نتانياهو في ضيافة شولتس: لقاء في زمن الأزمات!
١٥ مارس ٢٠٢٣في الواقع ما تم الإعداد له كان مجرد حفل استقبال، بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس جامعة حيفا. لكن الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وفي مقره "قصر بيلفو" في برلين نهاية الأسبوع الماضي، أطلق مواقف سياسية بشكل غير معهود بالنسبة لرؤساء ألمانيا. حيث تناول إسرائيل والتطورات السياسية الداخلية هناك. بشكل نقدي.
فقد أعرب الرئيس الألماني عن قلقه بسبب "تصاعد الكراهية والعنف" خلال الأسابيع والأشهر الماضية، وخطط الحكومة الإسرائيلية "لإعادة هيكلة دولة القانون". الألمان "نظروا دائما بإعجاب شديد إلى دولة القانون القوية والحيوية في إسرائيل. لأننا نعرف مدى أهمية دولة القانون القوية والحيوية هذه في المنطقة"، قال الرئيس الألماني، الذي كان وزيرا للخارجية بين عامي 2005 و2009، وعامي 2013 و2017.
وأوضح شتاينماير أنه على "تواصل منتظم مع زميلي وصديقي إسحاق هرتسوغ" وأضاف أنه يعتمد على "ذكائه وصوته المتوازن في الجدل الدائر في إسرائيل". فالرئيس الإسرائيلي هرتسوغ (62 عاما) الذي تولى منصبه أواسط عام 2021 يعتبر أرفع شخصية توجه تحذيرات لحكومة نتنياهو، لذلك يتعرض هو نفسه للضغوط.
إصلاح قضائي مثير للجدل
والإصلاح القضائي الواسع الذي تسعى إليه حكومة نتانياهو اليمينية المتشددة، ستغير الأطر الديمقراطية للدولة. وبموجب خطط الإصلاح، يمكن للكنيست (البرلمان) نقض قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، وقد أنهى الكنيست القراءة الأولى لجزء من التعديلات.
لم يسبق لرئيس ألماني وأن وجه نقدا علنيا واضحا للسياسة الداخلية الإسرائيلية، كما فعل شتاينماير. ومعروف أنه في نهاية ولاية الرئيس الإسرائيلي الأسبق، موشيه كتساف، الذي تولى الرئاسة من عام 2000 حتى 2007 حيث استقال بعد رفع دعوى ضده بتهمة التحرش الجنسي، تجنب المسؤولون في ألمانيا زيارة إسرائيل في تلك الأثناء. لكن نادرا ما كان هناك انتقاد علني واضح لسياسة إسرائيل الداخلية، حتى لدى الحديث عن مناطق فلسطينية محتلة.
فالعلاقة بين إسرائيل وألمانيا من نوع خاص، وستظل مطبوعة بالمحرقة والإبادة الجماعية لستة ملايين يهودي في حقبة ألمانيا النازية. والعلاقات الدبلوماسية التي بدأت بين البلدين عام 1965، تطورت بشكل كبير جدا. وأحدث مثال على هذا التطور هو منظمة الشباب الإسرائيلية الألمانية التي تم تأسيسها في سبتمبر/ أيلول عام 2022.
صداقة مبكرة
ومن المعروف أن أول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون، سعى قبل غيره من أجل مصالحة مبكرة متحدثا عن "ألمانيا أخرى". ورغم أن بن غوريون وأول مستشار ألماني بعد الحرب، كونراد أديناور، التقيا مرتين فقط في حياتهما، الأولى عام 1960 والثانية عام 1966، فقد بدا وكأنهما صديقان عن بعد.
أولي المحادثات الرسمية بين إسرائيل وألمانيا كانت عام 1952. وفيما بعد تعلق الأمر باتفاقية التعويضات، ثم اتصالات سرية حول نقل ألمانيا أسلحة إلى إسرائيل.
وحين تم كشف ذلك في منطقة الشرق الأوسط المتوترة عام 1964، كانت هناك إثارة كبيرة. ولكنها كانت الدفعة الأخيرة لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة عام 1965. خطوة كانت صعبة بالنسبة للكثير من الناس في دولة إسرائيل الفتية. وترافق وصول أول سفير ألماني إلى إسرائيل بأعمال شغب.
مستشارو ألمانيا في إسرائيل
من خلال الاحتفالات المشتركة وزيارات ممثلي الحكومة الألمانية تم تعزيز العلاقات والتضامن بين البلدين. وصحيح أن هلموت كول زار إسرائيل مرتين فقط خلال 16 عاما كمستشار لألمانيا، فإن أنغيلا ميركل التي كانت مستشارة لمدة 16 عاما أيضا، زارت إسرائيل 8 مرات، آخرها في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
"اليوم توحدنا روابط الصداقة، إنها هدية لا تقدر بثمن، وهدية غير متوقعة بسبب الخلفية التاريخية" قالت ميركل عام 2018، كما كافحت بحزم معاداة السامية في ألمانيا.
أما المستشار الحالي، أولاف شولتس، فقد زار إسرائيل في مارس/ آذار 2022, وهي زيارته الأولى والوحيدة حتى الآن، والتي خيمت عليها حرب أوكرانيا التي كانت قد بدأت في الشهر السابق للزيارة.
والملفت خلال زيارات ميركل لإسرائيل بين عامي 2005 و2021: أنه في فترات حكومات نتانياهو اليمينية عدد زياراتها للقدس كانت أقل. وفي عام 2017 تم إلغاء المشاورات الحكومية الثنائية في القدس لمرة واحدة، وتمت جدولتها في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 في السنة السبعين لتأسيس دولة إسرائيل.
حل الدولتين
كل رؤساء الحكومات الألمانية، وعلى رأسهم المستشارة أنغيلا ميركل، أكدوا دائما على حق إسرائيل في الوجود بكل وضوح. وبالتوازي مع سياسة الاستيطان الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، يتحدثون دائما عن حل الدولتين. وكل مشروع جديد لبناء مستوطنة، يرافقه تحذير من ألمانيا، بعدم زيادة العبء على الوضع المتوتر في البلاد.
وقد وصلت العلاقات إلى قمتها حين ألقت ميركل في الكنيست كلمة عام 2008، وكانت أول رئيس حكومة أجنبية يلقي كلمة في الكنيست بالألمانية، لغة الجناة. وبدت متأثرة بشكل واضح حين قالت "كل حكومة ألمانية وكل مستشار ألماني قبلي كان ملتزما بالمسؤولية التاريخية الخاصة لألمانياعن أمن إسرائيل. وهذه المسؤولية التاريخية لألمانيا هي جزء من مصلحة بلدي. وهذا يعني أن أمن إسرائيل بالنسبة لي كمستشارة لألمانيا، غير قابل للتفاوض".
أما المستشار الحالي أولاف شولتس فقال "ستواصل ألمانيا، ويمكن التأكد من ذلك، الوقوف إلى جانب إسرائيل" جاء ذلك خلال زيارته متحف الهولوكوست "ياد فاشيم" في القدس. حيث أكد هناك على المسؤولية التاريخية لألمانيا تجاه دولة إسرائيل. وبعد محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، أعلن شولتس عن دعوة قريبة لكامل أعضاء الحكومة الإسرائيلية لمشاورات مشتركة مع أعضاء الحكومة الألمانية في برلين.
من الصعب تصور مشاورات حكومية
عام 2008 بدأت هذه المشاورات الحكومية في القدس، وبعد ذلك كانت هناك ست مشاورات أخرى حتى عام 2018 ثلاث في برلين ومثلها في القدس. الآن وبالنظر إلى التشكيلة السياسية الراهنة، يصعب على كثير من المراقبين تصور إجراء مثل هذه المشاورات بمشاركة كافة أعضاء الحكومة.
وصحيح أن شولتس هنأ نتانياهو لدى توليه منصبه كرئيس للحكومة الإسرائيلية آواخر عام 2022 وأشار إلى الصداقة الخاصة والحميمة بين البلدين، فإن الجانب الألماني ينظر بانتقاد إلى ضم سياسيين وأحزاب يمينية متشددة للحكومة. هؤلاء الذين يجاهرون بأن من بين أهدافهم الإصلاح القضائي وإعادة عقوبة الإعدام وتوسيع المستوطنات في المناطق التي يطالب بها الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية عليها.
نقد أكثر وضوحا من برلين
في البداية جاء النقد من المتحدث باسم الحكومة الألمانية خلال المؤتمرات الصحفية، والتي تم التذكير فيها بحل الدولتين. وفي نهاية شباط/ فبراير أعرب وزيران مهمان عن قلقهما ونقدهما.
فوزير العدل الألماني ماركو بوشمان زار إسرائيل كأول ممثل للحكومة الألمانية بعد عودة نتانياهو على رأس حكومته إلى السلطة. وقد أصبحت النقاشات واضحة على تويتر، إذ أشار بوشمان إلى "الوقوف بوضوح ضد الميل إلى تعريض دولة القانون للخطر" وأكد أن الأمر يتعلق بـ "حماية الديمقراطية الليبرالية" وحذر من "تعريض دولة القانون للخطر".
ولم يسبق أن انتقد مسؤول ألماني الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل بهذا الوضوح كما فعل بوشمان الذي ينتمي للحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي).
وبعد أسبوع من زيارة وزير العدل إلى القدس، استقبلت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك (حزب الخضر)، نظيرها الإسرائيلي الجديد إيلي كوهين، وقالت بحضوره علنا "لا أريد إخفاء أننا قلقون في الخارج". وأضافت أن ديمقراطية قوية تحتاج لـ "قضاء مستقل، يمكنه فحص قرارات الأغلبية أيضا" والحقوق الأساسية "بطبيعتها هي حقوق الأقليات".
أسئلة حرجة من إسرائيل أيضا
والآن يزور نتانياهو برلين، إنها زيارة مثيرة أكثر من أي وقت مضى. ألمانيا وإسرائيل، هذا التاريخ المثقل بالأعباء يفتح فصلا جديدا، والضيف الآتي من إسرائيل سيجلب معه أسئلة محرجة أيضا. حيث لا تزال هناك مشكلة معاداة السامية في ألمانيا.
وحين زار شولتس إسرائيل قبل عام كانت هناك فضيحة معرض دوكومنتا في كاسيل، والذي يعد أحد أهم المعارض الفنية في العالم، حيث كانت هناك سلسلة من اللوحات المعادية للسامية بشكل واضح.
وربما يدلي شولتس وضيفه نتانياهو بعد الغداء بتصريحات صحفية في نفس المكان الذي عقد فيه شولتس مؤتمرا صحفيا مع رئيس السلطية الفلسطينية محمود عباس الذي أشار حينها إلى أنّ الفلسطينيين تعرضوا لـ "50 محرقة"، وظل شولتس صامتا. وفيما بعد أدان المستشار خروج الضيف عن "المسار".
كرستوف شتراك/ عارف جابو