نورمان بيش يروي تجربته وينتقد لجنة التحقيق الإسرائيلية
١٥ يونيو ٢٠١٠شارك أستاذ القانون الدولي والعضو السابق في البرلمان الألماني عن حزب اليسار،نورمان بيش، في حملة "أسطول الحرية"، وكان على متن سفينة "مرمرة" التركية التي اقتحمها جنود البحرية الإسرائيلية وقتلوا تسعة من المتضامنين على متنها. في حديثه مع "دويتشه فيله" يروي نورمان بيش، الذي مثل حزب اليسار المعارض في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الألماني السابق، ما عايشه أثناء الهجوم وبعده.
دويتشه فيله: البروفيسور نورمان بيش، يوم أمس أقرت الحكومة الإسرائيلية تشكيل لجنة تحقيق في الهجوم على سفن قافلة المساعدات المتجهة إلى غزة، ما رأيك بهذه اللجنة؟
نورمان بيش: باختصار، لا شيء. تمت المطالبة بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية ومستقلة، وهي فقط القادرة على التحقيق فبما جرى. أما لجنة منتخبة من إسرائيل ومطعمة بمراقبين دوليين ولا تملك حق إجراء تحقيق شامل، مثلا لا يحق لها الإتصال بالجنود، هذه اللجنة لن تكون أكثر من محاولة ترمي إلى إضفاء صبغة شرعية على العملية.
تقول بأن هذه اللجنة لا يحق لها إجراء تحقيقات شاملة، ماذا تريد لها أن تستقصيَه؟
هذه اللجنة يجب أولا أن تتشكل من خبراء دوليين يكونون مستقلين عن أي حكومة ويحق لها البحث في كل ما جرى. هذا يعني أن اللجنة يجب أن تمتلك حق استجواب الجنود الإسرائيليين والضحايا الذين أصيبوا بجراح وتم خطفهم. يجب أن يسمح للجنة بالاستماع إلى كل هؤلاء.
هل تعني أن اللجنة الإسرائيلية لن تستجوب الضحايا أو الجنود؟
لقد قالوا بصريح العبارة بأنه لا يجوز إجراء أي حديث مع الجنود، وأن اللجنة سيسمح لها الاطلاع على الوثائق بشكل محدود فقط. أما الضحايا فلم يتم ذكرهم على الإطلاق.
لكن هناك مشاركة دولية في لجنة التحقيق الإسرائيلية، هناك شخصيتان دوليتان مرموقتان؟
لكن ليس لديهما تفويض ولا يملكان حق المساءلة وهذا أمر ضروري حتى يتمكنا من إصدار أحكام مستقلة ومدعمة بالحقائق. لقد قال الإسرائيليون بصريح العبارة بأن هذه اللجنة لن يسمح لها الاطلاع على كل الوثائق ولا الحديث مع كل الأشخاص المعنيين، لأن هذا قد يهدد أمن إسرائيل.
الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي رحبوا بقرار تشكيل اللجنة، ووزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله قال "هذا تقدم ملموس"، وإذا كان الأمر كما تقول فبماذا رحب الأمريكيون والأوروبيون إذن؟
هناك تقدم لكن هذا ليس كل شيء. ربما يكون هذا خطوة أولى نحو تشكيل لجنة مستقلة لا أرى غنى عنها. هؤلاء سياسيون وهم لا يريدون تعميق الفجوة بين إسرائيل من جهة والولايات المتحدة وأوروبا من جهة ثانية. لكن إذا أرادوا أن يخرج تقرير مستقل فعليهم دعم موقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي رأى أن نجاح هكذا لجنة مرهون بأن تكون دولية ومستقلة وتحظى بحرية العمل.
يجب مساءلة الجنود الإسرائيليين والضحايا
وهل تعتقد أن بان كي مون يملك السلطة لفرض موقفه هذا، مع الإشارة إلى أن تركيا والفلسطينيين طالبوا بالشيء نفسه أيضا؟
لا بد من صدور قرار عن مجلس الأمن بهذا الخصوص. لدينا تقرير مستقل عن حرب غزة هو "تقرير غولدستون" الشهير، ومن الواضح أن الإسرائيليين يريدون الحيلولة دون صدور تقرير مشابه لغولدستون عن هجومهم على سفينة "مرمرة". طبعا يمكن فرض إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة، وقد فعل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ذلك، لكن يجب في هذه الحالة الوصول إلى الجنود الإسرائيليين لاستجوابهم وإذا رفض الإسرائيليون ذلك فإن التقرير لن يكون مكتملا وسيخسر نصف الحقيقة.
لماذا تشكك في لجان تقصي الحقائق الإسرائيلية مع أن لجان تحقيق إسرائيلية كشفت عن حقائق كثيرة وأصدرت أحكاما قاسية بحق مسؤولين إسرائيليين كما حدث في عام 1982؟
هذه الحكومة تختلف عن الحكومات الإسرائيلية السابقة، وهذه الحكومة أثبتت بمقاومتها تشكيل لجنة تحقيق دولية أنها غير معنية بصدور تقرير مستقل. هذه هي المشكلة.
لكن في اعتقادي يجب طرح السؤال بشكل مغاير: لماذا ترفض الحكومة الإسرائيلية السماح بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة؟ هذا هو السؤال الصحيح وليس لماذا نحن نشكك بالإسرائيليين. أكيد أنك تعرف ردود الفعل على تقرير غولدستون، لقد وصفته إسرائيل بأنه أحادي الجانب وأنه حتى معاد للسامية وترفض الاعتراف به.
أول الجرحى كانوا جنودا إسرائيليين
البروفيسور نورمان بيش، أنت موجود الآن في مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ حيث ستروي ما عايشته، ماذا ستقول للنواب الأوروبيين ؟
لقد طُلب مني التحدث عن تجربتي الشخصية على سفينة "مرمرة" حيث تم إيقاظنا قبل بزوغ الشمس على أصوات إطلاق القذائف بكثافة وصوت الطائرات المروحية. لحسن الحظ لم أكن على سطح السفينة لحظة المعارك وإلا لما كنت سأكون جالسا هنا الآن، لكنني رأيت الجرحى الذين تم حملهم إلى داخل السفينة وكانوا ثلاثة إسرائيليين في البداية ثم عدد كبير من الجرحى ثم موتى من الركاب. هذا هو ما شاهدته وسوف أروي ما رأيت. كما سأتحدث عن القيود في معاصمنا حين أخرجونا من القاعات التي كنا ننام فيها إلى سطح السفينة وعن الدمار وعن أمتعتنا التي مازال الإسرائيليون يحتفظون بها حتى الآن. هذه عناصر عملية لا يمكنني، كحقوقي، وصفها سوى بأنها قرصنة واختطاف.
كيف عايشت هذه التجربة شخصيا وما هو العنف الذي شاهدته؟
لم يسبق لي معايشة تجربة كهذه. نحن لم نكن نتوقع ما حدث. طبعا كنا على وعي بأن اسطولنا الصغير لن يصل غزة بدون مصاعب فقد أعلن الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا بذلك. طبعا ناقشنا السيناريوهات المحتملة في حال عدم السماح لنا بالمرور أو إغلاق ميناء غزة، لكننا لم نتوقع أبدا أن نتعرض لوحشية عسكرية بهذا المثيل. هذا كان بعيدا عن توقعاتنا وقد أصابنا بصدمة.
لكن إسرائيل تقول بأنها حذرت السفن وطلبت منها التوجه إلى ميناء أشدود وليس إلى غزة والأسطول رفض ذلك؟
سبب رفضنا هو أننا كنا في المياه الدولية والسفن تحمل حمولة سلمية ومدنية وأننا نملك الحق في مواصلة رحلتنا. لو طلب الإسرائيليون الصعود إلى السفن للتأكد من بيانات حمولة السفن لما كان لدينا مشكلة بصعودهم، لكن هذا لم يحدث، وبدلا من ذلك كانت القنابل هي أول ما سمعناه منهم وتلا ذلك هجوم عسكري، وللأسف لم تظهر وسائل الإعلام نوعية الأسلحة التي هوجمنا بها والتي أسفرت عن هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى.
ما هي تلك الأسلحة؟
كانت أسلحة هجومية ورشاشة ومسدسات ومسدسات للصدمات الكهربائية وغيرها من الأسلحة الفتاكة التي أودت بحياة تسعة على الأقل وأصابت كثيرين بجراح خطيرة.
"اقتادونا في أقفاص كالمجرمين إلى مطار تل أبيب"
أين كنت لحظة بدء الهجوم، هل كنت نائما أم مستيقظا؟
في الساعة الحادية عشرة ليلة الهجوم أجرينا تمرينا حين طلب منا ارتداء بزات النجاة والصعود على سطح السفينة، وبعد ساعة عدنا إلى الغرف. أعلمونا بوجود بوارج حربية بالقرب منا وطلبوا منا النوم بملابسنا حتى ننهض بسرعة، ثم وبعد ساعات قليلة حصل ما حصل وكان أول ما سمعناه القنابل وقد قمت بتصوير القذائف بنفسي، لا أعرف نوعها، لكن الصور التي التقطتها توجد للأسف بحوزة الإسرائيليين.
هذا يعني أن الكاميرا موجودة بحوزة الإسرائيليين. ماذا أخذوا منك أيضا ومتى ستحصل على أمتعتك الشخصية؟
أخذوا كل شيء كان معنا. خرجنا إلى سطح السفينة بالسروال والقميص فقط وأيدينا مقيدة، وهكذا تم اقتيادنا إلى أشدود.هم لم يصادروا التليفون المحمول والكاميرا فقط وأنما الكمبيوتر وكل الأجهزة الإليكترونية وأحذيتنا وملابسنا أيضا. في أشدود قالوا لنا بأننا سنحصل على أمتعتنا، وقد راودني الشك آنذاك فيما قالوه لأن كل شيء كان مدمرا، وحتى الآن لم أحصل على شيء وقد طالبنا الحكومة الإسرائيلية بتعويضنا عن خسائرنا.
كيف كانت المعاملة في أشدود؟
تم اقتيادنا إلى اليابسة حيث خضعنا لفحوص أمنية وسئلنا عن بياناتنا الشخصية ثم أجروا لنا فحصا طبيا، ولأن الفريق الألماني كان يضم اثنين من أعضاء البرلمان، خيرونا بين إبعادنا أو إرسالنا إلى سجن بئر السبع مع الآخرين، وقد اخترنا الإبعاد فتم نقلنا في أقفاص كالمجرمين إلى مطار بن غوريون في تل أبيب ووضعونا في طائرة، أما جوازات سفرنا فحصلنا عليها من شرطة المطار في برلين.
قلت بأن "قافلة الحرية" ستواصل نشاطها، ما هي خطواتكم القادمة؟
أولا علينا أن نعرف ما هو مصير السفن المحتجزة في أشدود، إذ يوجد سفينة منذ عام 2008 ولم يتم إعادتها حتى اليوم. تقضي خطط "قافلة الحرية" إرسال اسطول جديد في الخريف أو مطلع السنة القادمة في محاولة ثانية لإدخال مساعدات إنسانية ومدنية إلى غزة.
قد لا تحتاجون إلى ذلك لأنه وكما يبدو سيخفف الإسرائيليون حصار غزة، فقد صرح وزير الشؤون الإجتماعية الإسرائيلي اليوم بأن الحصار "لا يعود بأي فائدة على إسرائيل" ما رأيك بهذا القول؟
إقراره بأن حصار غزة لا يعود بأي فائدة على إسرائيل، هذا صحيح. بل على العكس، فالحصار يغذي العنف. أما بشأن "تخفيف الحصار" فعلينا انتظار المقصود بذلك. بعد التخفيف الأول للحصار سمحوا بإدخال الليمونادا والبسكويت إلى غزة، لكن هذا لا يفيد الناس بشيء كما لا يفيدهم تخفيف الحصار لأن تخفيف الحصار الحقيقي يعني السماح لهم بالتصدير، كما من الضروري أن لا يبقوا معتمدين على الغذاء والمعونات الأجنبية التي يمكن تقليصها في أي وقت، لذلك من الضروري رفع الحصار كليا وليس تخفيفه.
أجرى الحوار عبدالرحمن عثمان
مراجعة: حسن زنيند