هل أتت حملات دعم مجتمع الميم في مونديال قطر بنتائج عكسية؟
٢ يناير ٢٠٢٣تعرضت سلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة "ريزينغ كينز" لانتقادات من الأصوات المحافظة في دولة الكويت حيث يوجد بها قرابة 12 فرعا لأحد أكثر مطاعم الدجاج شهرة في الولايات المتحدة.
وجاء الأمر عقب قيام شخص بتصوير الجزء الخارجي لأحد المطاعم المتخصصة بتقديم الطلبات للزبائن داخل سياراتهم، حيث قام بنشر المقطع المصور على منصات التواصل الاجتماعي متهما "ريزينغ كينز" بالترويج للمثلية بسبب شعار "حب واحد" إذ قال إن الشعار هو ذاته للحملة التي بدأها الاتحاد الهولندي لكرة القدم عام 2020 فيما رغبت منتخبات أوروبية بإرتداء الشارة خلال مونديال كأس العالم الذي استضافته قطر.
وجرت مناقشة هذه القضية من قبل سياسيين محافظين في الكويت، فيما أكد النائب محمد المطيري في تغريدة أنه جرى إزالة الشعار من قبل السلطات البلدية وهو ما أكد عليه أحد العاملين في المطعم في مقابلة مع DW.
يشار إلى أن شعار "حب واحد" الخاص بسلسلة مطاعم "ريزينغ كينز" يعني التركيز على إتقان شيء واحد بعينه والتميز فيه، وهو مُستحدم منذ تسعينيات القرن الماضي أي أن "حب واحد" المقصود من الشعار يتعلق بحب الدجاج المقلي.
وهذه ليست الواقعة الوحيدة التي تدل على ارتفاع المشاعر المناهضة لمجتمع الميم في الشرق الأوسط، إذ شهدت الكويت حملة إعلانية معارضة للعلاقات المثلية وقامت برعايتها إحدي الشركات المحلية.
وقال صحافي في مقال افتتاحي في إحدى الصحف الكويتية إن اللوحات الإعلانية جاءت "استجابة تلقائية للرد على حملة دولية غير طبيعية لجلب قيم أجنبية إلى الكويت".
وفي العراق، طالب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر من أنصاره مطلع ديسمبر/ كانون الأول الفائت بالتوقيع على عريضة "ضد المثلية الجنسية" فيما قال أحد أنصاره في مقابلة مع وكالة "أسوشيتيد برس" إن العريضة ليست ردا على نشاط مجتمع الميم في قطر، لكن لأن كأس العالم شهد "محاولات قام بها رعاة فرق غربية مشاركة في البطولة للترويج لهذه القضية."
نتائج عكسية
وفي ضوء ذلك يرى البعض أن الحملات والاحتجاجات لدعم حقوق مجتمع الميم خلال المونديال جاءت بنتائج عكسية، إذ سلطت الضوء على أعضاء مجتمع الميم الذين كانوا يفضلون البقاء بعيدا عن أنظار المجتمعات في بلدان الشرق الاوسط التي لا تقبل العلاقات المثلية.
وفيما يتعلق بالشق القانوني، فإن بلدان الشرق الأوسط قامت بسن تشريعات تُجرم العلاقات المثلية بما في ذلك عقوبة السجن فيما يبدو أن هذه السياسيات تعكس المشاعر العامة في هذه البلدان.
ووفقا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة "الباروميتر العربي" في تسع دول بين عامي 2018 و2019 فإن 12 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع أعربوا عن دعمهم للعلاقات المثلية. وقد دعم استطلاع للرأي أجراه مركز"بيو" للأبحاث في عام 2019 هذه النتيجة.
وفي ذلك، يقول أحد أعضاء مجتمع الميم إنه على دراية بمثل هذه الإجراءات، فرغم أنه توجد حانات للمثليين في تونس و تُقام حفلات خاصة بهم في دبي، إلا أنه لا تكون حملات إعلانية لهذه الأحداث التي يتم تنظيمها وحضورها بحذر.
تداعيات كأس العالم
وفي ذلك، قال ويل تودمان، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، إن الحملات الغربية للتضامن مع مجتمع الميم في الشرق الأوسط جاءت بحسن نية، لكنها أتت بنتائج عكسية.
وأضاف في مقال نُشر في منتصف ديسمبر / كانون الأول الماضي "إنهم يساعدون في بناء التضامن بين النشطاء في الدول الغربية، لكنهم يجعلون الأشخاص الذين يحصلون على هذا التضامن في دول الشرق الأوسط يشعرون بأنهم باتوا أكثر عرضة للخطر".
ونقلت وسائل إعلام عديدة عن ناز محمد، طبيب قطري يعيش في الولايات المتحدة وغالبا ما يُشار إليه على أنه أول قطري يعلن عن مثيلته، قوله إن أعضاء مجتمع الميم في قطر سوف يصبحون أكثر عرضة للمضايقة والاضطهاد بعد مغادرة النشطاء الغربيين عقب انتهاء كأس العالم.
وفي مقابلة مع DW، قال سجاد صبيح، الشاب العراقي المدافع عن حقوق مجتمع الميم: "أعتقد أن دور وسائل الإعلام الغربية كان سلبيا، إذ أن الحديث عن حقوق مجتمع الميم في قطر بشكل أكبر جعل السياسيين يؤكدون على الزعم بأن حقوق مجتمع الميم تعد جزءا من أجندة الغرب للسيطرة على المنطقة".
بدوره، قال طارق زيدان، رئيس منظمة "حلم" التي تعد أشهر وأقدم المنظمات المدافعة عن حقوق مجتمع الميم في المنطقة ومقرها بيروت، "سوف نعاني من تداعيات الأنشطة التي شهدها كأس العالم لبعض الوقت، إذ سوف تؤدي إلى زيادة تدهور سلامة وأمن وكرامة أفراد مجتمع الميم في جميع أنحاء المنطقة."
عوامل أخرى غير المونديال
وأشار زيدان إلى وجود عوامل أخرى وراء ما أطلق عليه "التركيز غير المسبوق" الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط حيال أنشطة مجتمع الميم، مضيفا أن ذلك "ساهم في انتشار العولمة وتزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فضلا عن اتساع حرية المعلومات حيال المجتمعات التي كانت منغلقة في السابق".
وأضاف زيدان أن الحكومات الاستبدادية والمنظمات الدينية المتشددة تؤجج مشاعر العامة ضد أعضاء مجتمع الميم في مسعى لضمان استمرار بقائهم في السلطة وأيضا استمرار نفوذهم الأخلاقي فضلا عن تشتيت الانتباه بعيدا عن سوء الحكم.
وقال إن هذا الأمر أصبح شكلا من أشكال الحرب الثقافية، مضيفا أن كل هذه العوامل قد أدت إلى اِنقشاع الروْية حيال أنشطة مجتمع الميم وهو الأمر الذي جاء بنتائج عكسية. وأضاف بأن "بعض النشطاء يشيرون إلى أن هذا يعد بالأمر الجيد لأن أعضاء مجتمع الميم في ساحة المعركة الآن، لكن آخرين يقولون إن هذا الأمر يعد الأسوأ لأن أعضاء مجتمع الميم ليسوا مستعدين لأي حملات ضدهم".
التعلم من أخطاء الماضي
وأضاف زيدان أن الأحداث التي شهدها كأس العالم في قطر لم تساعد على الإطلاق، قائلا "لقد جرى تسييس الانتقادات القوية ضد السجل الحقوقي لدولة قطر من أجل خلق دعم للحكومة، وفي هذه الحالة ضد علم المثليين. لقد ساعد الأمر في تعزيز الأفكار القائلة بأن المثلية مستوردة من الغرب ووسيلة سياسية لتصفية الحسابات".
وأشار إلى أن الدرس الإيجابي الذي يمكن الخروج به حيال ما حدث في مونديال قطر يتمثل في تحديد الخطوات المستقبلية، خاصة وأن منطقة الشرق الأوسط قد تشهد أحداثا رياضية ضخمة في المستقبل.
وفي سياق متصل، دعا جيمس دورس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط و الزميل البارز في كلية "إس. راجاراتنام" للدراسات الدولية في سنغافورة، إلى ضرورة الخروج بتكتيكات مختلفة. وكتب في مدونته التي تحمل اسم "العالم المضطرب لكرة القدم في الشرق الأوسط" إن من بين أحد هذه التكتيكات "قد يكون البناء على مواقف بعض رجال الدين الإسلامي الذين يتمتعون بمصداقية وإن كانوا يثيرون الجدل في الغالب".
وكان دورسي يشير في مقاله إلى رجال الدين الذين يرون أن المثلية الجنسية خطيئة سيتم معاقبة فاعلها في الآخرة، لكنهم لا يرون أن الحكومات يتعين أن يكون لها أي رأي حيال ذلك. ويضيف بأن "مواقفهم لا تقنن ولا تضفي أي شرعية على المثلية الجنسية، ولا تزيل الوصمة الاجتماعية. لكن هذه المواقف قد تؤدي إلى تجنب تفادي تجريم المثلية وتعزز بشكل كبير حياة أفراد مجتمع الميم خاصة أن حقوقهم الميم لا يمكن تحقيقها في الشرق الأوسط مرة واحدة بل خطوة بخطوة".
من جانبه، دعا زيدان النشطاء الغربيين إلى المضي قدما في دعم نشطاء مجتمع الميم في قطر ودول الخليج، لكن دون لن تعلوا أصواتهم على أصوات مجتمع الميم في المنطقة من أجل "دحض الزعم القائل بأن مجتمع الميم يعد مستوردا من الغرب وأن قضيتنا غير مشروعة".
كاثرين شاير/ م ع