نتائج الانتخابات الألمانية تخلط الأوراق وتغير المشهد السياسي
٣٠ سبتمبر ٢٠٢١أظهرت نتائج الإنتخابات البرلمانية الألمانية، أن ألمانيا بلد منقسم للغاية. عند النظر إلى نتائج الصوت الثاني للناخبين، والتي بموجبها يتم احتساب حصة الأحزاب في البرلمان الألماني "البوندستاغ" ، يتبين لنا ما يلي: تقريبا يسيطر حزبا الاتحاد، حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب الإتحاد المسيحي الإجتماعي في جنوب وأجزاء من غربي البلاد، والحزب الإشتراكي الديمقراطي في بقية ألمانيا، باستثناء الجزء الجنوبي من ألمانيا الشرقية، التي سيطر عليها حزب البديل من أجل ألمانيا. أما حزب الخضر، انتشر في معاقله في المدن الكبرى والمدن الجامعية في جميع أنحاء ألمانيا.
أين تتمركز الأحزاب القوية في ألمانيا؟
لا تزال كل ولاية بافاريا تقريباً معقلا لحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي، حتى ولو أنه حقق أسوأ نتيجة له في الانتخابات البرلمانية منذ عام 1949. وتبقى ميونيخ الإستثناء الوحيد، حيث فاز فيها حزب الخضر. في حين أن ولاية بادن فورتمبيرغ الواقعة في الجنوب الغربي والتي يحكمها حزب الخضر، صوتت بأغلبية ساحقة لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. هناك أيضاً توجد المدن الجامعية في فرايبورغ وتوبنغن وهايدلبرغ مع العديد من الناخبين الشباب الذين تمكنوا من كسب حزب الخضر.
من المثير للاهتمام أن ولاية شمال الراين ويستفاليا في الغرب وهي الأكبر سكانيا في ألمانيا، والتي يحكمها حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر، هي صوة مصغرة عن ألمانيا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. حيث تواجد الحزب الاشتراكي الديمقراطي قوي في المناطق الصناعية القديمة في منطقة الرور، أما حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي فشعبية كبيرة في المناطق الريفية.
في المقابل، تظهر ولايتا مكلنبورغ-فوربومرن وبراندنبورغ باللون الأحمر، حيث كان أداء الحزب الإشتراكي الديمقراطي هو الأقوى في جميع الدوائر الانتخابية، على غرار معظم ولايتي شليسفيغ هولشتاين وساكسونيا-أنهالت.
تراجع حزب البديل من أجل ألمانيا
فقد حزب البديل من أجل ألمانيا، شعبيته في جميع أنحاء ألمانيا وخاصة في الغرب. لكن هناك تيار شعبوي يميني في جنوب شرق ألمانيا، حيث يسيطر حزب البديل على جميع أنحاء ولاية ساكسونيا تقريباً، بالإضافة إلى الجزء الجنوبي من ولاية تورينغن وجنوبي ولاية ساكسونيا-أنهالت.
في ولاية سكسونيا التي يحكمهاا حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، فاز حزب البديل، حيث صوت له ربع الناخبين تقريباً، بينما تراجع الاتحاد المسيحي الديمقراطي إلى المركز الثالث خلف الحزب الاشتراكي الديمقراطي. حزب البديل فاز في ولاية تورينغن أيضا.
توزيع المقاعد البرلمانية
أما بالنسبة للعضوية البرلمانية المباشرة، والتي تُمنح للمرشحين من خلال الصوت الأول للناخب، تتوافق النتائج إلى حد كبير مع الصوت الثاني.والجدير بالذكر، على سبيل المثال، أن حزب اليسار قد فاز بثلاثة مقاعد مباشرة، اثنان في برلين وواحد في لايبزيغ، مما يمكّنه من دخول البرلمان، على الرغم من أن نسبة الصوت الثاني، كانت أقل بقليل من نسبة الخمسة بالمائة المطلوبة لدخول البرلمان كحزب وتشكيل كتلة برلمانية.
روبرت هابيك، الرئيس المشارك لحزب الخضر، فاز بدائرة فلنسبورغ شليسفيغ في أقصى الشمال، وكان ذلك أول عضوية للخضر في شليسفيغ هولشتاين. في حين خسرت مرشحة الخضر للمستشارية، أنالينا بربوك في دائرتها الانتخابية بولاية براندنبورغ في بوتسدام. فقد كان مرشح الحزب الاشتراكي، أولاف شولتز، منافساً قوياً لها وفاز بمقعد هذه الدائرة. فيما لم يتقدم مرشح الاتحاد المسيحي، أرمين لاشيت، ترشيحه في أي دائرة انتخابية.
الوضع يبدو مريراً بالنسبة لحزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي، لأنه فقد العديد من المقاعد لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا في ولايتي ساكسونيا وتورينغن وجزئياً في ولاية ساكسونيا -أنهالت. فقد ذهبت 16 دائرة انتخابية إلى اليمين الشعبوي. وفاز حزب الخضر أيضاً بـ 16 مقعداً، رغم أن له شعبية منتشرة في جميع أنحاء ألمانيا، على عكس حزب البديل من أجل ألمانيا المتمركز في شرقي البلاد.
ما هي القضايا التي لعبت دوراً في قرار الناخبين؟
بشكل عام لعبت قضايا العدالة الاجتماعية وحماية البيئة والمناخ، فضلاً عن الاقتصاد والعمل، دوراً مهما في قرار الناخبين، حسب أولوية كل حزب على حده. فعلى سبيل المثال، شكل الاقتصاد الأولوية بالنسبة لناخبي الاتحاد المسيحي، بينما مسألة كانت البيئة والمناخ فكانت أقل أهمية بالنسبة إليهم. أما الأغلبية الساحقة من ناخبي الخضر، أكثر من 80 في المائة، كانت مسألة حماية البيئة والتغير المناخي الأكثر أهمية بالنسبة إليهم. أما ناخبو الحزب الاشتراكي الديمقراطي فقد صوتوا له بشكل أساسي، بسبب قضية العدالة الاجتماعية، بينما انصب اهتمام أنصار حزب البديل من أجل ألمانيا بشكل خاص على قضية الهجرة.
تغير توجهات الناخبين
أظهرت نتائج الإنتخابات البرلمانية الألمانية، عدم اقنتاع المؤيدين السابقين بسياسة أحزابهم، ولهذا صوتوا لحزب آخر. تحول الناخبين هذا، أثر بشكل كبير على حزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي. فقد خسر الحزب مليوناً ونصف المليون ناخب لصالح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وما يقرب من مليون لصالح حزب الخضر، وما يقرب من نصف مليون لصالح الحزب الديمقراطي الحر، ونحو نصف مليون لم يدلوا بصوتهم.
بالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي نما بقوة، من الملاحظ أنه تمكن من إقناع الكثير من الناخبين السابقين لحزب اليسار وكذلك بعضا من ناخبي حزب البديل من أجل ألمانيا. لكنه خسر جزء من ناخبيه لصالح الخضر، الذين حققوا مكاسب كبيرة أيضاً. إذ استقطب حزب الخضر بدوره ناخبين سابقين من جميع الأحزاب الأخرى في البرلمان الألماني "البوندستاغ "، بما في ذلك 60 ألفًا من حزب البديل من أجل ألمانيا!
نسبة التصويت على أساس الدخل
وفق رئيس الهيئة الاتحادية للانتخابات، فإن من بين 60,4 مليون ألماني يحق لهم التصويت، أدلى 76,6 في المائة بصوتهم، وبالتالي كانت النسبة أعلى بقليل منها في الدروة السابقة قبل أربع سنوات، حيث كانت 76,2 في المائة.
تتأرجح نسبة المشاركة بين الدائرة الإنتخابية دويسبورغ، في منطقة الرور 63,3 في المائة، و دائرة ميونيخ لاند 84,8 في المائة. ولا تكاد توجد دائرة انتخابية أكثر ثراءاً من تلك الموجودة في جنوب ميونيخ، على عكس دائرة دويسبورغ، وهو ما يؤكد القول بأن بأن الاختلافات الاجتماعية تؤثر على نسبة المشاركة في الانتخابات. فكلما كان الناس أكثر ثراءاً، زادت احتمالية مشاركتهم في الانتخابات. والفائز في انتخابات ميونيخ لاند كان حزب الاتحاد المسيحي الإجتماعي، يليه حزب الخضر.
في الدائرة الإنتخابية دويسبورغ، كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي أقوى حزب، تلاه بهامش كبيرحزب الاتحاد المسيحي الديمفراطي وحزب البديل من أجل ألمانيا.
تتمتع بافاريا الثرية بنسب مشاركة عالية في التصويت، كما أن الولايات الأفقر مثل ساكسونياـ أنهالت ومكلنبورغ-فور بوميرن، فمعدل المشاركة منخفض بشكل عام.
التصويت في المدينة والريف
منذ عقود، كان من الواضح من نتائج الانتخابات في ألمانيا ما إذا كانت مدينة كبيرة أم منطقة ريفية: الاتحاد المسيحي يسيطر على الريف، والحزب الاشتراكي الديمقراطي على المدينة. باستثناء الحزب الديمقراطي الحر، لم تلعب الأحزاب الأخرى دوراً في الغالب قبل ظهور حزب الخضر حوالي عام 1980. اليوم تظهر النتائج أنه لا يزال هناك القليل من هذا الاختلاف. إذ لا يزال الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي أقوى بقليل في الريف. من ناحية أخرى، لم يعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي حزب المدينة. اليوم لدى حزب الخضر أنصار أغلبهم من المناطق الحضرية، كما هو الحال مع حزب اليسار، في حين أن حزب البديل من أجل ألمانيا فهو متمركز بشكل أساسي في المناطق الريفية (في جنوب ألمانيا الشرقية سابقا).
التصويت حسب الفئة العمرية
نتائج الإنتخابات تظهر اختلافات أكبر في جمهور الناخبين وفق الفئات العمرية. الأحزاب مثل الحزب الإشتراكي الديمقراطي، والاتحاد المسيحي الديمقراطي/ الاتحاد المسيحي الإجتماعي، تعتبر "أحزاب كبار السن"، حيث هناك عدد قليل فقط من الناخبين الشباب يشعرون بالإنجذاب إلى هذه الأحزاب. إذا أخذنا في الاعتبار أن ألمانيا بها عدد كبير نسبيا من كبار السن وقليل من الشباب، يتضح مدى اعتماد الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي على الناخبين الأكبر سناً.
الأحزاب "الشابة" ليست فقط، كما يُفترض غالباً، حزب الخضر، ولكن أيضاً الحزب الديمقراطي الحر، وبدرجة أقل حزب اليسار. في حين يتم انتخاب حزب البديل من أجل ألمانيا بشكل أساسي من قبل الأشخاص الذين هم "في منتصف العمر".
التصويت حسب الجنس
هل تصوت النساء بشكل مختلف عن الرجال؟ على ما يبدو أن هذا صحيح جزئيا، لكنه يختلف من حزب لآخر. في حين أن الأحزاب المختلفة مثل حزب الإتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب الإتحاد المسيحي الإجتماعي والحزب اليساري مفضلة بشكل متساوٍ من قبل النساء والرجال، فإن حزب الخضر، على سبيل المثال، لديهم زيادة طفيفة في عدد ناخبيهم من النساء. في المقابل، فإن الحزب الديمقراطي الحر، وإلى حد أكبر حزب البديل من أجل ألمانيا، هما "أحزاب رجالية" من حيث الناخبين.
نسبة النساء في البوندستاغ
عامل اختلاف التصويت حسب الجنس، ينعكس على العديد من الأحزاب في تكوين الكتل البرلمانية في البرلمان الجديد. فحزب الخضر الذي انتخبه عدد أكبر من النساء، يضم أيضاً عدداً أكبر من النساء وهن أكثر من الرجال في كتلتهم البرلمانية.
في حين الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا يسيطر عليها الرجال بنسبة 87 في المائة، كما أن غالبية ناخبية من الرجال أيضا. في المقابل تختلف الصورة مع لاتحاد المسيحي، إذ رغم أن نسبة ناخبية من الرجال والنساء متساوية تقريبا، فإن نسبة النساء في كتلته البرلمانية لا تتجاوز 23 في المائة.
كريستوف هاسيلباخ/ إ.م