Cultural building in Syria
٩ نوفمبر ٢٠٠٨في إطار التعاون المشترك بين الوكالة الألمانية للتعاون الفني جي تي زد GTZ ومعهد غوته في دمشق استضافت العاصمة السورية مؤخرا ندوة سورية ألمانية حول ثقافة البناء في سوريا وإمكانية الاستفادة من الخبرات الألمانية في هذا المجال وذلك بمشاركة ما يزيد على العشرين من المختصين ومسؤولي التخطيط والسياسات العمرانية في سوريا وألمانيا.
وتركزت هذه الندوة بشكل كبير على ثقافة البناء والتنمية العمرانية المستدامة ودور المجتمع المحلي في تعزيز هذا المفهوم. كما ناقش المجتمعون كيفية إيجاد آليات من شأنها أن تحدث توازنا بين المحافظة على الإرث التاريخي العمراني والتطلع إلى تطوير بيئة عمرانية تتضمن مختلف عناصر الحداثة.
عين على التاريخ وأخرى على المستقبل
ولكي لا يفهم من أن ثفافة البناء تقتصر على الأبنية والإنشاءات تم التأكيد على أنها تتضمن عناصر البيئة المحيطة من مساحات خضراء وأخرى لقضاء أوقات الفراغ والحفاظ على الطابع الثقافي للمنطقة المعنية. وفي هذا السياق أيضا تندرج أهمية الأخذ بآراء السكان المحليين فيما يتعلق بمخططات الأبنية العمرانية العامة بهدف الخروج بأفضل تصميم ممكن يراعي تاريخ المنطقة المعنية وأذواق ساكنيها ورغباتهم، وفق ما أوضحه الدكتور ميشيل براوم رئيس مجلس إدارة الجمعية الألمانية لثقافة البناء. ولكن على الرغم من أهمية هذا الدور للمجتمع المحلي، يرى الدكتور ميشيل "بأن وضع المخططات في سوريا ما يزال محصورا بين المهندسين وصناع قرار السياسات العمرانية".
ويعتقد رئيس مجلس إدارة الجمعية الألمانية لثقافة البناء أن ثقافات البناء في معظم أنحاء العالم تأخذ بعين الاعتبار أهمية التطوير العمراني على أساس أخذ الإرث التاريخي بعين الاعتبار. وعليه فإنه يمكن الاستفادة من بعض النماذج العمرانية في ألمانيا حتى ضمن المخططات العمرانية القائمة في سوريا، حتى في الأحياء القديمة من المدن التاريخية كدمشق وحلب.
أما الدكتور زياد مهنا، رئيس القسم المعماري في كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق فتساءل عن إمكانية الاستفادة من التجربة الألمانية، لاسيما وأن معظم الاستثمارات في البناء تتم عادة على أساس نسب العائدات المتوقعة دون مراعاة الهوية الثقافية ومخاطر تدميرها على حد تعبيره. ولعل خير مثال على ذلك ما يحصل الآن في منطقة الخليج، حيث الأبنية الحديثة أضحت تغطي البوادي والصحارى. وقد انتقل هذا النموذج إلى سوريا، حيث تم التخطيط لمجمعات وضواحي سكنية مشابهة.
أهمية التنمية العمرانية المستدامة
من جهته ركز الجانب الألماني على أهمية تقديم الدعم للتنمية العمرانية المستدامة، بمعنى التنمية التي تراعي البيئة الثقافية والموارد الطبيعية، ولا تضع في مقدمة أولوياتها الربح المادي والسريع. هذا الدعم لا يحتاج برأي مولر فقط إلى مساندة الدولة، بل إلى دعم المواطنين وتفهمهم، إضافة إلى مالكي ومخططي الأبنية أنفسهم. وفي هذا الإطار، ينبغي توعية الناس من خلال حملات التوعية المختلفة بأهمية التنمية المستدامة في الحفاظ على الهوية الثقافية ومصادر العيش. الخبير الألماني فاين مولر يرى في هذا السياق ضرورة قيام الجهات الرسمية المشرفة على قطاع البناء بعدم السماح بأبنية لا تراعي أذواق الناس وتقاليدهم.
زحف العولمة العمرانية
غير أن التنمية العمرانية المستدامة لا تواجه تحدي الخضوع لعائد الاستثمارات فيها وحسب، بل أيضا لتحدي العولمة العمرانية إذا صح التعبير. ففي الوقت الحاضر مثلا يجوب مهندسون معماريون ألمان مختلف أنحاء العالم ويعودون إلى بلدهم بأفكار جديدة تجد انعكاسها في الأبنية من حيث التصميم والتنفيذ. وبدورها ترى الخبيرة الألمانية ايفان رايمان أن العولمة قادمة شئنا أم أبينا، لكن المهم برأيها هو عدم التضحية بالجذور المحلية والروابط بين المجتمع والعمران.
وترى رايمان بأن عنصر القوة الأساسي هو في المحلي وليس في العالمي. ويوافق الدكتور مأمون الورع، عميد كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق رايمان الرأي من ناحية المحافظة على المحلي وعدم إقامة أبنية غاية في الحداثة على حساب مناطق العمران التاريخية. وفي هذا الإطار يقول:"لا يمكن إعادة بناء الأبنية القديمة لكن يمكن بناء الملايين من الأبنية الحديثة".