنا في ألمانيا منذ 40 سنة دون مشاكل وهم سعداء بأن يتم السماح لهم بالعيش هنا. والآن يصنفون مع مجرمين في نفس الفئة ويتعرضون أيضا للمراقبة والمضايقات. أرى أن على الألمان الدفاع عنا".
أحد هؤلاء المهاجرين المتواجدين في ألمانيا منذ 40 سنة هو الدكتور محمد تركي أستاذ الفلسلفة بجامعات ألمانية، والخبير في قضايا الثقافة والهجرة وهو تونسي الجنسية. يقول تركي إن ما حدث ليلة رأس السنة وما تلى ذلك من جدل "أصبحنا نشعر معه بأننا عاهة يسعى المجتمع الألماني للتخلص منها بعدما كنا جزءا من هذا المجتمع ونعيش فيه بسلام". ويضيف الخبير التونسي في حوار أجرته معه DW عربية إن النقاش حول تصرف الشرطة ليلة رأس السنة الحالية هو ثانوي ويندرج ضمن جدل أكبر يتعلق بشكل عام بالمهاجرين واللاجئين.
"أنا نافريس"
وفي هذا الإطار يعتقد تركي أن أحداث ليلة الرأس السنة في كولونيا والتي مازالت تدور حولها الكثير من التساؤلات والغموض تم استغلالها إعلاميا لتغيير السياسة الألمانية في موضوع اللاجئين. وتدوينة الشرطة ووصف "نافريس" ليس سوى نتيجة طبيعية لكيفية تعاطي الإعلام الألماني طيلة سنة مع هذا الموضوع وشحنه للرأي العام وهو ما خلف أحكاما مسبقة ضد هذه الفئة من المهاجرين".
وبالإضافة إلى المهاجرين الوافدين على ألمانيا لقي الموضوع تفاعلا أيضا من طرف المهاجرين الذين ولدوا هنا. التونسي عادل دحمان المقيم في كولونيا واحد منهم. فالشاب الذي ولد في ألمانيا وعاش فيها كل حياته يقول إن الشرطة أخطأت بالوصف الذي استعملته وبالتركيز على أشخاص في عمليات التفتيش فقط انطلاقا من شكلهم. ويصف ذلك بالقول "هذا تصرف عنصري وغير ذكي في نفس الوقت". لكن عادل لا ينفي المسؤولية التي يتحملها جزء من مهاجري شمال افريقيا إذ يرى أن هؤلاء يرتكبون جرائم ومخالفات ولا يعلمون حجم الضرر الذي يشكله لذلك لمهاجرين آخرين لا ذنب لهم.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي بدأ منها الجدل لقي الموضوع تفاعلا كبيرا. وانقسم المغردون بين من استعمل "أنا نافريس" و"أنا لست نافريس" للتعبير عن رفضهم للوصف الذي استخدمته الشرطة.
الكاتبة: سهام أشطو