نيران غزة وإسرائيل تلامس لبنان: نزوح وخوف من الحرب
١٢ أكتوبر ٢٠٢٣"تركت منزلي في ضاحية بيروت الجنوبية حيث أحد مراكز ثقل انتشار حزب الله اللبناني بعيد القصف والقصف المضاد الذي حصل بين كل من الحزب والجانب الإسرائيلي في جنوب لبنان،" هذا ما يقوله محمد أحمد لـ DW ، لافتاً إلى أن منطقة حارة حريك حيث يسكن شهدت أعنف قصف في حرب تموز يوليو عام 2006.
وفي هذا السياق، يرى محمد الذي انتقل إلى منطقة عين الرمانة ذات الطابع المسيحي، شرق بيروت، أن ما يحصل في غزة وإسرائيل معطوفاً على المناوشات الحاصلة على الحدود اللبنانية لا تشي بحد أدنى من الاستقرار فمن الأفضل بحسب محمد، الخروج من الضاحية والتزام المناطق التي ربما تكون محايدة في حال حصول أي تطور غير محسوب.
بدورها خديجة حمدان، أم لطفلين في بلدة كفرا الجنوبية، غادرت منزلها ونزحت باتجاه ضاحية بيروت الجنوبية، فالضاحية بالنسبة لخديجة أقل خطراً من الجنوب. تستذكر خديجة حرب تموز/ يوليو 2006، وتقول لـ DW : "إن ما عانيناه في تموز 2006 كان في غاية القسوة، ففي حال تطورت الحرب الآن لن أستطيع إخراج أبنائي من الجنوب بيد أن وجودي في الضاحية سيسهل عليّ النزوح إلى مناطق أكثر أماناً في حال تدحرجت كرة الحرب على نطاق واسع من لبنان".
على صعيد الاستعدادات، تؤكد خديجة أنها منذ اليوم الأول للصراع الدائر في غزة وهي تحافظ على ملاءة خزان وقود سيارتها بمادة البنزين، لافتة أن "أبناء القرى لا يخافون الجوع في الحروب فالمنازل مليئة بالمواد التموينية بيد أن مادة البنزين ضرورية للتنقل من منطقة خطر إلى أُخرى أكثر أماناً، وعليه حافظت على مادة البنزين في سيارتي تحسباً لأي طارئ".
وكانت محطات المحروقات في لبنان عامة، والمنتشرة في بيروت خاصة، شهدت زحمة خانقة ليل الإثنين الثلاثاء 9 و 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، حيث امتدت الطوابير على نطاق واسع من العاصمة اللبنانية، فاللبنانيون هرعوا لملئ خزانات سياراتهم بالوقود، كما لجأ البعض الآخر إلى التمون بالسلع الغذائية الأساسية. من هؤلاء قاسم عبدالله الذي عبأ منزله بالمواد الغذائية، معتبراً أن مجريات الأحداث لا تبشر بالخير فلا مناص وفق قاسم من "تخزين الخبز والحبوب وما تيسّر من المعلبات".
نزوح من القرى الحدودية
في سياق متصل بحركة النزوح، يتوقع رئيس بلدية صور حسن دبوق أن تزيد نسبة النزوح من قرى الجنوب باتجاه المدن الجنوبية كمدينة صور ومدارسها، ويكشف لـ DW أنه منذ مساء الإثنين نزح ما يقارب 200 شخص من قرى مارون الراس وعيناتا وبنت جبيل الحدودية. وفيما يوضح أن "وحدة الحد من الكوارث في اتحاد بلديات صور" تعمل على استقبال النازحين في المدارس، يلفت أنه من المتوقع ازدياد حالة النزوح إثر التصعيد عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
"لم أكن أتوقع كل هذا. في الساعة الثالثة من فجر يوم الاثنين 9 أكتوبر، تشرين الأول 2023، سمعت أصوات صواريخ في محيط منزلي. اتصلت بجيراني وخططنا لإخلاء المبنى فور تصاعد الوضع." هذا ما تكشفه هناء المليجي، ربة منزل وأم لطفلين من مدينة صور، في جنوب لبنان.
وتقول المليجي: "ذهبت إلى وكالة السفر وتقدمت بطلب للحصول على تأشيرة دخول لي ولأولادي إلى دبي للانضمام إلى زوجي". وتضيف:" في طريقي رأيت طوابير السيارات أمام محطات المحروقات. كانت المحلات التجارية قد بدأت بالإغلاق. شعرت بالخوف والقلق من المشهد. عدت وحزمت حقائبي. وعندما سمعنا عن مقتل مقاتلين من "حزب الله"، قمنا بإخلاء المكان لأننا كنا نتوقع رد فعل الحزب ونخاف من اندلاع الحرب." وتختم هناء "نحن نرى ما يحدث في غزة حيث المشاهد مفجعة، ولا أستطيع أن أتخيل ما سيحدث لنا إذا بدأت الحرب."
وضع ميداني متفجّر
ميدانيا، تشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية توترا مستمرّا على وقع تجدد اطلاق الصواريخ من لبنان والقصف المضاد من الجانب الإسرائيلي بين الحين والآخر. وأخذت الأمور منحا تصعيديا قبل يومين بعدما أعلن حزب الله المدعوم من إيران مقتل ثلاثة من مقاتليه في قصف إسرائيلي على مواقعه.
وردّ الحزب المصنف في ألمانيا والولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول العربية كمنظمة إرهابية، باستهداف مواقع عسكرية ومدرعات إسرائيلية، معتبرا أن في ردّه تثبيت لقواعد الاشتباك المعمول بها والتي تعتمد على الموازنة في حجم الضرر والاستهداف، كما عبّرت عن ذلك قيادة الحزب سابقاً.
وفيما يرى مراقبون أن جولات القصف والقصف المضاد بين حزب الله وإسرائيل لا زالت موضعية رغم خطورة الموقف، يشدد مدير مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية سامي نادر على أن مواجهات حزب الله وإسرائيل لا تزال ضمن قواعد الاشتباك المرسومة منذ حرب عام 2006، لكن كل شيء مرهون بسياق العملية العسكرية في غزة وما تشهده الساحة هناك.
ويقول سامي نادر لـDW: "الجميع مدرك خطورة الوضع الداخلي، فلبنان لا يملك مقومات الصمود التي كانت لديه عام 2006. وقتها لم يكن حزب الله قد تورّط في سوريا أو انقلب عليه العرب وقسم كبير من اللبنانيين. لبنان عام 2006 كان في وضعية تختلف عما هو عليه اليوم عربياً وداخلياً، بالإضافة إلى أن الأزمة الاقتصادية العاصفة بلبنان منذ عام 2019 جعلت غالبية الشعب اللبناني تحت خط الفقر وبالتالي لا مقومات صمود اقتصادية للبنانيين".
وفيما يلفت إلى احتمال لجوء إيران "من أجل تخفيف الضغط على غزة والمحافظة على استثماراتها في المنطقة"، إلى فتح جبهة لبنان، خاصة وان المناوشات التي رأيناها في الأيام الأخيرة على الحدود مع اسرائيل، وعلى الرغم من أنها لم تتخطَ قواعد الاشتباك لكنها تدل إلى ان هناك جهوزية حربية عند الطرفين، وان الجبهة ليست هادئة وهي مُرشَّحة للاشتعال في أية لحظة."
وضع داخلي هش
قد يشكل لبنان الجبهة الأصعب لإسرائيل من الناحية العسكرية، بيد أن الوضع الداخلي هش جدا بسبب الانقسام السياسي العامودي بين الأطراف اللبنانية، فالبلاد تعاني من الفراغ الرئاسي منذ ما يزيد عن العام، كما أن السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب معطلة منذ نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وتعمل السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة في إطار صلاحيات ضيقة تقتصر على تصريف الأعمال كونها حكومة مستقيلة وغير أصيلة.
من هنا، فإن العوامل السابقة مجتمعة تطرح أسئلة كبيرة حول قدرة لبنان على إدارة الأزمة في حال اشتعال جبهته وتدحرج الأمور نحو حرب واسعة.
محمد شريتح - بيروت