ما سر الاحتفاء في باكستان بسيطرة طالبان على السلطة؟
٢١ أغسطس ٢٠٢١
كان لسقوط العاصمة الأفغانية كابول في أيدي حركة طالبان أصداء احتفالية في باكستان، إذ عادت أفغانستان إلى سيطرة طالبان التي تعد قوة مألوفة لباكستان بل يراها كثيرون بأنها تمثل امتدادا باكستانيا.
فقد ارتبطت حركة طالبان المعزولة- التي يكن لها الكثيرون العداء فيما يراها أخرون صديقة- بروابط ودية على مر التاريخ مع إسلام أباد. وأعرب الكثير من الباكستانيين عن سعادتهم بنشوة انبعاث طائر الفينيق الطالباني مجددا في أفغانستان.
عمران خان: كسر سلاسل العبودية
وقد بدا هذا الأمر جليا من تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الحماسية التي أشاد فيها بحركة طالبان التي قامت بانتهاك حقوق المرأة علنا بالإضافة إلى الاستهزاء بمعايير العالم المتحضر خلال فترة سيطرتها على أفغانستان في السابق ما بين عامي 1996 و2001.
وقال خان الذي غالبا ما يلجأ إلى الخطاب المعادي للغرب، الاثنين الماضي في كلمة خلال حفل تعريف بالمناهج الدراسية الجديدة بالعاصمة إسلام أباد، إن الأفغان كسروا "سلاسل العبودية"، على حد قوله.
واعتبرت تصريحات خان بمثابة تأييد واضح لحكام أفغانستان الجدد وفي الوقت نفسه كانت بمثابة انتقاد ضمني للذين شاركوا في غزو أفغانستان في الجوار الباكستاني عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول في الولايات المتحدة.
ولم تتوقف التصريحات التي أشادت بسقوط أفغانستان في أيدي طالبان، على عمران خان بل شملت أيضا شخصيات سياسية ذات ثقل داخل باكستان.
فقد كتب مولانا فضل الرحمن زعيم "جمعية علماء الإسلام" – التي تعد أكبر حزب إسلامي مؤيد لطالبان في باكستان– رسالة إلى زعيم طالبان الملا هبة الله أخوند زاده لتهنئته بـ"النصر" وسيطرة الحركة على زمام الأمور.
كذلك أعرب سراج الحق – النائب السابق في البرلمان الباكستاني وزعيم حزب "الرابطة الإسلامية" الذي يعد ثاني أكبر حزب إسلامي في باكستان- عن سعادته بعودة طالبان إلى حكم أفغانستان.
وانضم إلى الأصوات المرحبة باستيلاء طالبان على السلطة، إعجاز الحق - نجل الديكتاتور الراحل ضياء الحق الذي دعم المجاهدين الأفغان خلال الغزو السوفيتي لأفغانستان- إذ أشاد بحركة طالبان، فيما أبدى مفتي باكستان محمد تقي عثماني ابتهاجه بإحكام طالبان سيطرتها على أفغانستان.
ولم تكن التكتلات والأحزاب الدينية المتشددة وحدها التي خرجت بتصريحات أشادت فيها بسقوط الحكومة الأفغانية، بل أعربت بعض الجماعات اليسارية عن سعادتها بهزيمة ما اعتبرته "الإمبريالية الأمريكية".
كذلك خرجت وزيرة حقوق الإنسان الفيدرالية شيرين إم مازاري – التي تعد من الأصوات الليبرالية الاجتماعية في باكستان- لتقارن بين سقوط كابول وما تلى ذلك من اندفاع أمريكي لإجلاء مواطنيها من العاصمة كابول ، وبين سقوط مدينة سايغون في ختام حرب فيتنام.
ففي عام 1975، قامت الولايات المتحدة بإجلاء رعاياها وعدد من العناصر الفيتنامية المتحالفة معها بمروحية عقب استيلاء القوات الشيوعية للجيش الشعبي الفيتنامي (الفيت كونغ) على مدينة سايغون.
وعلى وقع هذه التصريحات، تعرضت شيرين إم مازاري لانتقادات من قبل نشطاء حقوقيين، إذ شددوا على أن الوزيرة أعربت عن سعادتها بانتصار حركة متهمة بانتهاك حقوق الإنسان فيما من المفترض أن الوزيرة منوط بها حماية حقوق الإنسان.
الاحتفاء بانتهاء النفوذ الهندي
أما على الصعيد الإعلامي الباكستاني، فقد انضم معظم المذيعين البارزين إلى حالة النشوة الباكستانية بسيطرة طالبان إذ سخروا مما اعتبروها هزيمة الهند في أفغانستان وقاموا بنشر مقابلة مع رئيس المخابرات العسكرية الباكستانية الراحل الجنرال حميد غول - الذي يعد الأب الروحي لـ"لمجاهدين" - كما سلطوا الضوء على تطبيق المساواة في التعامل مع طالبان.
وكانت تغطية القنوات الباكستانية لسقوط كابول على مدار الساعة إذ استضافت القنوات محللين حاولوا إثبات أن دعم باكستان لحركة طالبان الأفغانية كان عمليا بل وصب في صالح باكستان.
ويعتقد الخبراء أن هناك عوامل مختلفة لعبت دورا في دفع الباكستانيين إلى الإشادة بانتصار طالبان.
ففي مقابلة مع DW، قالت سامية رحيل قاضي - النائبة السابقة في البرلمان عن الجماعة الإسلامية - إن معظم الباكستانيين كانوا سعداء بالنصر لأن طالبان تعد صديقة لباكستان.
لكنها أشارت إلى أن العداء للهند كان أيضا عاملا إضافيا. وأضافت أن الحكومة الأفغانية السابقة قد سمحت للهند بزيادة نفوذها في البلاد، مما أثار مشاكل للحكومة الباكستانية في المناطق القبلية ومنطقة بلوشستان فضلا عن أن المثلث الهندي-الإسرائيلي-الأمريكي كان يتخذ من أفغانستان مركزا للعمل ضد باكستان، حسب قولها.
وتابعت "بالانتصار الذي حققته طالبان، فقد انتهى النفوذ الهندي والآن يتعين على أمريكا والقوى الكبرى الأخرى السماح للأفغان بالعيش".
واتفقت مع هذا الرأي طلعت وزارت - الخبيرة في الشأن الباكستاني والمقيمة في كراتشي.
وفي مقابلة مع DW، قالت إن القنصليات الهندية سواء في جلال آباد التي تعد خامس كبرى المدن الأفغانية، أو في غيرها من المدن الأخرى كانت تعمل ضد باكستان، مؤكدة أنها كانت تدعم المتمردين البلوش وتقوم بأعمال تخريبية تستهدف الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي يُعرف اختصارا بـ (CPEC)، ومشاريع مبادرة الحزام والطريق وذلك بالتواطؤ مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية(CIA) .
وأضافت طلعت وزارت "لكن الآن ومع ظهور حركة طالبان الأفغانية، فإن هذا الارتباط بين الاستخبارات المركزية الأمريكية وأجهزة الاستخبارات الهندية سينهار. القضاء على النفوذ الهندي بعد الاستيلاء على كابول يعد مصدر فرح كبير للباكستانيين."
من جانبه، يرى محمد جلال الدين – أحد قادة جمعية علماء الإسلام الباكستانية – أن سقوط كابول يعد أمرا إيجابيا بالنسبة لباكستان لأن هذا يمهد الطريق أمام إنهاء النفوذ الهندي في أفغانستان.
وفي مقابلة مع DW، قال إنه سيتم القضاء على الملاذات الآمنة لجماعات البلوش الانفصالية ولن تحصل حركة "بشتون تحفُظ" على أي دعم من الهند أو وكلائها في أفغانستان.
روابط دينية مع طالبان
وأرجع كثيرون في باكستان سبب ابتهاجهم بنجاح طالبان في أفغانستان إلى القاسم الإسلامي المشترك.
وتضم باكستان أكثر من 36 ألف مدرسة دينية نصفها تتبع حركة ديوباندي الفكرية الأصولية التي تتقاسمها أيضا حركة طالبان الأفغانية. فقد تخرج بعض قادة طالبان من هذه المدارس التي تحظى بشهرة كبيرة في باكستان.
ويقول القائمون على هذه المدارس إنهم يقومون بتعليم التلاميذ المواد العلمية مع التعاليم الإسلامية.
وتعتقد طلعت وزارت - الخبيرة في الشأن الباكستاني – أن الدين يعد سببا رئيسيا وراء حالة الابتهاج واسعة النطاق في باكستان بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان.
وأضافت أن المسلمين في باكستان لديهم شعور بأن الولايات المتحدة استهدفت البلدان المسلمة فقط خلال العقود الثلاثة الماضية.
وقالت إنه على الرغم من أن سوريا والعراق وليبيا تعد دولا علمانية إلا أن استهدافها من جانب الولايات المتحدة كان بسبب كونها بلدانا إسلامية.
وأضافت أن الدولة (الولايات المتحدة) التي قامت بإلحاق الضرر بهذه الدول المسلمة، تعرضت الآن لهزيمة مذلة وهو الأمر الذي أضاف سببا لفرحة الكثير من الباكستانيين.
وكان حزب "جمعية علماء الإسلام" الباكستانية الأكثر تعبيرا عن هذا التقارب الديني، إذ قال زعيمه مولانا جلال الدين إن ما حدث في أفغانستان ليس فقط انتصارا لطالبان وإنما انتصار للعالم الإسلامي بأسره.
وأضاف أنه يتعين على المسلمين من مصر إلى فلسطين الاحتفال بهذا الانتصار.
التشفي بـ"هزيمة الإمبريالية الأمريكية"
ورغم أن بعض الباكستانيين يعارضون أفكار طالبان إلا أنهم رحبوا بسقوط كابول. فعلى سبيل المثال، قال تكتل تابع للحزب الشيوعي الباكستاني بقيادة جميل أحمد مالك في بيان "سواء تحب الحركة أم تكرها، فهناك حقيقة مفادها أن طالبان هزمت الإمبريالية الأمريكية بعد 20 عاما من النضال". وانتقد جميل أحمد مالك المثقفين اليساريين الرافضين لقبول انتصار طالبان.
وقالت طلعت وزارت إن العديد من الشخصيات الليبرالية والعلمانية في باكستان أشادوا بسقوط كابول، مضيفة "يعتقد الكثير من الباكستانيين المتعلمين أن الولايات المتحدة تعد قوة إمبريالية كانت تسعى لامتلاك الثروات المعدنية لأفغانستان، ويعتقدون أن الفصيل الصغير المتمثل في طالبان قد هزم إمبراطورية عظيمة هاجمت العديد من الدول الفقيرة في الماضي".
البدياة "من رحم المؤسسات الباكستانية"
في المقابل، تعتقد بعض الأصوات المعارضة أن "الأسلمة" التي روج لها ودعمها الدكتاتور الجنرال ضياء الحق خلقت عقلية تدعم أي جماعة أو كيان رجعي. وفي ذلك، قالت مهناز رحمن - الناشطة في مجال حقوق المرأة والمقيمة في كراتشي- إنه بالنظر إلى أن حركة طالبان رجعية، فإن هناك قطاعات داخل المجتمع الباكستاني تدعم الحركة وتبتهج لانتصارها في أفغانستان. وأضافت "لكننا كنشطاء حقوقيين، فإننا في قلق بالغ إزاء الأمر".
وترى بعض الشخصيات المعارضة أن حركة طالبان الأفغانية ولدت من رحم المؤسسة الباكستانية وان هذا الامتداد كان وراء حالة الابتهاج هذه في باكستان. وهو الأمر الذي دفع سارفراز خان - الرئيس السابق لمركز دراسة المنطقة بجامعة بيشاور - إلى الجزم بأن وسائل الإعلام الباكستانية طُلب منها المبالغة في الاحتفاء بنجاحات حركة طالبان الأفغانية. وأضاف أن الأمر وصل إلى أن المذيعين ذوي الأفكار الليبرالية أشادوا بطالبان في محاولة منهم لإرضاء المؤسسة، مشيرا إلى أن الأمر ينطبق أيضا على الأحزاب الدينية. وقال إن المؤسسة الباكستانية تعرضت لانتقادات في الآونة الأخيرة، لذا فهي ترغب من وراء هذا الانتصار تحسين صورتها بين الشعب الباكستاني. وأيا كان الدافع، فيمكن القول بأن ليس الجميع في حالة انزعاج من صعود طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان للمرة الثانية.
إس خان / م ع